عندما يتحول مساند البطل إلى بطل.. ترتقي الدراما

  • 6/19/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تحمل الكثير من الأعمال الدرامية قيمتها من الممثل البطل الذي يرتبط المسلسل باسمه في الكثير من الأحيان، لكن بات كل عمل ناجح يقدّم عاملا مشتركا وهو الرجل الثاني المساند للبطل الذي أصبح أيقونة العمل، وسبب نجاحه في الغالب بسبب إتقانه الدور دون تحمل أي ضغوط. القاهرة - الرجل الثاني أو الممثل المساند للبطل تحوّل خلال الدراما الرمضانية المصرية هذا العام في الكثير من المسلسلات إلى بطل أول بفضل أدائه المتمكن غير المتمرد على مساحة الدور التي لا تقارن بمساحة دور البطل، لكنها تسمح له إذا امتلك موهبة صادقة بتقديم أداء غير مألوف وغير مكرّر ممّا يسحب البساط من تحت أقدام جميع العاملين معه. وبالطبع لا يكون هدف الرجل الثاني الموهوب القفز على دور البطل بقدر البحث عن الأدوار التي تخلق لديه حالة من الشغف والتشبع، وهذا لا يمنع أن يداعبه حلم البطولة المطلقة، لا سيما إذا كان الممثل صغير السن وفي بداية رحلته الفنية، وهذا ما حدث بالفعل مع الكثير ممّن أثبتوا جدارتهم بالانتقال إلى مصاف النجوم الأوائل. لكن ليست هي القاعدة بل الاستثناء، لأن معظم من قاموا بالأدوار الرئيسية المساعدة لم يغادروا أماكنهم مكتفين بالبطولة المجاورة لبطل جذّاب وله جماهيرية عريضة. يعبر ممثلو الدرجة الثانية، ضمير الدراما المستيقظ، عن قيمة التشخيص الجاد والتمثيل المتقن للأدوار كضمانة لاستمرار الأعمال الفنية بكامل بريقها وحيويتها وحضورها المتجدّد عند المشاهدين. فتحي عبدالوهاب: فكرة البطولة المطلقة وهم كبير، وما يعنيني هو تقديم الفن الذي يعيش فتحي عبدالوهاب: فكرة البطولة المطلقة وهم كبير، وما يعنيني هو تقديم الفن الذي يعيش ولا يتحمل الممثل الثانوي مسؤولية الأعمال التي يشارك فيها أمام الجمهور أو جهات الإنتاج، فهو ليس ملزما بشيء تجاه تسويق العمل، كما أن نجاحه أو فشله لن ينسبان إليه، لذا تظل مسؤوليته الفنية منحصرة في إمتاع الجمهور والاستمتاع معه بالتمثيل الحر الذي لا قيود فيه على التنقل من مساحة إلى أخرى بين مختلف الأدوار أيا كانت طبيعتها. وللرجل الثاني مواصفات تختلف عن فتى الشاشة الأول الذي من الحتمي أن يتمتع بكاريزما شعبية تسمح له بتحمل المسؤولية المطلقة عن العمل أمام الجميع، إلى جانب تمتعه بمواصفات شكلية تجعله غالبا مثل أبطال الحكايات الشعبية عند جمهوره باستثناء أبطال الأعمال الكوميدية التي تكون خفة الظل والحضور من مقومات إسناد البطولة إليهم. كل هذه الصفات إلى جانب الموهبة -في معظم الأحيان- تخلق حول البطل حالة من الوهج الذي قد يشوّش قليلا على الهفوات التي يقع فيها فنيا، وتمنحه أكثر من فرصة لتجاوز بعض السقطات الفنية. بينما الرجل الثاني لا يملك دائما نفس الجماهيرية ولا مواصفات الفتى الأول أو نفس القدرة على تسويق موهبته ونجوميته، لذا يظل أداؤه القوي وحضوره الفني وليس الفردي وتوحّده مع الشخصيات التي يؤديها، وسائله للاستمرار في مكانة شديدة الخصوصية والأهمية. ومثابرة الرجل الثاني في الأعمال الفنية وكفاحه من أجل التميّز عملة ذات وجهين، وجه مشرق باعتباره ضمانة حضوره، ووجه سلبي لأنه قد يكون من أسباب أفول نجمه وقيام حروب غير معلنة ضد ظهوره على الشاشات، إذا وقع في براثن أبطال ضعفاء فنيا، وأنانيين لا يفضلون أن يظهر أحد في “الكادر” إلى جوارهم، فهزيمة البطل في الأداء جريمة قد يدفع من اجتهد في دوره وارتكبها ثمنا غاليا من مستقبله الفني. وفي كل الحالات إذا وقعت منافسة معلنة أو خفية بين بطل العمل والرجل الثاني فيه، سيكون انحياز كل صناع العمل إلى البطل الذي يتم تسويق العمل باسمه وشعبيته وليس موهبته فقط، لذا يبقى الأمل في ظهور دراما قوية مرهونا بقبول أبطالها لممثلين أقوياء إلى جانبهم لإثراء الأعمال بأداء ممتع مثل ما قدمه فتحي عبدالوهاب هذا العام، وحاز تقدير وثناء النقاد والمشاهدين. وقدّم فتحي عبدالوهاب في رمضان المنتهي حديثا حالة تعايش كامل مع الشخصيات التي جسّدها، سواء كرجل أعمال فاسد في مسلسل “أبوعمر المصري” أو ضابط أمن الدولة الشريف في “عوالم خفية” دون أن يقع في خطيئة التكرار أو التشابه بين أي منهما، وتفنن في الخروج عن الأداء الدارج بمشاهد لا يمكن إلاّ أن تنسب إليه وحده. ويقول فتحي عبدالوهاب لـ”العرب” “فكرة البطولة المطلقة وهم كبير، وما يعنيني هو تقديم الفن الذي يعيش، فبعد سنوات لن يتذكر الناس من كان البطل، فقط ستعلق بذاكرتهم شخصيات العمل ومن أجاد في تجسيدها. وسواء أكان دوره رجلا أول أم ثانيا في أي عمل يشارك فيه، من الضروري أن يكون في الدور ما يستفز ملكاته كممثل ويضيف لخبراته”. صبري فواز أتقن دور "أسامة بن لادن" صبري فواز أتقن دور "أسامة بن لادن" وهي نفس الحالة التي عاشها مؤخرا محمد رياض الذي أثبت في دور حلمي العجاتي في مسلسل “رحيم” أن التمثيل المخلص هو البطولة الحقيقية والعثور على مساحات جديدة ومختلفة للعطاء الفني، وهو ما قد يمنح الفنان في أي سن فرصة للبداية والوصول إلى مكانة جديدة. وليس ضروريا أن تتوافر فرص الظهور للكثير من الموهوبين في الوقت المناسب، وهو ما حدث مع سيد رجب الذي وصل إلى الدور الثاني في معظم أعماله القليلة، بعد أن تجاوز الستين من العمر الذي قضاه في رحلة فنية مسرحية بلورته كممثل استثنائي، إلاّ أنها حرمته من بدايات مبكرة يستحقها في السينما والتلفزيون ولم يحصل عليها إلاّ بعد وصوله إلى منتصف الخمسينات في مسلسل “موجة حارة” للراحل أسامة أنور عكاشة، ومنها انطلق كغول تمثيل. وهذه البصمة مكنته من نيل البطولة المطلقة في مسلسل “أبوالعروسة”، لكنه كان شديد الواقعية، وعاد إلى الدور الثاني في مسلسل “نسر الصعيد” وبرّر تلك العودة لـ”العرب” بقوله “إذا انتظرت البطولة المطلقة في هذه السن لن أعمل لفترات طويلة، لذا أقبل سنة الحياة الفنية بضرورة تراجعي وإفساح المجال للنجوم الشباب، والفنان يجب ألاّ يشغله أي تصنيف أو تسميات لأدواره بل عليه أن يصب كل اهتمامه على تأثيرها في العمل وقدرته على تلبسها جيدا”. كذلك نجح صبري فواز في الحفاظ على ما وصل إليه من توهج درامي للعام الخامس على التوالي بتقديمه دورا مساعدا في مسلسل “رحيم” و”أبوعمر المصري”، لتستمر حالة التجلي الفني التي يعيشها، حيث سيطر بإتقان على جميع خيوط شخصية رجل الأعمال عماد في “رحيم”، كما تحدّى قدراته، وهو يجسد شخصية أسامة بن لادن في مسلسل “أبوعمر المصري” التي قدّمها بكل انسيابية وعمق ودراسة واضحة لكل تفاصيلها. وجاء أحمد أمين ودوره المساند لأكرم حسني في مسلسل “الوصية” ليقدّم موهبة تمثيلية كوميدية جديدة لعالم الدراما.

مشاركة :