تذكرتُ وأنا أعدُّ حقيبة السفر أنَّ شيئاً ما ينقصني، شيئاً عزيزاً أريد حمله معي لأنني أحتاجه، في تلك اللحظة عرفته لكن حقيبتي لا تسعه، فوضعته في قلبي وتوكلت على الله، تذكرت المثل الذي يردده الإنجليز وهو أن ابن الريف إذا سافر يحمل وطنه معه في الحقيبة، ولا أدري لماذا خصّوا ابن الريف ولم يخصّوا ابن المدينة بهذا المثل، ربما لأن ابن الريف هو أقرب الناس إلى الأرض، يتعامل معها كل يوم يعطيها وتعطيه في حلقات من الحب متكاملة المعاني. أنا بنت المدينة، حيث الأرض والبحر والسماء الصافية، أضع الإمارات في قلبي حين أسافر، وحين تكون الإمارات معي أشعر بالفخر والعز وأن بلدي صارت من إحدى عجائب الدنيا فيما أنجزت وقدمت وتقدم لشعبها وللعرب والإنسانية. وحين أكون خارج الوطن، حتى لو كان خروجي لبضعة أيام، يأخذني الحنين كما يأخذ العاشق حنينه لدار حبيبته. وحين يسألني الناس عن بلدي أفرح لأنني سأتكلم عن حبيبٍ أذكره وأعدد مناقبه، ولطالما سألنا المحبون وأجبناهم، وسألنا المبغضون فأزلنا الغشاوة عن أعينهم فنحن ندرك أن لكل عظيم أحباءً أنقياءً وحسّاداً يغارون من تجليه وعظمته، وحين نكون في الخارج نتحول إلى سفراء، فاسم الوطن وسمعته لا يصنعها الإعلام وحده ولا السفراء الرسميون وحدهم، بل كل مواطن خارج حدود وطنه هو سفير وتقع عليه أنظار الآخرين لأنه يحمل اسم وطنه. لقد تشوقنا إلى بلدان لم نكن قد عرفنا سوى أماكنها على خارطة العالم وبعض خصوصياتها، لكن مواطن من ذلك البلد حدثنا عنها أو عبر عنها بسلوك حضاري جعلنا نحبها، وبالعكس أحياناً مواطن لدولة أخرى يتصرف تصرفاً سلبياً يجعلنا ننفر من اسمها حتى لو لم تكن هي هكذا. لذلك نرى الشعوب المتحضرة توفد للبلدان الأخرى من يعبرون عن حضارتها ورقيها، وتولي اهتماماً بالثقافة الوطنية لسفرائها وموظفيها في الخارج. علمتنا التجارب وتربيتنا كذلك أن نحترم خصوصيات الشعوب الأخرى حين نسافر ولحد الآن لم يسجل على زائرٍ إماراتي أو دبلوماسيٍّ أو مبتعث أي مؤشرٍ سلبي ذلك أننا (عيال زايد) نحترم اسم بلادنا ونحملها على الرؤوس سواء كنا فيها أو خارجها، فنحظى باحترام الشعوب الأخرى وتقديرها. والرائع أننا حين نُسأل من أي بلد نحنُ أحياناً نقول (من الإمارات) فيقول السائل: أنتم من بلد زايد؟ نقول نعم أبونا زايد رحمه الله، وحين نجيب السائل بأننا (من بلد زايد) يقول السائل أنتم من الإمارات، صار زايد هو العنوان وهو الوسم الوطني المشرف، رحمه الله. وكثيراً ما كنا نسأل أنفسنا ونحن نبذل قصارى جهودنا، ترى هل وفينا أبانا زايد حقه؟ وهل وفينا الإمارات حقها علينا؟ ربما دلائل الجواب يجدها من يرى هذا النهوض وهذا الحراك والبناء والتقدم في كل مفاصل الحياة وجوانبها، وفي وجوه الإماراتيين التي تبتسم والعيون تفصح عن السعادة والرضا. وفي كل ما هو جميلٌ وراقٍ من حولنا من بناءٍ وطرق ومواصلات ومجمعات صحية وجامعات ومنتجعات وحدائق وبساتين ومدائن ترفيه وأبراج وأسواق ومتنزهات ٍ وبحيراتٍ وأنوارٍ تحيل ظلمة الليل إلى نهار. لذلك أصبحت بلادنا الإمارات قبلة أنظار العالم، وصار حلم السائح الأجنبي أو العربي أن يقضي إجازته في ربوع بلادنا، بلاد الخير والأمان. أكتب عن بلدي وأنا خارجه جغرافياً وهو معي روحياً، أحمله في قلبي لأن حقيبتي أصغر من أن تحمل وطناً بحجم الدنيا وجمالها.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :