تفردت طيلة مشورها الوظيفي، بدءا من تعيينها كأول مهندسة كويتية تعمل في محطة قوى لتوليد الكهرباء وتقطير المياه «محطة الدوحة الغربية»، بناء على رغبتها، وصولا إلى توليها رئاسة مهندسي مشاريع وحدات تقطير المياه، تفرّدت بسمات بارزة، جعلتها حاليا بمثابة قدوة لمهندسات شابات يرغبن في السير على نهجها...انها رئيس مهندسي مشاريع وحدات تقطير المياه المهندسة زمزم الركف، التي رسمت لنفسها طريقا لم تحد عنه منذ تخرجها من جامعة الكويت وحتى الآن لتثبت ان المرأة الكويتية قادرة على الانجاز والابداع متى ما اتيح لها المجال وتهيأت لها السبل. «الراي» حاورت الركف، واسترجعت معها شريط ذكرياتها والصعوبات التي واجهتها في بداية مشوارها العملي، والانجازات التي حققتها، وغيرها من الأمور المتعلقة بالنظرة المجتمعية لطبيعة عمل المرأة الكويتية في مجالات ظلت لفترة طويلة حكرا على الرجال. فأكدت أن المهندسات يمتلكن طاقة داخلية تجعلهن في تحد مع ذاتهن لتحقيق النجاح في العمل الميداني، وكسر قاعدة الاحتكار الذكوري لهذه المواقع، مبينة انها نجحت في توظيف هذه الطاقة بشكل ايجابي لدى المهندسات اللواتي أثبتن وجودهن في مواقع العمل.وتمنت الركف ان تتبوأ المهندسة الكويتية في وزارة الكهرباء والماء مناصب قيادية أسوة بالجهات الأخرى التي وصلت فيها المرأة إلى المناصب القيادية، لافتة إلى ان المهندسات في الوزارة يمتلكن من الخبرة ما يؤهلهن إلى تقلد مناصب قيادية. وفيما يلي تفاصيل اللقاء: • كيف كانت البداية معك في محطة الدوحة، ولماذا اخترت العمل في الحقل الميداني؟- بعد تخرجي من جامعة الكويت 1984 وحصولي على بكالوريوس هندسة كيميائية، بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، كان من الطبيعي ان أعمل في مجال تخصصي، حيث طلبت منهم أن أبدأ مشواري الوظيفي في الموقع الميداني الخاص بانتاج المياه، وعدم الجلوس خلف المكتب كسائر المهندسات اللواتي كن يفضلن هذا الأمر في تلك الفترة، وربما ذلك يرجع إلى أنني كنت أبحث دوما عن التميز، وبالفعل كانت محطة الدوحة الغربية على وشك التشغيل وتم تعييني مهندسة في المحطة، وللأمانة لم تكن هذه تجربة سهلة، فأنا كنت البنت الوحيدة ضمن طاقم العاملين في المحطة.• هل يمكن لك ان توضحي لنا السبب الذي جعلك تقولين إن تجربة عملك في المحطة لم تكن سهلة؟- لم تكن سهلة لأنني كنت اتعامل مع مستويات متنوعة من العاملين في المحطة من مختلف الجنسيات، ولأنه في تلك الفترة كان جزء من المحطة ينفذ على هيئة مشروع، لكن بمساعدة مدير المحطة في ذاك الوقت وإصراري استطعت التعايش مع الموقف والجو العام، واستطعت العمل لمدة 5 سنوات خلالها تدربت على جميع المعدات الموجودة داخل المحطة، وعملت على الغلايات والمعدات المساعدة وغيرها من الأجهزة المختلفة، إلى أن أخذت خبرة كافية عن المحطة، حيث كنا نظل أحيانا داخل المحطة للساعة الخامسة أو السادسة مساء، فنحن نتعامل مع انتاج مياه ذات جودة عالية.وعندما كان يحدث لدينا مشكلة في المياه، كنا لا نستطيع العودة إلى بيوتنا حتى نحلها، لأننا مرتبطون بخط الانتاج. ولكن يمكنني القول رغم صعوبة التجربة إلا انها كانت مميزة.• إصرارك جعلك تخوضين تجربة العمل الميداني، في حين كان يعتبر الكثير من المهندسات الكويتيات ان العمل في المواقع الميدانية في تلك الفترة ضربا من الخيال، ما أبرز الأسباب من وجهة نظرك التي حالت دون اقتحام هؤلاء المهندسات المجال في وقت مبكر؟ - النظرة المجتمعية التي كانت تغلف المجتمع الكويتي ربما كانت أكثر سبب تمثل عقبة أمام المهندسات الراغبات في العمل الميداني، وانا هنا لا أريد التعميم، فهناك أرباب أسر كويتية كانوا يعطون الخيار للفتاة للعمل في المجال التي ترغب فيه. وانا واحدة من هؤلاء، حيث اتذكر ان والدتي متعها الله بالصحة والعافية شجعتني على خوض هذه التجربة، ولا أبالغ ان قلت ان والدتي هي الأساس في وصولي إلى هذا المستوى، كانت متفتحة وكان لديها فكر متقدم وتؤمن بقدراتي. ولكن أرجع وأقول ان النظرة العامة كانت مغايرة لنظرة والدتي.• يرى البعض ان المساحة التي تمنح للفتاة الكويتية أصبحت اكبر من ذي قبل، فهل النظرة المجتمعية كانت العائق الوحيد أم هناك أسباب أخرى؟- أنا اتفق معك ان النظرة المجتمعية تغيرت كثيرا عن ذي قبل، لكن أحب أشير هنا إلى أن الاسباب الأخرى التي كانت تجعل الفتاة لا ترغب في العمل في الحقل الميداني الذي كان قاصرا على الجنس الذكوري لفترات قريبة، ان الطرق المؤدية لمشاريع الأعمال الميدانية لم تكن بنفس المستوى الحالي، فالطرق كانت صعبة ولم يكن هناك هواتف محمولة تجعل الفتاة على تواصل مع أهلها خلال فترة العمل. وأتذكر ان المنطقة التي توجد فيها محطة الدوحة كانت شبه معزولة وقت إنشائها، حيث لم يكن هناك بنيان حولها مقارنة بالوضع الحالي، الحياة حالياً أصبحت سهلة.• كيف اقنعت مهندسات مشروع الدوحة بالعمل ميدانيا؟- للأمانة بعضهن كن يرغبن في العمل الميداني، وقسم آخر قمت بتشجيعهن على خوض التجربة، خصوصا عندما كنت أشعر أن بامكان هؤلاء المهندسات ان يعطين في الموقع الميداني كل ما لديهم، هنا كنت اجلس معهن لمعرفة الأسباب التي تجعلهن يرفضن العمل الميداني. بعضهن كن يتخوفن من طبيعة العمل الميداني الذي يغلب عليه الطابع الذكوري، ومنهن كن يرين ان التعامل مع مقاول المشروع سيكون صعباً. وقسم ثالث كن يرجعن سبب عدم رغبتهن في الحقل الميداني إلى رفض أسرهن، وهنا كنت أتدخل وأطلب من الفتاة احضار والدها للتحدث معه لمعرفة سبب رفضه، وخلال حديثي مع أولياء أمور هؤلاء المهندسات كنت أسرد عليهم تجربتي في العمل الميداني والمزايا التي اكتسبتها، وفي النهاية كانوا يقتنعون وما شاء الله أثبتت المهندسات اليوم وجودهن في الحقل الميداني، واحب هنا أن أوضح ان فكرة الدفع بالمهندسات للعمل في الحقل الميداني راودتني كثيرا، لأنني كنت أريد أن أعيد تجربتي مع جيل جديد من المهندسات الكويتيات وألا يكون العمل في الموقع الميداني مقتصرا على المهندسين فقط.• خلافا لرغبتك في إعادة تجربتك مع المهندسات الكويتيات للعمل في الموقع الميداني، هل هناك أسباب أخرى جعلتك تتمسكين بتعيين مهندسات للعمل في المواقع الميدانية؟ ومن وجهة نظرك هل هناك اختلاف بين الجنسين؟- الاختلاف فقط يكمن في العضلات ليس إلا، أنا أؤمن بأن البنت لديها قدرات غير طبيعية، ورغم أنني لا أفرق في إدارتي بين المهندس والمهندسة إلا ان التجربة أثبتت أن المهندسة تكون أكثر التزاما بالمكان الذي تعمل فيه، إضافة إلى أنها تمتلك طاقة تدفعها للتفوق في هذا المجال الذي كان يعد حكرا على المهندسين لفترات طويلة، فالمهندسة تريد ان تثبت ذاتها، ولهذا يكون لديها اندفاع للعمل أكثر من المهندس. وانا بدوري وظفت هذه الجزئية وحاليا يوجد لدي في الموقع 10 مهندسات وربما اكثر يشغلن مختلف التخصصات من ميكانيكا وكهرباء ومدني وصناعي، وقد أعرب الوزير بخيت الرشيدي عن اعجابه الشديد بهؤلاء المهندسات عندما تفقد مشروع محطة التناضح العكسي في الدوحة.أنا لا أفرق بين المهندسين والمهندسات حتى في السفرات الخارجية الخاصة بالدورات التدريبية وغيرها، وأقوم بمحاسبة الجميع بمسطرة واحدة، وفي النهاية الشغل يسير بشكل جيد جدا، وأصبح لدينا مهندسات يعتمد عليهن ويمتزن بمستوى فني عالٍ.• رغم ان مهندسات وزارة الكهرباء والماء أثبتن جدارتهن في مختلف المواقع التي تولين قياداتها، فإننا لم نر وصول مهندسة إلى منصب قيادي، ما السبب من وجهة نظرك؟- ربما يكون هذا جزءا من سياسة البلد بشكل عام. ولكن للأمانة رأينا ان المرأة أخذت حقها في مواقع قيادية في عدة جهات، حتى أنها وصلت مجلس الأمة، ولكن بالنسبة لوضع المهندسات في وزارة الكهرباء والماء أتمنى ان يتم توجيه هذا إلى مسؤولي الوزارة. وأنا هنا لا أريد ان أتحدث عن نفسي ولكن هناك مهندسات يمتلكن من العلم والمعرفة والخبرة الكثير ما يجعلهن على قدر المسؤولية. هو بالتأكيد ليس عدم ثقة وإلا ما وصلنا إلى مثل هذا المنصب فجميع مشاريع التحلية تحت إدارتي، ويوجد لدي أيضا لجان تحقيق ومسؤوليات كبيرة، أنا مستغربة مثلك لدرجة ان المهندسات اللواتي تخطت خبرتهن في العمل 20 عاما أصابهن الاحباط لفقدانهن الأمل في تبوؤ منصب قيادي، وللعلم أنا وصلت إلى منصب عالمي بالانتخاب واصبحنا قياديين خارج بلدنا نترأس رجالا من كل الجنسيات، لذا أولى أنه لابد ان تمنح المرأة فرصة أكبر في وزارة الكهرباء والماء. مشاريع ورؤى إنتاج 120 مليون غالون مياهقالت رئيس مهندسي مشاريع وحدات تقطير المياه المهندسة زمزم الركف: ننفذ حاليا مشروع وحدة تحلية بتقنية التناضح العكسي في محطة الدوحة «المرحلة الأولى» بقدرة 60 مليون غالون يوميا، ونتوقع ان تدخل الخدمة نهاية العام الحالي، كما يوجد لدينا مرحلة ثانية بقدرة 60 مليون غالون لتصبح قدرة المشروع الانتاجية 120 مليون غالون، هذا المشروع سيغذي المنطقة الشمالية ويغذي المدن الجديدة جابر الأحمد والمطلاع، كما يوجد لدينا مشروع محطة الخيران والزور الشمالية «المرحلتين الثانية والثالثة» الذي سيتم تنفيذهما بالتعاون مع هيئة مشاريع الشراكة ومشروع محطة النويصيب الذي ستنفذه الوزارة.«التناضح العكسي» والتمهّل الكويتيأشارت الركف إلى أن تقنية التناضح العكسي تمتاز بأنها سهلة ومتطورة وما زالت تخضع لتطور مستمر، ونجحت الوزارة سابقا في تنفيذ مشروعين في محطتي الشويخ والزور الجنوبية. أما بالنسبة لتأخر الوزارة في تنفيذ مشاريع وحدات تحلية بتقنية التناضح العكسي فإنني سبق وانا كتبت عدة كتب بخصوص هذا الموضوع، إلا ان القيادة في الوزارة ارتأت تأجيل تنفيذ هذه المشاريع إلى ان تستقر هذه التقنية في العالم وتصل إلى حد لا يوجد فيها أي نوع من المجازفة. وهناك دول خليجية بدأت بتقنية التناضح العكسي في محطات، إلا أنها وقعت في مشاكل ونجحنا نحن في الكويت في تفادي هذه المشاكل عندما نفذنا أول مشروع في محطة الشويخ رغم ان هذا الموقع يعد من أسوأ المواقع، إلا اننا تغلبنا على المشاكل التي واجهتنا ونفذنا المشروع بشكل جيد وهو يعمل منذ سنوات ولم يتوقف لأي سبب سواء عندما وصلنا المد الأحمر أو عندما كانت تغزو قناديل البحر شواطئنا لأنه تم أخذ الاحتياطات بشكل كامل وتم أخذ خبرات الخليج وتوظيفها في هذا المشروع وهنا تكمن ميزة التأخير في تنفيذ مثل هذه المشاريع للحصول على تكنولوجيا آمنة 100 في المئة.جائزة مشروع الزورذكرت الركف أنه عندما تم التفكير في ربط مشروع وحدة تحلية الزور الجنوبية التي نفذت بتقنية التناضح العكسي بالمحطة القائمة، تمت الاستفادة من المياه الحارة التي من المفترض ان تذهب للبحر عن طريق ادخالها على الوحدة، حيث تمت الاستفادة من الطاقة الموجودة في المياه وتم تحقيق وفر في الطاقة التشغيلية بنسبة 20 في المئة مقارنة بمحطة الشويخ «التجربة الأولى» وأيضا تم تحقيق وفر في التكلفة الرأسمالية بقيمة 25 في المئة وانا حصلت على جوائز على هذا المشروع. عندما نفذنا مشروع الدوحة أخذنا الخبرة من مشروع الشويخ والزور الجنوبية، وأتوقع ان يكون من المشاريع المميزة في العالم وان شاء الله يتم تشغيله في وقته رغم وجود عوائق كثيرة واجهتنا.إنتاج مائي مطمئنبينت رئيس مهندسي مشاريع وحدات تقطير المياه أن الانتاج المائي مطمئن جدا ونحن نسير وفق الخطة الاستراتيجية التي تقتضي تحقق زيادة سنوية تقدر بـ 5 إلى 6 في المئة بناء على التوسع العمراني والزيادة السكانية، وحاليا يصل إنتاجنا المائي 628 مليون غالون، وسوف يرتفع بعد تنفيذ مشروع الدوحة إلى 688 مليونا.قلب الأمتتذكر الركف بداية عملها وتقول: عندما تم تعييني في محطة الدوحة كانت والدتي تنتظرني أمام باب المنزل إذا تأخرت، حيث كانت تتصل مباشرة بمدير المحطة وكان يشغل هذا المنصب وقتها المهندس عبدالله الرجيب، لتسأله عن سبب التأخير لكي يطمئن فؤادها، وللأمانة والدتي كانت تشجعني ولم تقف في وجهي وأنا مازلت أعتبر ان والدتي هي الأساس في وصولي إلى هذا المستوى.
مشاركة :