لم تشهد دول مجلس التعاون -منذ استقلالها في سبعينيات القرن الماضي- أوضاعاً سياسية واقتصادية وأمنية معقَّدة كما تشهدها في السنوات الأخيرة، فمنذ قيام الثورة الخمينية عام (1979م) التزمت إيران دستورياً بتصدير مبادئ تلك الثورة القائمة على التمدّد الشيعي غير المحدود خاصة في دول الجوار الإقليمي، وتثبيت نظام (ولاية الفقيه) كنظام إقليمي مُعترف به من قِبَل المجتمع الدولي كأحد أسس النظام العالمي الجديد. وتتفّق النوايا الإيرانية تمام الاتفاق مع سياسة الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية المخطط لها منذ (أبريل 2005م) لتشكيل (الشرق الأوسط الجديد) باستخدام (الفوضى الخلاَّقة) وخدعة (الربيع العربي)، والمعتمدة جميعها على انطلاق الثورات في الوطن العربي في أزمان متقاربة جداً بشكل متعمَّد ليصبح زخمها مجتمعةً أكثر قوة وتأثيراً، في تحرّك فوضوي يهدف في نهاية المطاف إلى تنفيذ المخطط الخبيث بشكل مُحكم وجعله واقعاً على الأرض، وذلك بالاعتماد على عدد من الآليات أبرزها: 1. تقسيم المجتمع الخليجي بإثارة النعرات الطائفية وخَلق عداء طائفي حاد بين السُّنَّة والشيعة. 2. دعم الإرهاب السُّني والإرهاب الشيعي كما هو في (تنظيم داعش) السُّني و(حزب الله وتنظيم الحشد الشعبي) الشيعيين، وتقديم الدعم السياسي والمادي واللوجستي اللا محدود إليها. 3. تسميم أفكار المواطنين بشعارات المظلومية لتثويرهم ضد دولهم وأنظمتهم الشرعية. 4. فتح معسكرات متخصصة للتدريب على التخطيط للمؤامرات والخروج على الحكومات الشرعية والإعداد للمظاهرات والاعتصامات وتجييش الشارع. 5. تأطير المطالبات الشعبية بالإطار الحقوقي والقانوني الخادع المُستند على شعارات (حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة وتوزيع الثروة والفساد والإصلاح السياسي والاقتصادي) وغيرها من الشعارات الفضفاضة. 6. تثوير الشارع العربي بالتنسيق بين الولايات المتحدة ومجلس حقوق الإنسان في جنيف وعدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية والأوروبية لإعداد الخطط الكفيلة باستمرار ثورات الربيع العربي، والضغط الدولي المُنظَّم والمتصاعد في مجلس حقوق الإنسان والمؤتمرات الدولية لاتخاذ قرارات ذات طابع سياسي موجَّهة ضد دول خليجية بعينها. 7. توجيه وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وإعداد حملات إعلامية وإخبارية وعرض التقارير الكاذبة والأفلام الكيدية في الفضائيات العربية وأهمها قناة الجزيرة القطرية والقنوات الإيرانية كقناة العالم والميادين وغيرها؛ لزيادة الضغط السياسي الداخلي والخارجي وإشاعة حالة من الفوضى المستمرة للحصول على تنازلات مستمرة من عدد من دول الخليج والدول العربية. 8. استفزاز دول الخليج العربي بتعزيز قوَّة وحضور جماعات المعارضة من خلال تسمية الشوارع بأسماء قياداتها أو منح شهادات المواطنة الشرفية إليهم، كقيام بلدية باريس بمنح البحريني نبيل رجب مؤخراً لقب (مواطن شرف)، دون الاكتراث بما سيترتَّب على هذا التصرف غير الودّي من انعكاسات سلبية على العلاقات الثنائية بين مملكة البحرين والجمهورية الفرنسية. 9. التدخل في الشؤون الداخلية البحرينية، والسعي بكل جهد لضرب الوحدة الوطنية وإشعال نار الفتنة بين أفراد شعبها المتلاحم منذ أقدم العصور، وتأجيج الشارع البحريني للمطالبة بالتعددية السياسية وحماية حقوق الإنسان، لتصبح البحرين مدخل الحِراك السياسي والحقوقي في منطقة الخليج، ويتحقَّق الهدف الأكبر وهو إسقاط منظومة (مجلس التعاون الخليجي) التي تعدّ الكيان الاتحادي الوحيد الناجح في التاريخ العربي، وهذا ما استعدى مملكة البحرين في (يوليو 2014م) إلى الطلب من (توم مالينوفسكي مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل) مغادرة أراضيها لتدخله السافر في شؤونها الداخلية وعقده العديد من الاجتماعات مع جمعيات المعارضة دون غيرها، بما يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية التقليدية، وهي المرة الأولى التي تتعرَّض لها العلاقات البحرينية الأمريكية لمثل هذا التوتر السياسي الحاد. إن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الخليج العربي -والتي قادتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما- شجَّعت إيران على استغلال مواطني دول مجلس التعاون الشيعة -وبدعم أمريكي- لتحقيق الأهداف (الإيرانية الأمريكية) في إشاعة الفوضى وتأجيج الشارع الخليجي وزرع الخلايا الإرهابية وتهريب الأسلحة لخَلق أوضاع أمنية وسياسية غير مستقرة، خصوصاً في مملكة البحرين ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية، التي لم تَسلم من المحاولات الإيرانية العديدة خلال السنوات الماضية من استغلال مواسم الحج لإثارة الفتنة والتخطيط للحوادث التخريبية وخلق الفوضى والاضطرابات بدفع الحجاج الإيرانيين لرفع الشعارات السياسية والدينية الطائفية, واستغلال هذا الموسم الديني العظيم ليخدم مصالحها السياسية الخبيثة القائمة على أهداف الثورة الخمينية والساعية إلى تدويل الحج. ووسط التهديدات والتحديات التي تعيشها المنطقة، والأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة التي تشهدها دول مجلس التعاون، فإن واقع الحال يستدعي البحث بجدية في إجراءات عملية وفورية لبناء الثقة بين دول المنطقة، والتي من أهمها: أولاً: تخلي إيران عن الاتفاق النووي الذي وقعته في (يوليو 2015م) مع دول (5+1)، والتنسيق مع الدول العربية لإقامة مشاريع نووية سلمية مشتركة. ثانياً: قيام إيران بإعادة الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلتها عام (1971م) بعد الانسحاب البريطاني من شرق السويس، أو الإعلان عن موافقتها على إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية. ثالثاً: تعهّد إيران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة إطلاقاً. هنا فقط يمكن البدء في تأسيس العلاقات الثنائية على قواعد صلبة من خلال خطة شاملة للتنمية الاقتصادية تهدف إلى تبادل المنافع المشتركة وتشجيع الاستثمارات من أجل رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز المصالح المشتركة وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار القائمة على حُسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول دون استثناء. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :