كثّف النظام السوري قصفه على مدينة درعا، أمس، مستهدفاً أحياءها الواقعة تحت سيطرة المعارضة بعشرات الغارات الجوية والبراميل المتفجرة وبالأسلحة الثقيلة، محاولا تحقيق إنجاز ميداني يمكنه من الوصول إلى الحدود الأردنية، واستباق أي تحرّك عسكري يمكن أن ينطلق من المنطقة الحدودية، في وقت تحاول فيه الميليشيات الموالية للنظام، اقتحام حي المنشية ومخيم درعا، رغم أن هذه المناطق يشملها اتفاق «خفض التوتر» الذي توصلت إليه روسيا وتركيا وإيران خلال اجتماعات آستانة. واستخدم النظام السوري الأسلحة المحرمة دولياً في حملته العسكرية الحالية على مدينة درعا، وهو ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين ودمار كبير في المرافق الحيوية، بحسب ما قال «الائتلاف الوطني السوري» في بيان. ونقل الائتلاف عن ناشطين قولهم إن قوات النظام صعّدت من حملتها العسكرية، أول من أمس، واستهدفت الأحياء السكنية بأكثر من 20 برميلاً متفجراً يحوي مادة النابالم الحارقة لليوم الثاني على التوالي، لافتا إلى أن القصف تركز على الأبنية السكنية والمناطق الحيوية. وبموازاة القصف، استقدم النظام تعزيزات عسكرية جديدة إلى مدينة درعا، وأفادت مصادر ميدانية، بأن «ناقلات جند وصلت إلى مناطق سيطرة النظام في درعا، محمّلة بمئات المقاتلين التابعين للميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية، تحضيراً لهجوم واسع، ومحاولة السيطرة على مدينة درعا والوصول إلى جمرك درعا القديم وفصل ريف درعا الشرقي عن ريفها الغربي». وأوضح عصام الريس الناطق باسم الجبهة الجنوبية، أن النظام «ماضٍ بالتصعيد واستخدام النابالم الحارق في قصفه على درعا، مستخدماً سياسة الأرض المحروقة». ولفت إلى أن «الأضرار تصيب المدنيين، وليس الثوار الثابتين في مواقعهم على كافة الجبهات». وأكد الريس لـ«الشرق الأوسط»، أن الفصائل «تمكنت خلال اليومين الماضيين، من قتل 17 عنصراً للنظام ومرتزقته، رغم كثافة القوّة النارية التي يستخدمها»، مشيراً إلى أن «الفصائل تقاتل بضراوة شديدة وتستنزف النظام وميليشياته الآتية من العراق ولبنان، لأنها تخوض معركة الدفاع عن أرضها وأهلها»، معتبراً أن «هدف النظام من الحملة العنيفة، هو فصل شرق درعا عن غربها ومحاصرة المناطق المحررة في درعا والقنيطرة». ويسابق نظام الأسد تطورات عسكرية مرتقبة مصدرها الداخل الأردني، وفق تعبير الدكتور رياض قهوجي، رئيس «مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري» الدكتور رياض قهوجي، الذي رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «النظام يرصد التحضيرات التي تجري على الجانب الأردني، وهو يستبق أي تحرك باتجاه الداخل السوري من جهة الأردن، ليتمدد (التدخل العسكري) إلى الحدود مع العراق». وقال إن النظام «يحاول إقفال هذا المنفذ والسيطرة على الحدود مع الأردن، ليكون له تأثير في ظل ما يحكى عن مخطط لفتح الجبهة الجنوبية، وإنهائها كلياً، خصوصاً بعدما فقد السيطرة نهائياً على الجبهة الشمالية». قراءة قهوجي في البعد الاستراتيجي، لا تختلف عن القراءة العسكرية لقادة الفصائل على جبهات درعا، إذ أكد القائد العسكري في غرفة عمليات «البنيان المرصوص» العقيد أبو قصي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «معركة درعا تعدّ بداية جديدة ونقطة تحوّل في عمر الثورة السورية». ورأى أن «الحشود التي تتدفق إلى درعا، تعبّر عن حلم إيران بالسيطرة على الحدود من جديد، ووصل القسم الشرقي من حوران بغربها». وعمّا إذا كان بإمكان فصائل المعارضة مواجهة هذه الحشود في ظلّ الغارات الجوية الكثيفة، قال أبو قصي: «في العلوم العسكرية كل شيء وارد، قد يتمكن النظام من السيطرة على درعا في حال تغيرت المعطيات الحالية، لكن هذه المعركة لها خصوصية تختلف عن باقي المعارك». وأضاف: «لم يسبق أن حازت الثورة على ثقة الحاضنة الشعبية كما هو الحال في الجنوب»، معتبراً أن «المعركة الآن تمس مهد الثورة، أي درعا التي تملك نخب مقاتلي الثورة الذين تمرّسوا على حرب المدن على مدى السنوات الخمس بلا توقف، لذلك لن يكون الثوار لقمة سائغة». ولا تبدو غرفة عمليات «البنيان المرصوص» قلقة من حشود الميليشيات إلى جبهات درعا، وفق تقدير القيادي العسكري أبو قصي، الذي أكد أن «الميليشيات الأجنبية والمرتزقة الذين يقاتلون دفاعاً عن نظام سقطت شرعيته، في حين أن الثوار في درعا يقاتلون بين أحيائهم، وخلفهم بمئات الأمتار عائلاتهم في الملاجئ والخيام، لذلك هي معركة بقاء أو فناء». ولفت إلى أن «النظام يحاول وضع يده على المنفذ الحدودي القديم مع الأردن الجارة، كورقة تفاوض سياسي تشكل رمزاً لفرض السيطرة أو فقدانها، وهو يعرف (النظام) أن حلّ عقدة حوران الثائرة، تبدأ بحل عقدة مدينة درعا»، مؤكداً أن «المعركة مستمرة وسيتم تطويرها إلى باقي المناطق المحتلة في المحافظة حتى طرد النظام ومرتزقته عن كل أراضيها». ميدانياً، أعلنت «شبكة شام» الإخبارية المعارضة، أن «طائرات النظام شنّت عشر غارات على مدينة درعا المحررة، كما ألقت المروحيات 37 برميلاً متفجراً على أحياء المدينة بعضها يحتوي على مادة النابالم الحارقة، كما جرى استهداف الأحياء المحررة بصواريخ أرض - أرض، من نوع (فيل) الشديدة التدمير»، مؤكدة أن هذا القصف يأتي بالتزامن من محاولة الميليشيات الشيعية التقدم في مخيم درعا وحي المنشية بدرعا البلد». وفي ريف درعا الغربي ألقت مروحيات النظام براميل متفجرة على بلدتي المزيريب واليادودة، في حين تعرضت بلدات الغارية الغربية والنعيمة وابطع وأيب في اللجاة لقصف مدفعي عنيف.
مشاركة :