الصراع بين السُّلطة ورأس المال ربما تم تناوله في أعمال درامية وسينمائية أُخرى، لكن "بين عالمين" يختلف عن غيره من الأعمال بأنه قد اهتم برسم معالم لشخصياته وجعلها أقرب ما يكون للمشاهد في تصرفاتها.. هذا بالإضافة إلى بطل للعمل قد حظي باهتمام الجمهور والنقاد في السنوات السابقة. طارق لطفي ممثل له كاريزمته الخاصة وعنده من الوعي الفني ما يؤهله ليخوض مشاريع فنية يحقق بها نجاحاً نقدياً وجماهيرياً، وبين عالمين خير مثال على قدرته التمثيلية في عكس الجوانب المختلفة للشخصية التي يؤديها باختلاف الضغوط والاختيارات التي يتعرض لها، فقد كان تمثيله لشخصية مروان صادقاً وتلقائياً، وبعض مشاهده مع النجم هشام سليم والوجوه الصاعدة كانت master scenes. فشخصية مروان تخطئ وتصيب وتسامح.. وربما تنخدع سريعاً، قد تخون وقد تكذب، فهي مزيج من المشاعر الإنسانية التي تحيط بالفرد وتلهيه عن معانٍ للحياة ظل طوال عمره يبحث عنها! كل هذا جعلها قريبة لقلب المشاهد وأصبحتُ أرى نفسي فيها كأنها تمثل أي إنسان.. وتبرز التحديات والاختيارات التي يقف أمامها ويضحي من أجلها بالكثير. واستكمالاً للأداءات التمثيلية فقد كان أغلبها جيداً، وتحديداً الشخصيات المساعدة التي تتمثل في شباب شركة مروان وكذلك شخصية أمير صلاح الدين، رغم أنه قد قدمها من قبل في أعمال درامية أخرى، إلا أنه استطاع أن يضيف إليها تفاصيل صغيرة، هذا بجانب ظهور جانب آخر غير متوقع لتلك الشخصية في نهاية الأحداث. ومن اللافت للانتباه أداء الوجه الجديد "ريما" في دور سلمى، فعلى الرغم من أن هذه تجربتها الدرامية الأولى، فإنها قد أتقنت أداء الشخصية، خصوصاً أن نقطة تحول شخصية مروان والدافع الرئيسي للأحداث كان الحادثة التي تعرضت لها، مما جعل عليها مسؤولية عالية. وأنا أراها قد نجحت بشكل كبير في إقناع متابعي العمل، وأنا منهم، بموهبتها وبانفعالاتها المتقنة التي قد ساعدت في إرساء كثير من الحبكات الرئيسية في الأحداث. وقد نجح السيناريو والحوار بشكل جيد في رسم أبعاد للعلاقات بين الشخصيات ربما كانت معقدة بعض الشيء وسريعة التطور والتحولات، إلا أنها ساهمت في سير الأحداث كعلاقة مروان بأهله وبطليقته (لقاء الخميسي) التي كانت أقرب للواقع وأهمها في كتابة النهاية. وأما أكثرها توفيقاً -درامياً- في رأيي كانت العلاقة بين نادر (هشام سليم) وبسنت (فيدرا). ربما يعيب العمل -في رأيي- بعض التحولات الدرامية غير المبررة، وكذلك سرد خطوط نهاية بعض الشخصيات، وتحديد دوافعها قرب النهاية لم يكن موفقاً، وربما أنقذ المسلسل في تلك المرحلة الإخراج الراقي لأحمد مدحت الذي يتماشى مع الأجواء العامة للدراما التي يقدمها العمل، وكذلك المونتاج ومشاهد الـflash back بجانب الموسيقى التصويرية. كل هذا يجعل "بين عالمين" مسلسل إثارة في المقام الأول، لكنه لا يفتقد الجانب الإنساني الذي يتمثل في الاختيارات والتحدّيات التي تقف أمامها الشخصيات الدرامية باختلاف أفكارها وتجاربها الحياتية. وأنا قد أحببت التعاون بين طارق لطفي والمخرج أحمد مدحت، وأتمنى أن أرى هذا الثنائي في عمل فني قادم يجمعهما. لكني أنتظر أيضاً حبكات أخرى تقدمها الدراما لتمسّ الجانب الإنساني في المشاهد وتجعله ينسجم مع رحلة البطل، ويعيش أحداثها، بدلاً من أن تقدم واقعاً "يوتوبي" لا يرى المشاهد نفسه فيه أو يشعر أنه لا ينتمي إليه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :