د. انجلوس كريسوجيلوس تتجه أوروبا نحو مرحلة جديدة من عدم اليقين السياسي، بعد أن اتفق حزبان شعبويان في إيطاليا، هما حركة النجوم الخمس، وحزب الرابطة، على تشكيل حكومة معاً. وبعد أسبوع من عدم اليقين الذي أقلق الأسواق، تجد إيطاليا، وهي ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وثامن أكبر اقتصاد في العالم، نفسها تدار من قِبل حزبيْن شعبويين، أعربا في السابق عن تشكك عميق في عضوية إيطاليا في منطقة اليورو، إضافة إلى معارضة سياسات الاتحاد الأوروبي إزاء الهجرة. إيطاليا، بلد يقع عند تقاطع مساريْ الأزمتين الكبيرتين اللتين مرّ بهما الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة. فقد عانت إيطاليا التوعك الاقتصادي القائم منذ زمن طويل، الذي ازدادت حدته خلال سنوات أزمة منطقة اليورو، ومن تصاعد أزمة المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط. وفي كلتا الحالتين، عززت حركة النجوم الخمس، وحزب الرابطة مفهوم كثير من الإيطاليين، بأن الاتحاد الأوروبي لم يتقاعس عن المساعدة فقط، بل ألحق ضرراً مباشراً بإيطاليا أيضاً، بأن فرض عليها إصلاحات اقتصادية عقابية، وتركها من دون مساعدة لإدارة سيل اللاجئين المتدفق على شواطئها. ومن الناحية المثالية، من شأن ذلك أن يركز عناية النخب الأوروبية على الجهود المبذولة لإصلاح الإدارة الاقتصادية في أوروبا، وإدارة حدودها الخارجية، مع مراعاة تطوير سياسات أكثر استدامة وعدلاً. وإيطاليا في الواقع، هي الحدود الأخيرة لأزمة الحكم في الاتحاد الأوروبي التي مضى عليها عقد من الزمن: فهي باعتبارها عضواً مؤسساً في الاتحاد الأوروبي، ورابعَ أكبر بلد فيه، ومجتمعاً موالياً لأوروبا تقليدياً، تواجه تحديات سياسية حقيقية للغاية، يراها جمهور الناخبين متشابكة بشكل وثيق مع عضويتها في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. ومع ذلك فإن التحالف الشعبوي في روما، يثير فيما يبدو نوعاً مختلفاً من ردود الفعل. فقد سارع المعلقون السياسيون في أنحاء أوروبا إلى تأطير شراكة النجوم الخمس والرابطة، باعتبارها حلقة أخرى في مسيرة طويلة للشعبوية في الديمقراطيات الغربية. فبعد أن أفسحت هزيمة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في العام الماضي، المجال للحديث بأن الموجة الشعبوية ربما تكون قد انحسرت، فإن الحكومة الإيطالية الجديدة أثبتت صحّة رأي أولئك الذين يقولون إن الشعبوية، والليبرالية وحتى الاستبداد، ما زالت مشكلة أوروبا الرئيسية اليوم. ولا يمكن للمرء، بطبيعة الحال، أن ينكر أن هذه أوقات اختبار للديمقراطية الليبرالية في العديد من أجزاء أوروبا. وبقدر ما لدى الشعبوية من نظام اعتقاد أيديولوجي، فإن فهمها للديمقراطية كنمط مباشر وأغلبية من التمثيل السياسي، هو الذي يحل محل الضوابط المؤسسية على إرادة الكثيرين، مثل المنظِّمين المستقلين، والبنوك المركزية والقضاء. ويمكن أن تصبح الشعبوية بالفعل، تهديداً للديمقراطية، إذا قوّض الشعبويون في السلطة، المؤسسات الليبرالية، ومكّنوا ظهور الديمقراطية غير الليبرالية التي يمكن أن تتحول بمرور الزمن، إلى نظام استبدادي انتخابي صريح. ومع ذلك، فإن التركيز الاستحواذي في كثير من النقاش السياسي والصحفي، حول تحدي الشعبوية للديمقراطية الليبرالية، يفوته جانب أهمّ من القصة: وهو أن صعود الشعبوية في معظم الحالات يزداد بسبب الإخفاقات السياسية الحقيقية للغاية، وردود الفعل الشعبية المشروعة جدّاً عليها.ومرة أخرى، ليست النقطة المهمة، أن الشعبوية لا تتحدى الديمقراطية الليبرالية في أوروبا. بل هي أن النجاح الانتخابي للأحزاب الشعبوية ليس بالضرورة، أو حتى بشكل مبدئي، خطراً على الديمقراطية في جميع الحالات. وفي كثير من الأحيان، يعكس صعود الشعبويين إخفاقات سياسية واضحة، وإحباطات عامة لا يمكن أن يتجاهلها الاتحاد الأوروبي، والنخب الوطنية. وبرغم ذلك، كانت قلة قليلة تعتقد أن حركة النجوم الخمس، وحزب الرابطة، سوف، أو يمكن أن يؤسس ديمقراطية غير ليبرالية في إيطاليا. وقد طوّرت النخب الأوروبية والمعلقون في التيار السائد، منذ وقت طويل، عادة صَبغ جميع المتحَدّين للنظام الأوروبي، بفرشاة واحدة من «الشعبوية» و»انعدام الليبرالية». إن التحدي الحقيقي الذي يشكله التحالف الشعبوي في إيطاليا، للاتحاد الأوروبي، تحدٍّ للسياسة، لا للديمقراطية. زميل مشارك في البرنامج الأوروبي.موقع: «تشاتام هاوس» (المعهد الملكي للشؤون الدولية).
مشاركة :