أعلن النظام السوري رسمياً، أمس، إطلاق معركة درعا، مشيراً إلى أن قواته تحاول فصل كبرى مدن الجنوب عن الحدود الأردنية. وجاء ذلك وسط تقارير عن نجاحه في السيطرة على أجزاء واسعة من منطقة اللجاة في ريف درعا الشمالي الشرقي، فيما سُجّلت حركة نزوح واسعة للمدنيين من مناطق سيطرة فصائل المعارضة في الجنوب باتجاه الحدود الأردنية استباقاً لتقدم قوات النظام نحوها، بدعم واضح من روسيا. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الإعلام الرسمي السوري أن جيش النظام بدأ أمس هجوماً على أحياء سيطرة الفصائل المعارضة في مدينة درعا، بعد أسبوع من التصعيد العسكري في المحافظة الجنوبية. وأوردت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن «الجيش العربي السوري بدأ عملية التمهيد الناري أمام تقدم الوحدات العسكرية في القطاع الجنوبي الشرقي من مدينة درعا». وتابعت «سانا» بأن وحدات الجيش تعمل «على قطع طرق وخطوط إمداد الإرهابيين بين منطقة طريق السد ودرعا البلد باتجاه الحدود الأردنية». في وقت أشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى «قصف جوي يستهدف المدينة تزامناً مع اشتباكات عنيفة في جنوبها الشرقي». كذلك أشار «المرصد» إلى تنفيذ طائرات حربية غارات على مناطق في الريف الشمالي الغربي لدرعا مثل مدينة نوى وبلدتي الشيخ سعد وعدوان، بالتزامن مع غارات على بلدة إبطع بالريف الشمالي لدرعا. ولفت إلى أن هذه هي «أولى الغارات على هذين الريفين منذ نحو عام»، قبيل بدء تطبيق اتفاق خفض التصعيد في يوليو (تموز) 2017. وأفاد «المرصد» بأن قصف النظام أمس تسبب في مقتل ما لا يقل عن أربعة أشخاص وجرح «عدد كبير» لم يُحدد. وتابع بأن الطائرات استهدفت «خطوط التماس» بين قوات النظام والفصائل في مدينة درعا، بالتزامن مع اشتباكات تدور في المدينة وعلى أطرافها، وفي محيط قاعدة جوية تقع جنوب المدينة. وتابع «المرصد» بأن الطائرات الحربية نفّذت أكثر من 139 غارة على ريف درعا الشرقي منذ الصباح، وأن القسم الأكبر منها استهدف بلدة الحراك، مسجلاً أن الفصائل أعلنت استهداف طائرة حربية من نوع سوخوي 22 كانت تنفذ مهمات في سماء الجنوب السوري. ونشرت صفحات معارضة أن الفصائل أسرت قائد الطائرة. وجاء التصعيد في درعا بعد ساعات من سيطرة قوات النظام على بصر الحرير ومحيط مليحة العطش في ريف المحافظة الشمالي الشرقي، في حين استمرت المعارك في المناطق المحيطة بهما وسط محاولات من الفصائل استرجاعهما. ووصف «المرصد» بصر الحرير ومليحة العطش بأنهما بلدتان «استراتيجيتان»، مشيراً إلى أن السيطرة عليهما مكنت قوات النظام «من وصل مدينة ازرع بمحافظة السويداء، بالإضافة إلى عزل الريف الشمالي الشرقي لدرعا». وتابع بأن قوات النظام تمكنت أول من أمس «من تحقيق مزيد من التقدم داخل منطقة اللجاة»، حيث سيطرت على سبع قرى وتسعى إلى «فرض سيطرتها على كامل المنطقة». ونقلت «شبكة شام» الإخبارية المعارضة عن «غرفة العمليات المركزية» للمعارضة في الجنوب أن «الثورة لن تتراجع بتراجع ثوارها من أي نقطة لتعزيز ثباتهم في نقاط أخرى». وأضافت أن «الثوار يقومون بتسيير المساندات العسكرية إلى بصر الحرير في محاولة لاستعادتها»، مشيرة إلى أن الاشتباكات في المدينة «هي حرب كر وفر». في غضون ذلك، نقلت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) عن القيادي العسكري في «الجبهة الجنوبية» العقيد خالد النابلسي: «لا نخفي أن الوضع صعب. أمس شُنَّت علينا أكثر من 500 غارة روسية، ومنذ ساعات الصباح شُن علينا تقريباً 300 غارة... هناك غارة كل أربع أو خمس دقائق... لكنننا متفائلون بقدرة مقاتلينا على الثبات رغم كل ذلك». ورداً على دعوة إلى التفاوض مع وزارة الدفاع الروسية لإيجاد نوع من المصالحة في الجنوب تقضي بتسليم مدن وبلدات درعا والقنيطرة إلى النظام وتهجير المقاتلين والرافضين للتسوية إلى الشمال السوري، قال النابلسي: «لم يتم الإعلان حتى الآن عن أي مبادرات تفاوضية لنتخذ قراراً بشأنها... وكل شيء وارد». إلا أنه شدد على أن «أي عرض تفاوضي يُمزج بصيغة الاستسلام سيكون مرفوضاً من قبلنا كفصائل... فنحن نفضّل أن نقاتل ونهزَم على الاستسلام». كذلك نقلت الوكالة الألمانية عن العقيد نسيم أبو عرة، قائد المجلس العسكري لفصيل «شباب السنة»، تقليله من حجم الانتصارات التي حققتها القوات الحكومية مساء الاثنين ونجاحها في تقسيم مناطق سيطرة المعارضة إلى جزء شمالي وآخر جنوبي. وقال أبو عرة: «تمكن جزء من فصائل الجيش الحر من استعادة القطاع الجنوبي ببلدة بصر الحرير وتمكن أيضاً من أسر عدد من عناصر النظام». وشدد على أنهم «لن يستسلموا». وقال: «قررنا تغيير استراتيجيات الدفاع والبدء باستخدام أساليب وتدابير قتالية جديدة... الروس يتبعون ذات السيناريو الذي استخدموه من قبل في الغوطة بتقسيم مناطق سيطرة المعارضة بهدف تشتيت الدفاع عنها ما يسهل بالنهاية لهم السيطرة عليها... ولكن ما حدث بالغوطة وبريف حمص لن يحدث معنا». وتابع: «في الغوطة كان هناك عملاء وخونة بين المدنيين... ولكن نحن بالجنوب متماسكون لأقصى درجة. وحتى إن فقدنا قرية أو قريتين فلا يزال 70 في المائة من أراضي الجنوب تحت سيطرتنا. والجيش الحر منتشر بشكل واسع... نحن في مرحلة امتصاص الصدمة جراء الغارات الروسية المكثفة على مناطقنا، ولكننا قريباً سننتقل للهجوم والقيام بأعمال قتالية داخل مناطق سيطرة النظام بالجنوب». وتسبب التصعيد الأخير بحركة نزوح واسعة في درعا، وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة. وقالت المتحدثة باسم المكتب في دمشق ليندا توم لوكالة الصحافة الفرنسية: «شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية فرار عدد كبير جداً من الأشخاص بسبب استمرار أعمال العنف، والقصف والقتال في هذه المنطقة»، مضيفة: «لم نر من قبل نزوحاً ضخماً بهذا الشكل في درعا». وأشارت توم إلى تقديرات بنزوح «45 ألفاً وربما أكثر». ويفر النازحون، وفق توم، بشكل أساسي من ريف درعا الشرقي، ويتوجهون بغالبيتهم إلى المنطقة الحدودية مع الأردن جنوباً. وحذرت الأمم المتحدة سابقاً من تداعيات التصعيد على نحو 750 ألف شخص في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في المنطقة الجنوبية التي تشمل محافظات درعا والقنيطرة والسويداء. وقد أعلن الأردن قبل يومين عدم قدرته على استيعاب موجة لجوء جديدة. وأفادت الأمم المتحدة الثلاثاء بأنها بصدد إعداد إمدادات إغاثة تمهيداً لإرسالها إلى الجنوب من مناطق سيطرة الحكومة والدول المجاورة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. كما أعلنت منظمة الصحة العالمية في جنيف أنها أعدت أكثر من 27 طناً من الإمدادات الطبية لإرسالها إلى درعا من دمشق «بمجرد حصولها على الضوء الأخضر من السلطات السورية». على صعيد آخر، أفاد مصدر سوري بسقوط سبعة قتلى وعدد من الجرحى جراء تفجير انتحاري استهدف حاجزا لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في ريف محافظة دير الزور شرق سوريا. وقال مصدر في مجلس دير الزور العسكري لوكالة الأنباء الألمانية إن «انتحارياً من تنظيم داعش فجّر نفسه في مقر لقوات سوريا الديمقراطية في قرية أبو حردوب في ريف دير الزور الشمالي الشرقي». وأشار إلى سقوط سبعة قتلى وعدد من الجرحى بعضهم في حالة حرجة جراء التفجير وتم نقلهم إلى مستشفيات محافظة الحسكة.
مشاركة :