اغتيل شوجات بخاري وهو أحد أبرز صحافيي كشمير عشية عيد الفطر، وبالنسبة إلى الهنود تذكر هذه العملية بشيئين: الأول هو أن الوضع في كشمير التي مزقها الإرهاب بدأ بالانجراف نحو ما يمكن أن يدعى بثقب أسود، وربما لاعودة عنه، والثاني أن العمل الصحافي أصبح الآن أكثر خطورة في الهند من أي وقت مضى، ففي السنة الماضية قتل أحد عشر صحافياً هندياً وتعرض 46 إلى هجمات، وفي هذه السنة تراجعت الهند في تصنيف حرية الصحافة الدولية إلى المركز 138، أي أعلى بمركز واحد فقط عن باكستان، ويذكرنا مقتل بخاري بضرورة إعطاء أولوية قصوى للاهتمام بهذه الأرقام المرعبة. وقد وقعت عملية الاغتيال في الحي الصحافي في سرينغار وخارج مبنى صحيفته، كما أن قوة الحراسة الأمنية المكلفة بحمايته– فقد حصل على حماية أمنية بعد محاولة لاغتياله في سنة 2002– تعرضت للقتل أيضاً، ومن المفارقات أن هذا الاعتداء وقع في وقت أعلنت فيه حكومة كشمير وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار على شكل مبادرة سلام في شهر رمضان. وبحكم عملي الصحافي الطويل كنت أعرف بخاري منذ أكثر من عقدين من الزمن– وكان زميلاً وصديقاً لي– وأنا أعتقد أن استهدافه يرجع الى أنه كان يمثل أحد الأصوات النادرة التي تدعو الى الاعتدال والعقل في وجه تيار التطرف العقائدي، وقبل أسبوعين فقط تحدث في ندوة في دلهي عن «أشياء في كشمير أكثر سوءاً مما يعترف بها المشاركون في تلك الندوة»، كما أن جيلاً كاملاً نشأ الآن وهو يكره الهند»، وبالمثل فإنه لم ينضم الى مجموعة الآزاديين الانفصالية، وقد شجب عنف الميليشيات والمحاولات المنسقة لقتل رجال الشرطة المحلية على يد مجموعات ارهابية، ورحب علانية بإعلان وقف إطلاق النار، وكان متفائلاً إزاء قوة الحوار وجهود المصالحة. التعاطف مع العسكر كان بخاري يتفاعل بصورة منتظمة بتعاطف وتقدير مع الكثير من جنرالات الجيش لذلك استهدفته المجموعات الكشميرية الانفصالية، لأنه لم يكن معادياً للهند، فيما استهدفته الجماعات الوطنية المتشددة لأنه لم يكن وطنياً من وجهة نظرها، وقد تم بث مقطع مصور من نقاده على مواقع التواصل الاجتماعي في يوم مقتله، وتم تصويره صورة شخصية إسلامية، خلال مؤتمر نظمه مركز تفكير بارز في دلهي لأنه ببساطة رفض دعم نشر صور كرتونية حول حادث شارلي إيبدو، وكان رد بخاري في تغريدة على تويتر «نحن في كشمير نمارس الصحافة بكرامة وسنستمر في إبراز ما يحدث على الأرض»، وفي نهاية اليوم تم اغتياله. وأعلنت الحكومة رسمياً أن قتله عملية إرهابية، حيث وقعت في اليوم نفسه الذي تعرض فيه جندي كان عائداً الى منزله بمناسبة عيد الفطر إلى قتل على يد ميليشيات كشميرية جنوبية، لكن إذا كانت هذه التطورات تشير الى الخطر القائم والواضح في كشمير، فإنها تذكرنا أيضاً بأننا اذا لم نتحرك وننخرط في حوار مع أصوات كشميرية معتدلة مثل بخاري فلن يكون هناك عما قريب سوى المتطرفين للتحدث اليهم. من جهة أخرى يعزز مقتل بخاري الحقيقة التي تؤكد أنه سواء في كشمير أو في بقية أنحاء الهند فإن رجال الصحافة الأكثر عرضة للخطر اليوم هم أولئك الذين رفضوا الشعارات العقائدية، وتمسكوا بأهمية التجديد والتقدم، وفي أوقات الاستقطاب الحالية يتعرض للقتل الرجال الذين تتوافر لديهم الجرأة لسرد رواية بألوان رمادية بدلاً من ألوان أحادية الأبعاد، ونحن نتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في كل يوم بأننا غير وطنيين وخونة. ويتمثل الجانب المخجل بأنه فيما اعتبر مقتل بخاري من قبل كل وسائل الإعلام الرئيسة في الهند على أنه «هجوم على حرية الصحافة»، تساءلت قناة تلفزيونية عما إذا كانت تلك الجريمة ستشجع على االكراهية ضد زملائها. ويتصدر العمل في قناتين بارزتين في الهند رجال ونساء يدعون إلى الكراهية واستهداف كل أصوات المجتمع المدني التي لا تتفق مع وجهة نظرهم المتعلقة بالوطنية، وهذه الوطنية المزعومة هي غصن زيتون يرمي إلى نشر التحيز كما أن مقتل بخاري يثبت أن صوت العنف الذي يصدر عنهم يمكن أن يوجه الرعاع. تراجع حرية الصحافة قد يجبر اغتيال بخاري الهند على الاعتراف أخيراً بأن الأخطار التي تواجه الصحافيين الهنود حقيقية تماماً، كما أن حرية الصحافة التي كنا نعرفها بدأت بالتراجع بشدة، وأن تكون لديك وجهة نظر اليوم وخصوصا إذا لم تكن ضمن المنظور السياسي المهيمن، يعني أنك ستكون في بؤرة الخطر، وتعترف دراسة صدرت عن صحافيين من دون حدود أنه في بعض الدول، بما فيها الهند، قد «اختفت الخطوط التي تفصل بين عنف الكلام والعنف المادي». وتأتي الأخطار في بيئة من الخوف وفي صور سيئة عديدة أيضاً، ثم إن اغتيال الشخصية وتزوير الأخبار وقوائم المهنة السوداء وحملات التشويه السياسية المنظمة قد أصبحت أسلحة الترهيب الفاعلة في الوقت الراهن، وخلال السنة الماضية تحدث علانية عدة صحافيين هنود عن المخاطر والتهديدات التي نتلقاها يومياً ببساطة لأننا نتمتع برأي مستقل فقط، ولهذا فقد تعرضنا لسخرية، وكنت تقدمت بشكوى في العام الماضي الى دائرة الشرطة حول تعرضي الى تهديدات بالقتل من جهات مجهولة بسبب طريقة نقلي للأخبار، وخلال الأسبوع الماضي أبلغتني ادارة الشرطة أنني سأكون في حاجة إلى المثول أمام محكمة والقبول برفض قضيتي نظراً لعدم تمكن الجهات المعنية من رصد مصدر التهديد. وهكذا يمكن القول بكل ثقة إن الديمقراطية في مناخ يتعرض فيه رجال الصحافة للخطر هي ديمقراطية في خطر أيضاً. ● بارخا دات – واشنطن بوست