أخيراً أصبحت للعرب مكانة مرموقة في المجلس الدولي للمتاحف، بعد أن فازت الإسكندرية بتنظيم مؤتمر المجلس نفسه للعام 2022 بعد منافسة مع مدينتي أوسلو وبراغ في مقر اليونسكو في باريس، وهو المقر نفسه الذي شهد من قبل صراعات عربية- عربية في وقائع عدة خلال السنوات الأخيرة. المجلس الدولي للمتاحف، أنشئ مع اليونسكو العام 1946 ومصر كانت من الدول المؤسسة له، ويعتبر الجناح الآخر لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، وينظم كل ثلاث سنوات مؤتمراً يشارك فيه ما يزيد على 4000 خبير ومسؤول فضلاً عن مختصين في المعارض ومثقفين ومفكرين ومعماريين وسياسيين، ويصاحبه معرض لكل ما له صلة بالنشر والمتاحف وتسويق التراث... الخ. ويضخ المؤتمر في المدينة المستضيفة استثمارات كبيرة، فضلاً عن أنه يجتذب وسائل الإعلام من أنحاء العالم وشركات السياحة الكبرى. وآخر مدينة استضافته كانت ميلانو (إيطاليا) في العام 2016 والمدينة التالية هي كيوتو (اليابان) في 2019 وتليها الإسكندرية في 2022. هذه المرة، لماذا انتصر العرب؟ لأن خبراء المتاحف العرب ولجان المتاحف العربية قرروا أن يعملوا بمهنية، وتحالفوا على إنجاح الحدث، فعلى رغم أن الملف مصري والمدينة مصرية، إلا أن كلاً من السعودية والإمارات والمغرب وتونس وعُمان والأردن ولبنان والكويت، وهي الدول العربية الأعضاء في المجلس الدولي للمتاحف إلى الآن، عملت مع الوفد المصري كيدٍ واحدة، وتقاسمت الأدوار. أذكر هنا الأمين العام للمنظمة العربية للمتاحف الدكتور الشرقي دهمالي الذي بدأ معي التنسيق لهذا الملف (بصفتي رئيس اللجنة الوطنية المصرية للمتاحف) منذ العام 2016، وقدّم نصائح ممتازة للوفد المصري. كان الحضور العربي في اجتماع المجلس الدولي للمتاحف في اليونسكو قائماً على أن العرب مع الوفود الأفريقية يد واحدة. وصوّت الجميع للإسكندرية العربية والأفريقية لنجد للمرة الأولى صوتاً عربياً أفريقياً قوياً داخل اليونسكو والمجلس الدولي للمتاحف. كانت لمياء فارسي من لجنة المتاحف التونسية بلغتها الفرنسية الرشيقة تضغط على المجموعة الفرنكفونية، وللمرة الأولى يحضر العرب بهذه القوة، ومن لم يحضر فوّض صوته لدولة عربية أخرى. لم تفقد الإسكندرية صوتاً عربياً أو صوتاً أفريقياً. هكذا عملنا سوياً والآن تبدأ صفحة جديدة في تاريخ المتاحف العربية. نعمل الآن لاستكمال عضوية الدول العربية الغائبة، فالعراق ذو الحضارة والتراث ليس عضواً في المجلس الدولي للمتاحف وكذلك اليمن وليبيا والجزائر وجيبوتي والصومال، هذا ما سيجعلنا نبذل جهوداً مع هذه الدول للانضمام إلى المجلس. تعود أهمية ذلك إلى أن المجلس يمارس ضغوطاً ويحد من عرض المتاحف القطع الأثرية المسروقة، فضلاً عن فرضه التزامات على المتاحف لعدم شراء هذه القطع. وهو يصدر قوائم حمراء تمنع صالات عرض ومزادات الآثار من عرض القطع المسروقة، فضلاً عن قيامه بتدريب المتحفيين ومساعدة الدول في بناء متاحف طبقاً للمعايير الدولية، وتقديم مساعدات تقنية، وتطوير التصورات للمتاحف لتواكب التقدم التكنولوجي وغير ذلك. الكارثة هي أن بيننا نحن العرب من لا يدرك أن المتحف هو مؤسسة ثقافية وتعليمية وتدر عوائد اقتصادية وتحفظ التراث، والعديد من الدول العربية ليس لديها قانون خاص ينظم عمل المتاحف ويدعمها، عدا حالتين متميزتين في المغرب والسعودية. * كاتب مصري
مشاركة :