أين السياسة في القمة الأميركية - الكورية؟

  • 6/17/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

قد يكون طبيعياً أن تنشدّ أنظار العالم إلى مشهد اللقاء الموصوف بالتاريخي في سنغافورة بين دونالد ترامب وكيم جونغ أون، مع حفظ الألقاب. كان متوقعاً اعتبار مجرد حصول اللقاء حدثاً كبيراً أتاح لبشر كثيرين أن يتنفسوا الصعداء أو أن يعلنوا عن قدر من الارتياح الواعد بانتهاء لعبة احتباس الأنفاس. فحتى اللحظة الأخيرة، وبالنظر إلى طبيعة زعيمي القمة، بقي احتمال وقوع مفاجأة تلغي القمة أو تحرفها عن مسارها أمراً ممكناً. في هذا المعنى كاد الحدث أن يقتصر على لقطة المصافحة وتبادل التحيات. ذلك أن هذه اللقطة بدت أشبه باستجابة لتطلع عالمي إلى الحوار وتفادي مخاطر الانزلاق إلى لغة التحديات والمواجهات وما قد تؤول إليه. فلنسارع إلى القول إن مشهد المصافحة، على أهميتها الرمزية، لا يبدّد غيوم الالتباسات الكبرى في زمننا المعولم. ولا يعود هذا الالتباس إلى مصادفة أن تكون القمة قد جمعت بين رئيسين يتصفان بحدة المزاج وسرعة تقلبه، بل إلى افتراض التطابق بين مشهدية القمة والدلالة السياسية الفعلية للقاء. فترامب وجونغ أون يشتركان في صفة الانتفاخ النرجسي وتورم الفردانية. على أن هذا الاشتراك هو من مفارقات حقبتنا وليس بسبب تماثل في مواصفات وشروط ممارسة السلطة. فزعيم كوريا الشمالية هو وريث نمط سلطوي وشخصاني، تمتع أيام نشأته في زمن الديموقراطيات الشعبية ببعض الصلاحية التي يبدو اليوم أنها انتهت ولم يبق من مبررات وجودها سوى النكاية والمناكفة والتهويل ما يخوله لأن يكون محض أداة ابتزاز في النزاعات الإقليمية والدولية. أما ترامب فهو ينتسب إلى نمط معين من السلطة المشخصنة في الديموقراطيات التمثيلية. يتغذى هذا النمط من سطوة النجومية والفرجوية في زمن النيوليبرالية لتكريس شكل تربوي للتراتبية وانتزاع المكانة والحظوة. إذا كانت الليبرالية حملت دوماً صيغة توازن هش بين عقلانية السياسة والمصالح وعقيدة الخلاص الفردي المستند إلى المزيد من حرية السوق والتزاحم، فإن ترامب يجسد ترجيح كفة النجومية الاستعراضية للسلطة على كفة التقدير والأداء العقلانيين للسلطة المنتخبة ديموقراطياً. نرجح أن تكون مواصفات الزعيمين لعبت دوراً لا يســتهان به في انشداد الأنظار إلى لقاء القمة بينهما. في سياق مثل هذا لا يعود ترفاً أن نتساءل عن وجه الســـياسة ومعناها الفعلي في هذه القمة. ما رشح حتى الآن هو إقرار الطرفين بضرورة تظهير تســوية مقبولة وإن تسبــبت بقدر من امتعاض الحلفاء. فالإعلان عن تجميد الأنشطة النووية الكورية مقابل تجميد الولايات المتحدة مناوراتها العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية أثار استياء اليابان وكوريا الجنوبية، فيما لاقى استحــسان الصين وروسيا. غير أن التسوية هذه، والمبلطة بإعلان النوايا الحسنة، لا تزيل المخاوف من إمكانية العودة إلى الوراء. ينبغي أن نتذكر ههنا أن ترامب طلب بعد ســـاعتين فقط سحب توقيعه عن البيان الختامي لقمة الدول السبع التي انعقدت في كندا قبيل لقاء القمة مع حاكم كوريا الشـــمالية وسلطانها. صحيح أن قمة الدول الســبع كانت إعلامية وفولكلورية أكثر مما هي ســياسية ملزمة أو موجّهة بقراراتها، لكنها مناســبة لتقريب وجهات النظر وتعزيز العلاقات بين رؤساء الدول الأكثر نمواً وصناعة في العالم. والحال أنّ سحب التوقيع الترامبي ترافق مع صدور تصريحات حادة من قادة هذه الدول على خلفية توتر متزايد بين أوروبا وأميركا حول ملفات حساسة مثل الحمائية والتجارة الخارجية، ناهيك عن قضية الاتفاق النووي الإيراني. ليس مستبعداً أن تكون العلاقات الأوروبية- الأميركية هي مدار السياسة في المدى المنظور. ويمكن في هذا الإطار أن نضع القمة بين ترامب وجونغ أون في معنى أن رفع النبرة الترامبية حيال أوروبا، وتحديداً القاطرة الألمانية- الفرنسية، يحتاج إلى تهدئة مع الصين وإلى تثبيت صيغة للعلاقة مع روسيا البوتينية. ما يرتسم في لوحة النزاعات المتقاطعة هذه هو تلجلج في العلاقات الدولية يشير إلى ازدياد الحاجة إلى تعددية قطبية. وقد تزايدت أخيراً التصريحات الصادرة عن مسؤولين في دول الاتحاد الأوروبي للحض على تماسك أكبر لأوروبا وعلى تعزيز الوحدة الأوروبية في مواجهة الشطط الترامبي وتحدياته وحيال موسكو أيضاً. من المعلوم أن ملف العلاقات بين أوروبا وأميركا شديد التعقيد بالنظر إلى قوة العلاقات التاريخية بينهما منذ الحرب العالمية الثانية، وإن كانت الدول الأوروبية الوازنة سعت دائماً إلى تثبيت استقلاليتها وتمايزها عن الحليف الأميركي حتى في عز الحرب الباردة. ثمة اليوم في أوروبا من ينصح بالصبر وعدم تضخيم الاحتكاكات والمضايقات التي لن يبخل بتوليدها دونالد ترامب. وهم يعتبرون أن هذا الأخير سيغادر بعد ثلاث سنوات البيت الأبيض وسيكون من الصعب أن يفوز بولاية ثانية، ومن الأفضل عدم تسميم العلاقات بين الطرفين. هذه المشكلة تلقي الضوء على واقع الاتحاد الأوروبي وتخبطه وصعوبة رأب الصدوع بين دوله وكياناته المثقلة بأثقال التاريخ الأوروبي وحروبه ذات البعد القاري والعالمي في آن. فمن المعلوم أن بعض دول أوروبا الشرقية ينزع إلى الالتحاق بأميركا أكثر من الاتحاد مع جيرانه في أوروبا. وقد يكون التصويت الذي شهدته قبل أيام قليلة الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤشراً بارزاً على تباين الحسابات. تناول التصويت مشروع قرار غير ملزم يدين استخدام إسرائيل القوة المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. وقد صوّتت 120 دولة من بينها فرنسا ودول أوروبية أخرى لصالح قرار الإدانة، هذا فيما عارضته ثماني دول من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتنعت 45 دولة عن التصويت من بينها بريطانيا وإيطاليا وبولندا. وضع بريطانيا يبقى إشكالياً على كل حال خصوصاً بعد الخروج المضني والثقيل النتائج من الاتحاد الأوروبي. لا يعني هذا أن وحدة الموقف الأوروبي حيال السياسات الإسرائيلية المدعومة أميركياً هو معيار الوحدة الأوروبية. فالموضوع الإسرائيلي أكثر تعقيداً بالنظر إلى ثقل المشكلة اليهودية واختلاف التعامل معها بين بلد أوروبي وآخر، بل حتى بين قطاع اجتماعي أوروبي وآخر. هناك دوائر كبيرة تغض النظر عن سفاهة ترامب باعتبارها عابرة. ولكن ماذا لو كانت الظاهرة الترامبية شيئاً يتولد دورياً من المنظومة ذاتها؟ شارك المقال شارك المقال ذات علاقة ناصر خميس ناصر خميس تطور الصناعة البترولية العربية وليد خدوري هل يصبح نتانياهو القربان الأول لـ «صفقة القرن» ؟ أحمد فؤاد أنور فلسطين الحقوق ... وكوريا المصالح فاتنة الدجاني حسابات الربح والخسارة في قمة ترامب - كيم محمد فايز فرحات هاني مظهر هاني مظهر الأكثر قراءة في الرأي اليوم هذا الاسبوع هذا الشهر الانتخابات تنهِك العراق بمزيد من الأزمات الماركسية العربية في خضمّ المراجعات التهافت الأخلاقي العربي يضعف وعود «ما بعد الصهيونية» عن الإنفاق العسكري ودوره في التخلّف التنموي كرم الحلو

مشاركة :