مجيد جعفر* الأسبوع الماضي، اجتمعت نخبة من الوزراء وقادة القطاع في فيينا وكان النصيب الأكبر من الاهتمام الإعلامي ينصبّ على الحصص والأسعار ودبلوماسية النفط، ولكن حوارات مهمة جرت حول الاستثمار في النفط والغاز.لقد أثار تراجع الاستثمارات الرأسمالية في مشاريع النفط والغاز الذي شهدناه بالأعوام الماضية القلق العام، حيث انحدر إجمالي الإنفاق بنسبة 45% منذ عام 2014 مع هبوط أسعار النفط. وبالنتيجة، أوجدت هذه الظروف، إلى جانب التخوف الجيوسياسي إزاء فنزويلا وإيران، دافعاً قوياً أدى إلى ارتفاع شديد لأسعار النفط هذا العام. ومع ما تنويه أوبك للحد من قيود الإنتاج، أصبح مستوى الاستثمار في قطاع الطاقة محطّ الاهتمام والتركيز. لقد عززت ثورة الغاز الحجري في أمريكا الشمالية من التطلعات المستقبلية لقطاع النفط والغاز على مستوى العالم. وكانت عمليات التصنيع كفيلة بدحض أسطورة «نفط الذروة» التي شاعت في تسعينات القرن الماضي مدعيةً استنزاف مصادر النفط بالعالم، كما ارتقت هذه العمليات بالإنتاج الأمريكي والكندي للنفط لمستويات الإنتاج السعودي والإماراتي على التوالي. ولكن ما كان لهذا الارتفاع سريع الوتيرة ليحدث لولا جهود الشركات الصغيرة والمتوسطة «المستقلة» التي كانت مستعدة لتوظيف الوسائل والتقنيات التكنولوجية الجديدة، بل وكانت متأهبة للخوض في مخاطر كبيرة لإنتاج النفط من التكوينات الصخرية غير النافذة. وكان للقطاع الخاص على مستوى العالم الفضل في شق طريق جديد للاستثمارات وتسخير سبل التفكير الحديثة التي كان قطاع الطاقة بأمسّ الحاجة إليها، وكان القطاع الخاص شريكاً محورياً للحكومات من أجل إرساء مستقبل مستدام لاحتياطي النفط والغاز. أما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد كان للقطاع الخاص دور أقل حجماً في مجال النفط والغاز. فبالرغم من الدعم الذي تقدمه الشركات الخاصة من خلال خدماتها لصالح نمو القطاع، إلاّ أن شركات النفط الوطنية كانت مهيمنة على قطاع الطاقة في العقود الأربعة الماضية، باستثناء بعض الدول التي كانت تمنح كبرى شركات النفط العالمية أدواراً محدودة. إلى الآن، لم نتمكن على المستوى الإقليمي من تسخير المقومات والإمكانيات التي تغتني بها منطقتنا لنتمكن من مواكبة التنافسية العالمية في قطاع الطاقة، في وقت يشهد فيه السوق العالمي احتدام التنافس على الحصص أكثر من أي وقت مضى. في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من نصف احتياطي النفط والغاز المؤكّد في العالم، ليس هذا فحسب، بل معدل السعر للبرميل في منطقتنا هو الأقل على مستوى العالم. ومع هذا، ما نزال نوفر نحو الثلث فقط من إمدادات النفط وسدس إمدادات الغاز في العالم. وفي الوقت نفسه، لم ترتقِ استثمارات النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى المستوى المطلوب، حيث تُفيد المؤسسة العربية للاستثمار البترولي «أبريكوب» إلى حاجة المنطقة إلى 320 مليار دولار من الاستثمارات على الأقل على مدار السنوات الخمس القادمة، في حين أن العديد من حكومات المنطقة تعاني من محدودية ميزانياتها التي قد تعطي الأولوية لتلبية احتياجات قطاعات البنى التحتية والصحة والتعليم. تحتاج منطقتنا إلى استحداث نماذج استثمارية جديدة من شأنها أن تُقدِّم لشركات النفط المحفزات المناسبة التي ستدفع بها للاستثمار بمشاريع استكشافية في مناطق ومساحات جديدة، وستسهم أيضاً في تعزيز عمليات الاستخلاص من الحقول الناضجة ومشاريع تطوير الغاز، وهذه مجالات ما تزال بحاجة إلى التحسين في منطقتنا بالرغم من تزايد الطلب على الطاقة فيها. وفي هذا السياق، ينبثق من هذه النماذج دور متكامل يضطلع به القطاع الخاص من خلال الاستثمار وإدارة المشاريع. إن جولة التراخيص التي أعلنتها شركة أدنوك في أبوظبي مؤخراً والتي توسع نطاق دور القطاع الخاص في تطوير قطاع النفط والغاز بالإمارة، بالإضافة إلى عملية الاكتتاب العام التي تخطط لها شركة أرامكو السعودية، هما خير مثال على التطورات الجديدة المهمة في المنطقة التي ستسرّع من تطور قطاع الطاقة وتقدم للآخرين نموذجاً يحتذى به للتعاون وتوثيق الصلات. هناك حاجة أيضاً إلى تحقيق التقدم في معالجة إعانات الطاقة، إذ إنه سيكون من الصعب استقطاب ما يكفي من الاستثمارات في مشاريع الاستكشاف والإنتاج إن بقيت أسعار المستهلك النهائي للبترول أو الكهرباء أقل من التكاليف كما هو الحال في العديد من دول المنطقة. ولا يعني ذلك استثناء إعانات الطاقة بالكامل، بل أن تُكيَّف بحيث تخدم الفئات الأكثر حاجة. يتوجب على قطاع النفط والغاز على مستوى العالم، أن يعزز من جهوده لإبراز ما للتطوير المسؤول وتوظيف النفط والغاز من أهمية في دعم التوجه نحو اقتصاد مستدام، ولا سيما في الوقت الذي يشهد العالم التحول من استخدام الفحم إلى توظيف الغاز المُحرق لتوليد الطاقة كوقود أكثر نظافة. وقد بدأنا بالفعل نحصد ثمار هذا التوجه الذي برهن أن توليد الطاقة بالغاز هو أسرع وأنجع وسيلة للتقليل من الانبعاثات الكربونية والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم بنسبة 15%، نظراً لاحتمال كون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مصدراً رئيسياً لإنتاج هذا الغاز الإضافي. عندما استبدلت المملكة المتحدة الغاز بالفحم لتوليد الكهرباء بمساعدة طاقة الرياح، تمكنت من الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي كانت تصدرها إلى مستويات شديدة الانخفاض. وقد استطاعت الولايات المتحدة أيضاً في عام 1992 تقليل ما تصدره من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بفضل التحول من الفحم للغاز والذي يُعزى إلى درجة كبيرة إلى ثورة الغاز الحجري. وانضمت كل من الصين والهند إلى هذا الركب مؤخراً، حيث اتخذتا على عاتقهما تقليل الضباب الدخاني في المدن، الأمر الذي سيسهم في تحقيق أهداف الأجندة العالمية للحد من الانبعاثات. وهذا أمر بالغ في الأهمية إن أخذنا بعين الاعتبار، الانتشار الواسع للمركبات الكهربائية في وقتنا الحالي، والتي لن تفي بالغرض البيئي المرجو منها على مستوى العالم إن لم تكن إمدادات الكهرباء المُشغِّلة لها نظيفة. هذا ويستمر الطلب العالمي على النفط بالنمو مع نمو صناعات البتروكيماويات والنقل بالشاحنات والنقل الجوي والشحن كأسواق نمو رئيسية في ظل موجة الازدهار الاقتصادي وبالأخص في آسيا. وبالنتيجة، سيكون لقطاع النفط والغاز إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من مصادر الطاقة دورٌ أساسيٌ في التقدم على أسس مستدامة، وهذا وعيٌ يبرز جلياً في سياسة الطاقة المستنيرة والاستباقية التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تخصص 40% لكل من الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة من أجل تحقيق مزيج الكهرباء الوطني المستهدف بحلول العام 2050. لتقدم الدولة بذلك نموذجاً استثنائياً يحتذى به. وبينما تسعى الحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات وتحقيق أقصى النتائج من مصادرها، تتطلع الشركات الخاصة، مثل شركة نفط الهلال ومقرها الإمارات، التي بلغت عقدها الخامس من الاختصاص في تشغيل مشاريع النفط والغاز، إلى تكريس الجهود من أجل المساهمة بإيجابية في دفع عجلة التطور بقطاع الطاقة في المنطقة والمضي قدماً بهذه المرحلة الجديدة بخطى ثابتة ومستدامة. *الرئيس التنفيذي لشركة «نفط الهلال» وعضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة «دانة غاز»
مشاركة :