توقع البنك الدولي تراجع النمو في المغرب إلى 3 في المئة نهاية هذه السنة، مقارنة بأكثر من 4 في المئة عام 2017، نتيجة عوامل داخلية وخارجية أبرزها بطء الإصلاحات الهيكلية، وضعف الاستثمارات الخارجية، وارتفاع أسعار النفط عالمياً، ما يؤثر سلباً في وضع حساب المدفوعات الخارجية، على رغم أن الموسم الزراعي كان جيداً. وأشار البنك في مذكرة عن آفاق الاقتصاد المغربي للسنوات المقبلة، إلى أن «تحسناً منتظراً في الحسابات الكلية سيقود النمو خلال المرحلة المقبلة، إذ سينخفض عجز الموازنة العامة إلى 3.3 في المئة خلال هذه السنة، وإلى 3 في المئة بين عامي 2019 و2021. كما سيهبط الدين العام إلى 60 في المئة من الناتج من 64 في المئة حالياً، في حين سيبقى عجز ميزان الحساب الجاري مرتفعاً عند نحو 4.5 في المئة، بسبب توقعات ببقاء أسعار النفط مرتفعة». واعتبر أن «المغرب حقق نتائج جيدة في المجالات الاجتماعية خلال السنوات الماضية، ما سيؤثر إيجاباً في الاقتصاد بعد تراجع خط الفقر الوطني إلى 4.8 في المئة فقط، من نحو 15 في المئة عام 2001 و9 في المئة عام 2007. وفي مقابل تدني أعداد الفقراء في المغرب، زاد عدد العاطلين من العمل ومعهم الفوارق الاجتماعية». وأكدت إحصاءات نشرتها مؤسسة «بروتن وودز»، بالتعاون مع «المندوبية السامية في التخطيط»، أن معدل البطالة تصاعد بوتيرة سريعة من 9.9 في المئة عام 2016 إلى 10.2 في المئة عام 2017، لا سيما عند فئة الشباب والمتعلمين والنساء. ويعتبر العمل من وجهة نظر المؤسسات الدولية العامل الحاسم لمحاربة الفقر والفوارق الاجتماعية في المغرب وتحسين ظروف عيش السكان، خصوصاً في المناطق النائية والقروية التي كانت أقل استفادة من التطور الاقتصادي والبنية التحتية التي شهدها المغرب خلال السنوات الـ20 الماضية، إذ بقيت عائداتها تقل عن المعدل السنوي المقدر بـ330 دولاراً، ما يجعل الفوارق صادمة بين الفقراء والأثرياء في مجالات التنمية والاستهلاك والاستثمار. وعلى رغم أن الرباط أنفقت 20 بليون دولار سنوياً في مجال البنية التحتية والمواصلات والاتصالات والطاقات المتجددة، والمشاريع المهيكلة الصناعية والمخطط الأخضر الزراعي والتطور السياحي والعمراني وغيرها، ومئات الورش الكبيرة التي حولت وجه المغرب في أقل من عقدين، لم تترجم تلك الجهود الاستثمارية التي تجاوزت 32 في المئة من الناتج المحلي سنوياً إلى ارتقاء اجتماعي لفئات واسعة من السكان، إذ بقي النمو ضعيفاً وزادت الصعوبات أمام حصول الشباب على وظيفة. وأكد البنك الدولي في تقريره، أن «خلق فرص عمل جديدة بقي محصوراً في وظائف قليلة الإنتاجية». وكان المغرب أوجد 1.6 مليون وظيفة خارج القطاع الزراعي بين عامي 2000 و2014، ثلثها في قطاع البناء والأشغال والخدمات والسياحة. ولم تكف هذه الوظائف لسدّ النقص الحاصل أو الاستجابة للأعداد المتزايدة من طالبي العمل من خريجي الجامعات، ما يمكن وصفه بهدر الطاقات أو تهميش معامل الرأس المال البشري، الذي يرى البنك الدولي أنه مرتفع في المغرب مقارنة بدول مشابهة. ورأى التقرير أن «المنظومة التعليمية لا تساعد على خلق الكفاءات العالية، على رغم الإصلاحات وتحسن مناخ الأعمال والانفتاح الاقتصادي الخارجي، وتوسع استعمال التكنولوجيات الحديثة». ويحتاج المغرب إلى معدل نمو بين 5.5 و6 في المئة على مدى عقد، وخلق مليوني فرصة عمل جديدة كل 5 سنوات، لمعالجة البطالة والفقر والارتقاء إلى مصاف الدول الـ40 الأولى في العالم. ولم يستفد الاقتصاد المغربي في شكل كامل من تحسن الوضع السياسي والحقوقي والاستقرار الاجتماعي والأمني، الذي ينعم به مقارنة بدول أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولم تنعكس الإصلاحات المؤسساتية التي نفذت في السنوات الماضية، في تسريع وتيرة تطوير الثروة وتوزيعها. وتعتقد مؤسسات دولية أن «المغرب كان بإمكانه فعل المزيد وتحقيق نتائج أفضل، كما أن الإصلاحات السياسية على رغم أهميتها، لا تنعكس بالضرورة على الفئات الأدنى في هرم المجتمع وتبقى في مستويات التجاذب بين الفرقاء والمعنيين المباشرين». وينصح البنك الدولي باعتماد إصلاحات ضرورية لمعالجة الأوضاع، منها إصلاح ضريبي شامل يتضمن إلغاء أو تقليص الإعفاءات الضريبة لبعض القطاعات، وخلق نوع من التوازن في تحمّل الأعباء المالية التي تكاد تنحصر في الطبقات الوسطى، وتحسين إدارة الاستثمارات العامة، والحوكمة التدبيرية والمالية وتقليص المركزية.
مشاركة :