لا يهمني من قال: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، ولكنها حقيقة مؤكدة. هذا هو ما حاولت به أن أشد من أزر أحدهم عندما كان على مشارف الهاوية من القنوط واليأس بسبب مرض عضال، وكاد أن يصفعني لو لا أنني تحاشيته في آخر لحظة. وإنني اليوم أوجه مقالي هذا له، ولكل من يتوهم أن الحياة قد أقفلت أبوابها في وجهـه، وأضرب لكم ثلاثـة أمثال حقيقية، الأول جاء فيه: أنه قد بلغ اليأس من رجل مبلغا جعله يفكر في الانتحار، فاستشار الدكتور (هنري لنك) العالم النفساني، وقال له إنه أصبح لا يستطيـع النوم، وأنه فقد إرادته وسيطرته على نفسه، ووافقه الدكتور على أن الانتحار هو المخرج الوحيد، واقترح عليه أن يجري حتى تخور قواه ويسقط ميتا، وقال له: «قل لأسرتك بعد العشاء إنك خارج تتمشى، ولكن لا تمشِ بل اجرِ بكل قواك، إنك رجل كهـل، والغالب أن قلبك ضعيف، وستسقط ميتا لا محالة، ولن يعرف السر أحد، وهكذا تجنب نفسك فضيحة الانتحار». ووجد الرجل أن الاقتراح معقول، وفي تلك الليلة أخذ يجري، ولكن حب الحياة تغلب عليه فوقف قبل أن تخور قواه ويسقط ميتا، وعاد إلى البيت ونام لأول مرة منذ شهـور كما ينام الطفل، وفي الليلة الثانية حاول تنفيذ الاقتراح، ولكنه لم يتمه، وعاد إلى البيت ونام نوما عميقا، وفي الليلة الثالثة تحسنت حاله حتى صار يريد أن يعيش أبدا. والثانية أنه بعد غارة جوية في الحرب العالمية الأولى، روى جراح السرب للقسيس أن ثمة جريحا لا أمل في حياته، فانحنى القسيس فوقه وقال: يا صديقي العزيـز: إن جرحك بالغ، فهل لك ما تقوله، أو هل ثمة رسالة تريدنا أن نبعث بها إلى أسرتك، وتكفر عن سيئاتك قبل أن تموت؟!. فقال له بصوت متحشرج وهو يغالب أنفاسه: لو سمحت ممكن تجيب لي محفظتي من معطفي المعلق، فأعطاه هي قائلا: أهذا ما تريد؟! فقال: نعم، افتحها. ففتحها وأخرج منها ورقة نقدية بعشرة جنيهات وقال: أهي ما تريد؟ فقال الجندي همسا: نعم، أراهنك أنني لن أموت ــ وبالمناسبة، فذلك الجندي كان مغرما بالمراهنات. والحصيلة أن ذلك الجندي لم يمت وعاش عدة سنوات، وسبقه القسيس للدار الآخرة. والثالثة: أن رجلا من البادية أعرفه عن قرب، أصيب (بالسرطان) ــ أعاذكم الله منه، وعندما كشف عليه الطبيب وجد أنه مستفحل، فنصحه بالذهاب إلى أهله؛ لأنه لم يبق من عمره غير ستة أشهـر على الأكثر. وذهب إليهـم حيث إنهـم قاطنون في بيت من الشعر في (حزم الجلاميد)، وأتاه رجل وكواه في موضع دائـه، وكاد أن يشارف على الهلاك، لولا أن الله أخذ بيده وتشافى، وعاش أكثر من (17) سنة، مات خلالها الطبيب، ولم يمت هو إلا بحادث سيارة من تهـوره بالسرعة. صدق الله العظيم عندما قال: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت).
مشاركة :