ابن فرناس لم يكن وحده

  • 6/18/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أربعة قرون عاش في إسطنبول مخترع تركي مشهور يدعى «هيزرفين أحمد»، وذات يوم صنع جناحين من ريش وطلب إذن السلطان للقفز من فوق البرج (الذي يرتفع 195 متراً فوق سطح البحر)، وحين وافق السلطان تجمع أهالي إسطنبول لرؤية سقوطه المرتقب في الساحة المحيطة.. غير أنه نجح في الطيران وانساب في الهواء لمسافة طويلة أوصلته إلى قرب المضيق.. هذه القصة - التي تأكدت منها لاحقاً - غير معروفة خارج تركيا ولا يوجد لها ذكر في تاريخ الطيران. وحين سمعتها لأول مرة ذكرتني بقصة ابن فرناس الذي لبس جناحين من ريش وحاول الطيران بهما في قرطبة الأندلس، ورغم أنه طار في الهواء لمسافة بسيطة إلا أنه وقع ومات - وكانت غلطته الوحيدة أنه حاول هز يديه في الهواء.. وحين سمعت بالنسخة التركية من القصة قلت في نفسي ها هم الأتراك يحاولون مجدداً منافستنا على شخصية مشهورة في تراثنا المشترك.. غير أنني عدت وتذكرت مغامرات عالمية مشابهة تثبت أن الأفكار العظيمة تجتذب مغامرين من مختلف الجنسيات.. ففكرة الطيران مثلاً لفتت انتباه عدد كبير من المغامرين والحمقى منذ فجر التاريخ، وفي ظل الوجود الدائم لطيور السماء من الطبيعي أن يحاول كثيرون تقليدها - بالقفز من جبل عال أو برج مرتفع.. ففي اليونان مثلاً صنع حكيم يدعى «دلوس» وولده أكروس جناحين من الريش وثبتاهما بالشمع وطارا فوق البحر، وفي حين عاد دلوس سالماً طار ابنه أكروس حتى الظهيرة مما تسبب بذوبان الشمع وتفككك الريش وغرقه في البحر!! أما في الصين فقد حاول الحكيم الصيني هايوان الطيران بجناحين من ريش ولكنه سقط في البحر بلا أذى.. وفي المحاولة الثانية ربط نفسه بسرب من البط فرفعته قريباً من السحاب (!!!) أيضاً هناك العالم اللغوي الجوهري مؤلف كتاب الصحاح في اللغة الذي صنع جناحين من خشب وريش وحاول الطيران (العام 393هـ) من فوق مسجد نيسابور فسقط ومات! أما في إسكتلندا فهناك رواية عن نبيل يدعى تيمهايس كان مغرماً بالطيور وطريقة تحليقها، وذات يوم صنع جناحين من ريش وقفز من فوق «قلعة أدنبرة» مما تسبب بوفاته ... أما في ألمانيا فيعد أتوليلينتال الذي أعتبره المخترع الحقيقي للطائرات الشراعية الحديثة.. وقد بدأ حياته محاولاً صنع أجنحة من ريش ترفرف في الهواء، غير أنه أدرك بسرعة تفوق الأجنحة الثابتة المنسابة على فكرة الخفقان المستمر فقام بأكثر من مئتي رحلة ناجحة انتهت آخرها بسقوطه ووفاته..!! ... وكل هذه النماذج تؤكد أنه من غير المستبعد اشتراك معظم الأمم بقصص حقيقية عن مغامرين فكروا بلبس الريش وتقليد الطيور في السماء.. بل أكاد أجزم بوجود عشرات القصص المجهولة أو المنسية انتهى معظمها بوفاة أصحابها وسقوطهم على الأرض.

مشاركة :