شباب البصرة يطردون شبح البطالة بعيدا عن طابور الوظيفة

  • 6/19/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

البصرة (العراق) – يسعى شبان في محافظة البصرة الغنية بالنفط في جنوب العراق إلى ابتكار وظائف لتأمين موارد عيشهم وتجنب البطالة، وذلك عن طريق تحويل سيارة إلى مقهى نقال أو صنع مجسمات من مخلفات معدنية أو الاستفادة من ممر ضيق وجعله متجرا لبيع الكتب. تختلف الأوضاع اليوم في العراق عما كانت عليه إبان نظام صدام حسين عندما كان خريجو الجامعات يحصلون على وظائف في مؤسسات حكومية وفقا لنظام تعيين مركزي، فيما كان العمل شبه معدوم في القطاع الخاص. وأصبحت الوظائف الحكومية خلال الأعوام العشرة الأولى بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003، متوفرة لكن عن طريق المحسوبيات. وانتهى كل ذلك الآن، واختفت بشكل شبه كامل فرص العمل في القطاعات الحكومية ما انعكس على فرص العمل التي أصبحت نادرة جدا في القطاع الخاص. قبل ثلاث سنوات، نال كرار علاء (26 عاما) شهادة جامعية في التجارة، ولم ينجح في الحصول على وظيفة حكومية في مدينة البصرة المطلة على الخليج. بعد أن أتعبه الانتظار قرر أخيرا جمع كل ما ادخره واقترض من بعض أقاربه، وقد وصل المبلغ إلى 20 ألف دولار، فاشترى به سيارة ليحولها إلى مقهى نقال. يقول الشاب متحدثا أمام سيارته التي ثبّت فوقها كوبا بلاستيكيا كبيرا “اكتشفت هذه الفكرة، وهي المرة الأولى في البصرة، من خلال صفحات التواصل الاجتماعي عبر فيلم مصور في إحدى الدول الأوروبية يصور سيارة تستعمل كمقهى متنقل لبيع المثلجات والشاي والقهوة”. رزقه من القصص الجميلة رزقه من القصص الجميلة وأشار كرار إلى أنه يحقق “أرباحا تصل إلى 150 ألف دينار (حوالي 120 دولارا) يوميا”. تبدو الأرباح التي يحققها كرار أقل مما يؤمنه مشرق جبار (26 عاما) الحاصل على شهادة جامعية في الجيولوجيا الذي حول ممرا ضيقا في مركز تجاري حديث في البصرة، إلى مكتبة لبيع الكتب. وقال هذا الشاب الذي كان يأمل في الحصول على وظيفة حكومية، خصوصا في شركات النفط المنتشرة في مسقط رأسه محافظة البصرة، وهو يرتب الكتب المدرسية والروايات الرومانسية وكتب الشعر إن “تبلغ كلفة إيجار محل هنا ستة آلاف دولار في الشهر بينما أنا أدفع 2500 دولار مقابل استغلال هذا الممر”. وتشكل موارد العراق النفطية 89 بالمئة من ميزانيته، وتمثل 99 بالمئة من صادرات البلاد، لكنها تؤمن واحدا بالمئة من الوظائف الخاصة بالعمالة الوطنية لأن الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالبا على العمالة الأجنبية. وتبلغ نسبة البطالة في العراق رسميا 10.8 بالمئة، وتشكل الشريحة العمرية دون 24 عاما نسبة 60 بالمئة من سكان العراق، ما يجعل معدلات البطالة في أوساط الشباب أعلى مرتين. ومع انتشار الجامعات الخاصة التي يصل عددها في بغداد فقط إلى ثلاثين، أصبحت معدلات البطالة في صفوف الخريجين مرتفعة. ولتأمين قوتهم يضطر عدد كبير من الشبان الحاصلين على شهادات جامعية إلى الاعتماد على آبائهم في انتظار الحصول على عمل. القليل من هؤلاء نجحوا في الحصول على وظيفة في القطاع الخاص الذي كان محدودا في البلاد قبل غزو العراق من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2003. في القمامة كنوز ومال في القمامة كنوز ومال يقول أحمد عبدالحسن -أستاذ علم الاقتصاد في جامعة البصرة- “الثقافة الشائعة هي أنه لا خيار سوى الوظيفة الحكومية”. وأضاف “معظم الشبان يعتبرون العمل الخاص أو العمل في القطاع الخاص عملا وقتيا في انتظار الحصول على وظيفة حكومية”. ويقول جبار “أفضل الوظيفة الحكومية لأنها تؤمن راتبا شهريا وتقاعديا”، مضيفا “الأعمال الحرة تتأثر بظروف البلد ومعرضة للخسارة أو الربح”. بدوره يرى علاء أن “الوظيفة الحكومية توفر لصاحبها ضمانا اجتماعيا وتقاعدا عائليا”، في بلد يمر بظروف استثنائية بعد أن كان يطبق نظاما صحيا وتعليميا رفيعا حتى في ظروف الحصار الذي عاشته البلاد في تسعينات القرن الماضي. بفضل كل ما تؤمنه الوظائف الحكومية، كان عمر عبدالله الذي أكمل دراسة الفنون الجميلة يعتبر أن اختصاصه يسمح له بالعمل مدرسا في وزارة التربية. لكن بعد أن أصبح في الـ28 من العمر، دون حصوله على أي فرصة من هذا النوع، قرر البحث عن وسيلة لكسب رزقه لا تتطلب بدايتها أي مبلغ من المال. وقال هذا الشاب الذي حول إحدى زوايا منزل عائلته إلى مشغل “اعتمدت على نفسي من خلال هواياتي وتولدت عندي فكرة أن أجمع المهملات أو ما يسمى بالخردة وأصنع منها نماذج فنية أو مجسمات”. وبعد أشهر تمكن عبدالله من بيع نصف دزينة من مجسماته، دراجات نارية من البراغي وحشرات يعسوب من سكاكين وعقارب من سلاسل دراجات هوائية، الأمر الذي يوفر له مبالغ محترمة تؤمن له العيش وتوسيع مشروعه بعد تأمين مشغل أوسع وتجهيزات أفضل. وتحدث بفخر واضح قائلا “الناس يحبون مجسماتي، ويتساءلون كيف أمكن لك أن تصنع شيئا جميلا من القمامة؟”.

مشاركة :