أنزعج أشد الانزعاج عندما أسمع الليبراليين وهم يتساءلون في قلق كبير عما إذا كانت إسرائيل ستظل «دولة يهودية وديمقراطية» مع استمرارها في احتلال الأراضي الفلسطينية. هذا كلام مزعج لأن إسرائيل ليست الآن دولة ديمقراطية كما أنها لم تحاول أبدا أن تكون دولة ديمقراطية. إسرائيل دولة تعطي الأولوية لحقوق فئة من سكانها (اليهود الذين يشكلون 80% من سكانها) على حساب حقوق فئة أخرى (عرب إسرائيل الذين يشكلون 20% من سكانها). مثل هذه الدولة لا يمكن أن تكون ديمقراطية. تمارس إسرائيل التمييز ضد المواطنين العرب، سواء في القانون أو والخدمات الاجتماعية ومخصصات التعليم، فضلا عن أشكال تمييز أخرى في الحياة اليومية. في الوقت الذي يتخوف فيه الليبراليون في الغرب على مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية فإنهم يتجاهلون في الوقت نفسه الممارسات الإسرائيلية على أرض الواقع. لقد ذكرت في كتابي «الفلسطينيون: الضحايا المخفيون» أن إسرائيل قد ظلت منذ نشأتها سنة 1948 تعمل أساسا على ضمان الحقوق والفرص لليهود على حساب السكان الفلسطينيين الأصليين الذي ظلوا هناك بعد النكبة. لم ير هؤلاء العرب أي شيء من ديمقراطية إسرائيل وإنما عاشوا طويلا تحت نير القانون العسكري، كما جردوا من كل حقوقهم الانسانية والمدنية. عمدت إسرائيل إلى مصادرة أملاكهم وأرزاقهم وحرمتهم من كل فرصة للدخول إلى سوق العمل أو لتشكيل أحزاب سياسية مستقلة. خلال السبعين سنة الماضية حقق هؤلاء الفلسطينيون خطوات كبيرة إلى الأمام، حيث إنهم نجحوا في تنظيم صفوفهم من أجل تعزيز نطاق حقوقهم. لقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرا قصتين اثنتين تظهران مدى التناقض الصارخ ما بين الدولة الديمقراطية والدولة اليهودية، والتناقض الصارخ الذي يظل ينخر إسرائيل. تتعلق القصة الأولى بقيادة الكنيست التي ألغت مشروع قانون تقدمت به مجموعة من النواب العرب بعنوان «قانون أساسي: إسرائيل دولة لجميع مواطنيها» وهو مشروع قانون يدعو إلى ضمان حقوق الإسرائيلي من يهود وعرب على حد سواء». يبدو أن قادة الكنيست شعروا بأن مشروع القانون المذكور مصدر تهديد إلى حد أنهم لم يسمحوا بإدراجه على جدول الأعمال لمناقشته. في نفس الوقت تقدم النواب اليهود بمشروع قانون يعتبر أن إسرائيل هي «الدولة القومية للشعب اليهودي»، وهو ما يعني أن الفلسطينيين هم في أفضل الأحوال مواطنون من الدرجة الثانية. أما في القصة الثانية فإن مجموعة من المستوطنين اليهود قد تظاهروا في مدينة العفولة في شمال إسرائيل، رافضين بيع ملك أحد اليهود لعائلة عربية. وزع هؤلاء منشورات يدعون خلالها إلى التظاهر وقد انتقدوا في تلك المنشورات «بيع المنزل إلى من هم غير مرغوب فيهم في الأحياء اليهودية». أما الرئيس السابق لمجلس مدينة العفولة فقد نقل عنه قوله: «سكان العفولة لا يريدون مدينة مختلطة بل يريدون مدينة يهودية وهذا من حقهم». هذه هي نتيجة نظام الفصل العنصري -الأبرتهايد- التي فرضتها إسرائيل كي تتحكم بها في حياة مواطنيها العرب. منذ قيامها سنة 1948 لم تكتف إسرائيل بالاستيلاء على الأراضي المحيطة بالمدن والقرى العربية من أجل تطوير الزراعة اليهودية بل إنها حرمت العرب من حقهم في شراء الأراضي والمنازل في المناطق المأهولة باليهود. تعليقا على مظاهرة اليهود في مدينة العفولة قال رئيس الكتلة العربي في الكنيست»: «هذا ليس بغريب على دولة أنشأت 700 مدينة لليهود من دون أن تنشئ أي مدينة للعرب. لم تعد مثل هذه السياسة تمثل صدمة للمواطنين.. إن أملنا في العيش معا بصدد الانهيار بسبب الكراهية والعنصرية التي أججتها الحكومة الإسرائيلية». يبدو أن إسرائيل قد بدأت تعد نفس المصير للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية. تريد أن تطبق ما فعلته في منطقة الخليل، لذلك فقد بدأت تحاصر الفلسطينيين داخل كانتونات ومناطق معزولة عن بعضها البعض وتحرمهم من الوصول إلى أراضيهم كما أنها تطردهم من المناطق التي يسكنونها تدريجيا. تحدثت الصحافة الإسرائيلية أيضا عن القرار الذي أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية بالسماح لدولة إسرائيل بتدمير المجموعة السكانية في خان أحمر ونقل سكانها بالقوة إلى مكان آخر قرب قرية أبو ديس وهي قرية فلسطينية قريبة من القدس الشرقية المحتلة. يجد سكان خان أحمر البالغ عددهم 173 شخصا مهددين، إضافة إلى المدرسة التي تخدم 150 تلميذا من خان أحمر وبقية القرى المجاورة لها. هذه واحدة من أربع عمليات ترحيل بالقوة للسكان الأصليين الفلسطينيين من أجل إحكام قبضة الاحتلال الإسرائيلي. هناك خيطان اثنان يربطان بين هذه القصص الثلاث. هناك أولا تناقض كبير في القول بأن إسرائيل يمكن أن تكون دولة يهودية صرفة ودولة ديمقراطية. يجب على الليبراليين أن يكفوا عن التعبير عن قلقهم على مستقبل الديمقراطية في إسرائيل. فإسرائيل في الواقع دولة ابرتهايد- تكرس الفصل العنصري. لعل ما يلفت الانتباه أن أيا من هذه القصص التي أتينا على ذكرها لم تلق أي اهتمام من الصحافة الأمريكية، وهو ما يجعلني أفهم تباكي الليبراليين الغربيين. وبما أنهم يتجاهلون الكيفية التي تتصرف بها إسرائيل فإن هذا المستقبل الذي يتخوفون منه موجود فعلا على أرض الواقع.
مشاركة :