شيماء المرزوقي في بعض الأحيان عند عودتك لقراءة التاريخ، أو عندما تصادف ويقع بين يديك كتاب ما، يحمل معلومة تاريخية تعتبر في عصرنا هذا بديهية، لكنها في تلك الحقبة الماضية أحدثت عراكاً وخلافات جسيمة، تستغرب وتملؤك الدهشة على المستوى الفكري الذي كان يعيشه الإنسان في ذلك الزمن، لكن لو قدر وعشت تلك الحقبة وفق مستواها الفكري والعلمي، لكان ذهولك غير مبرر وتسليمك بديهي، وربما كنت ستفكر مثلهم. قرأت في كتاب يحمل عنوان «المبتكرون»، وهو من تأليف التر إيزاكسون، «أنه في القرن التاسع عشر كانت هناك جماعة عمالية تعارض وترفض الثورة الصناعية، وتحطم الآلات خوفاً من إحلال الآلة مكان الإنسان العامل، وأن أتباع هذه الجماعة التي كانت تثور ضد آلات النسيج الميكانيكية، كانوا يسخرون من مالكي الطواحين الذين يسعون لإقرار قانون يقضي باعتبار تدمير آلات النسيج جريمة عقابها الموت». والغريب أن حالات الرفض لكل جديد متواصلة مع الإنسان، وكأنها جزء من تفكيره أو من شخصيته، فكلما دخل اختراع جديد أو كلما طورت آليات وتم ابتكار وسائل جديدة يتم الزج بكلمات كثيرة من الرفض تحمل مخاوف ومبررات متنوعة.والمشكلة أن أية عملية رفض أو مقاومة في الحقيقة هي لا تجدي نفعاً ولا مستقبل لها، فالذي يحدث في العادة هو تأخير عملية التطور لا أكثر، بمعنى: إذا رفض مجتمع ما إدخال الذكاء الاصطناعي، فإنه يقوم بعملية تأخير لتطوره وتقدمه، وفي نهاية المطاف سيتم استقدم الروبوت؛ لأنه إذا لم يفعل ستكون أنظمته بدائية أمام عالم متغير، لكن هنا سؤالان منطقيان من الأهمية طرحهما: لماذا هذا الرفض؟ لماذا تتكرر النظرة السوداوية لمبتكرات ومخترعات المستقبل؟والإجابة تكمن في عدة أوجه، منها الخوف من الجديد وما يحمله من جوانب لا نفهمها تماماً، مثلما هدد الوافد الجديد وظائف العمال فينعكس ذلك على رفضهم للآلات؛ بل وللثورة الصناعية برمتها؛ لأنها تعطي الحياة منحنى غير مسبوق وغير معهود، سيجرف معه طرقاً كانت سائدة ويغيرها. ونتيجة لهذا، فإن هناك أناساً كُثراً ستنتهي أعمالهم التي يقتاتون منها لقمة العيش، والحالة نفسها اليوم تتكرر، حيث نشاهد ما تفعله الثورة التقنية وما يرافقها من مواقف ونتيجة لها تلغى وظائف كاملة.من المهم عدم الانشغال بالرفض والمقاومة؛ بل علينا بالتطوير الذاتي والاستعداد لكل حقبة جديدة، وأن نكون أكثر مرونة ومهارة في اكتساب مهارات جديدة، والتوجه نحو حقول عمل مختلفة، الرفض مجرد إضاعة وقت لا أكثر. Shaima.author@hotmail.comwww.shaimaalmarzooqi.com
مشاركة :