لماذا «تهرب» أمريكا من منظمة حقوق الإنسان؟

  • 6/28/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

د. إكرام بدر الدين * المبرر الذي قدمته مندوبة الولايات المتحدة نيكي هايلي لانسحاب بلادها من منظمة حقوق الإنسان، لم يكن مقنعاً بتاتاً، سوى أنه جاء دعماً ل«إسرائيل» التي ترتكب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولة من جانب الإدارة الأمريكية للتملص من مسؤولياتها في حماية حقوق الإنسان.تعد الأمم المتحدة منظمة دولية عرفها العالم عقب الحرب العالمية الثانية، وتختلف عن غيرها من المنظمات السابقة لها في صفة العالمية. فالمنظمة التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، هي عصبة الأمم، وكان يغلب عليها الطابع الأوروبي، وكانت بعض الدول المهمة والمؤثرة في تلك الفترة، لم تتمكن من اكتساب عضوية عصبة الأمم، أو اكتسبت العضوية لفترة وطردت منها، ما أضعف هذه المنظمة، وأدى إلى انهيارها تماماً وإنشاء أخرى تتسم بالعالمية وهي الأمم المتحدة، والتي يكون مجال الانضمام إليها مفتوحاً أمام كل دول العالم. وتتكون المنظمة الدولية من عدد من الأجهزة التابعة لها، وتختلف أشكال العضوية فيها وعدد الأعضاء، فالجمعية العامة هي بمثابة برلمان دولي تتمثل فيه كل الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، وفقاً لقاعدة المساواة، ولا يوجد فارق في ذلك بين دولة كبيرة ودولة صغيرة، أو دولة متقدمة ودولة نامية، بينما مجلس الأمن يتكون من 5 دول ذات عضوية دائمة، وعشر دول ذات عضوية مؤقتة، يتم اختيارها وفقاً لآلية معينة، وتتغير كل سنتين، وكذلك الحال لبعض الأجهزة والمجالس التابعة للمنظمة الدولية، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي واليونيسكو، ومجلس حقوق الإنسان، والأنروا، وغيرها.وأعلنت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، في 19يونيو 2018، انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكانت أهم المبررات المطروحة لهذا الانسحاب، أن المجلس يضم دولاً تنتهك فيها حقوق الإنسان وفقاً لرأيها، فضلاً عن تحيزه ضد «إسرائيل»، وربما يكون هذا العامل الأخير؛ أي ما يتخذه المجلس من قرارات ضد «إسرائيل» وما تقوم به من انتهاكات ضد الفلسطينيين، هو السبب الرئيسي في انسحاب الولايات المتحدة من المجلس، وذلك نظراً لانحياز الولايات المتحدة المطلق للسياسات «الإسرائيلية» ولوجهة النظر «الإسرائيلية»، بل يمكن القول إن أمن «إسرائيل» وحمايتها، يعتبر أحد المرتكزات الأساسية للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى تدفق البترول والمرور في الممرات الدولية في المنطقة، وربما يأتي هذا الموقف الأمريكي اتساقاً مع مواقف سابقة للولايات المتحدة في أجهزة الأمم المتحدة، خصوصاً في مجلس الأمن لعرقلة إصدار أي قرار من مجلس الأمن يدين الانتهاكات والاعتداءات «الإسرائيلية» على الفلسطينيين. وربما كان آخر هذه الممارسات الأمريكية، استخدام الولايات المتحدة لحق «الفيتو» لوقف إصدار مجلس الأمن لقرار يدين الاعتداءات «الإسرائيلية» على الفلسطينيين المتظاهرين سلمياً في يوم الأرض، واستخدام القوة المفرطة ضدهم، وسقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى الفلسطينيين؛ نتيجة لاستخدام القوة الغاشمة من جانب «إسرائيل»، بما يمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان التي يسعى المجلس للحفاظ عليها، وكذلك سبق للولايات المتحدة استخدام حق «الفيتو» عشرات المرات في السنوات السابقة، لإيقاف أي قرار يدين الانتهاكات «الإسرائيلية».وأحدث الانسحاب الأمريكي من مجلس حقوق الإنسان، ردود فعل عنيفة على مستوى العالم، وربما تكاد تكون الدولة الوحيدة التي أيدت القرار، ورحبت به هي «إسرائيل»، بينما أعرب العديد من المسؤولين الغربيين، والأمين العام للأمم المتحدة، عن الأسف لهذا القرار، الذي يضعف من وجهة نظرهم الدور الأمريكي في مجال حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها. ويمكن في تقديري تفسير الموقف الأمريكي أو قرار الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بتغليب الاعتبارات السياسية على المبادئ من جانب الولايات المتحدة، أو بعبارة أخرى تغليب دعم وحماية «إسرائيل» من أي إدانة دولية من جانب المنظمة الدولية وأجهزتها، على مبدأ حماية حقوق الإنسان، فهناك تأييد مطلق ل«إسرائيل» من الولايات المتحدة في جميع الظروف والمناسبات، وليس فقط تأييد «إسرائيل» في مجال انتهاك حقوق الإنسان، بل يمكن تفسير هذا الانسحاب الأمريكي أيضاً، بسياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها الولايات المتحدة لحماية «إسرائيل» من الإدانة الدولية، كما حدث في مجلس الأمن على سبيل المثال: عندما تقدمت الولايات المتحدة بمشروع لإدانة الفلسطينيين بدلاً من المشروع الذي عرقلته باستخدام حق «الفيتو»، والذي كان يتعلق بإدانة «إسرائيل». كذلك كانت للولايات المتحدة مواقف أخرى سابقة، في إطار سياسة المعايير المزدوجة في اليونيسكو، والجمعية العامة.ويمكن القول، إن هذه السياسة المزدوجة والمنطق المعكوس وانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، وتهديدها بالانسحاب من أجهزة أخرى تابعة للمنظمة الدولية، أو الضغط المالي عليها، بمعنى إيقاف أو تأجيل سداد حصتها المالية، يمكن أن يؤثر سلباً في المستقبل على المنظمة الدولية ودورها المناط بها، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، كما أنه يمكن أن يطرح تأثيره أيضاً على الولايات المتحدة، باعتبارها القطب الوحيد في عالم اليوم، وربما يمكن أن يثير ذلك قضية أخرى مهمة، تتعلق بتطوير وهيكلة المنظمة الدولية، وجدوى حق «الفيتو»، الذي كثيراً ما يستخدم في غير المصلحة الدولية؛ بل لمصلحة طرف أو دولة بعينها. فقد نشأت الأمم المتحدة منذ أكثر من سبعة عقود، في ظل نظام الثنائية القطبية الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وكان حق «الفيتو» للدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، أحد المزايا التي منحها الميثاق للدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (الحلفاء)، وبعد مرور أكثر من سبعين سنة على نشأة المنظمة الدولية، أصبح المناخ ملائماً لإعادة النظر في ميثاق المنظمة الدولية، وإعادة النظر في حق «الفيتو»، الذي يعني أن دولة واحدة من الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن يمكنها عرقلة قرار تريد إصداره جميع الدول الأخرى الأعضاء في المجلس، وهو ما يتنافى مع الديمقراطية على المستوى الدولي، وقد تكون هذه الإصلاحات الهيكلية مطلوبة لزيادة فعالية المنظمة الدولية، وتدعيم دورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وحل المشاكل العالمية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية، وقد لا يكون هذا القرار الأمريكي هو الأول من نوعه، فالولايات المتحدة لم تنضم على سبيل المثال، إلى اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي، وكذلك «إسرائيل»، وكذلك الحال بالنسبة للاتفاقية الدولية الخاصة بالمناخ، كما اتخذت إجراءات ربما تتعارض مع اتفاقية التجارة الحرة. ونأمل أن يكون انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، هو الأخير في هذا الصدد، كما نأمل أن يتم اتخاذ إجراءات لإدخال إصلاحات هيكلية إلى المنظمة الدولية، بحيث تكون أكثر فاعلية في أداء دورها، وأقل خضوعاً لطرف وحيد. * أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

مشاركة :