باتت الصين والولايات المتحدة أمس، أقرب من أي وقت مضى من حرب تجارية، بعد اتهام بكين دونالد ترامب بـ «الابتزاز» غداة تهديد الرئيس الأميركي بفرض رسوم مشددة جديدة على منتجات صينية مستوردة. وأثار هذا التوتر التجاري قلق الأسواق المالية في العالم وخصوصاً في الصين حيث تراجعت بورصات هونغ كونغ وشنغهاي وشينزين أكثر من 3 في المئة بحلول منتصف النهار. وطلب ترامب أول من أمس من الممثل الأميركي للتجارة روبرت لايتهايزر، «تحديد ما قيمته 200 بليون دولار من المنتجات الصينية لفرض رسوم جمركية اضافية بنسبة 10 في المئة»، للرد على الاجراءات «غير المقبولة» التي اتخذتها بكين، رداً على سلسلة أولى من الرسوم الجمركية أقرتها واشنطن يوم الجمعة الماضي. وبإمكان الرئيس الأميركي المضي أبعد من ذلك، إذ يلوح بفرض رسوم على ما قيمته 200 بليون دولار من المنتجات الصينية الإضافية «اذا زادت الصين رسومها» رداً على قراره. وبذلك يمكن أن ترتفع إلى 450 بليوناً قيمة المنتجات الصينية الخاضعة لرسوم اي الغالبية الكبرى من الواردات الصينية. ونددت وزارة التجارة الصينية في بيان أمس بـ «فرض ضغوط قصوى وابتزاز» مشيرة إلى أن «هذه الممارسات (...) تتعارض مع الاتفاق الذي توصل اليه الجانبان مرات خلال مشاوراتهما» في الأسابيع الماضية. وحذرت من «أن الصين ستجد نفسها مضطرة لاتخاذ مجموعة من التدابير الشاملة المتناسبة كماً ونوعاً، واتخاذ اجراءات مضادة قوية اذا ابتعدت الولايات المتحدة عن المنطق ونشرت قائمة (بالسلع المستهدفة)». وعند إعلانه الجمعة فرض رسوم بـ25 في المئة على ما قيمته 50 بليوناً من الواردات الصينية للتعويض على حد قوله عن حيازة غير مشروعة لملكية فكرية وتكنولوجية أميركية، حذر ترامب الصين من أنه سيفرض رسوماً جديدة في حال قررت الرد. وكان العملاق الآسيوي تجاهل هذا التهديد حتى الآن اذ اعلن انه سيفرض تعرفات مماثلة على منتجات أميركية. وبرر ترامب موقفه في بيان مساء اول من أمس بأنه «يجب أخذ إجراءات اضافية لحض الصين على تغيير ممارساتها غير العادلة وعلى فتح أسواقها أمام البضائع الأميركية». وأتى رد الفعل الصيني بعيد اعلان ترامب انه يعتزم فرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة على ما قيمته 200 بليون دولار من الواردات الصينية، رداً على الإجراءات «المرفوضة» التي اتخذتها بكين بعد زيادة ضريبية أولى فرضتها الولايات المتحدة على واردات من المنتجات الصينية. إلا أن الاتحاد الوطني للبيع بالمفرق «ناشيونال ريتيل فدريشون»، وهي مجموعة ضغط أميركية لتوزيع المنتجات، انتقدت في بيان «هذا التصعيد الخطير» معتبرة انه «التذكير الأخير بضرورة تدخل الكونغرس وممارسة نفوذه حول السياسة التجارية». واعتبر الاتحاد أن نحو 455 ألف وظيفة أميركية مهددة بالإجراءات العقابية الأخيرة ضد الصين، مضيفاً أن لا بد أيضاً من أخذ ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الاعتبار. وعام 2017، بلغ حجم الصادرات الأميركية إلى العملاق الآسيوي الذي يعتبر ثاني قوة اقتصادية في العالم، 130.4 بليون دولار من المنتجات. واستوردت أميركا في الوقت ذاته ما قيمته 505.6 بليون دولار من المنتجات الصينية بحسب احصاءات وزارة التجارة، ما يعكس عجزاً يفوق يفوق 375 بليون دولار. ويريد ترامب ارغام الصين على خفض العجز التجاري الذي تسجله بلاده حيالها بمقدار 200 بليون دولار. يقول خبير الاقتصاد في كلية التجارة «اتش اس بي سي» في شينزين (جنوب الصين)، كريستوفر بالدينغ، إن «الصين ليس لديها خيارات عددية فهي لا تستورد الكثير من المواد من الولايات المتحدة وليس هناك منتجات اضافية يمكن فرض رسوم عليها». وأضاف «يمكنها ان تحقق حول كل الشركات المرتبطة بالولايات المتحدة لكن ذلك سيدعم حجج ترامب في شكل إضافي. على أصعدة عدة، الصين ليس لديها قدرة كبيرة على الرد». وشدّد الرئيس الأميركي أول من أمس على أن «العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين يجب أن تكون أكثر توازناً»، وكان فرض منذ أواخر اذار (مارس) رسوماً بـ25 في المئة على واردات بلده من الفولاذ والألومنيوم من الصين، متذرعاً أيضاً بالدفاع عن الأمن القومي. وشكل موقف الجمعة نهاية للهدنة التي أعلنت في 19 أيار (مايو) بين القوتين العظميين بعد مفاوضات شاقة بين مسؤولين صينيين وأميركيين كبار في بكين ثم في العاصمة الأميركية. وستنشر الإدارة الأميركية كذلك بحلول 30 من الشهر الجاري لائحة قيود تعتزم فرضها على الاستثمارات الصينية. وتثير السياسة التجارية للادارة الاميركية الحالية قلقاً في أوساط المزارعين الأميركيين الذين قد يكونون الأكثر تضرراً من إجراءات صينية. كما يخشى قطاعا السيارات والطيران من تبعات هذا الخلاف.
مشاركة :