الموسيقى لغة العالم! - سعد الحميدين

  • 12/10/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

" الفن الأصيل شجاع وعنيد لأنه يستطيع وحده أن يقتحم الخلود، ويتحدى الزمن، والفن الزائف قد ينتفض ويزدهر يوماً أو عاماً، ولكنه لا يلبث أن يهمد ويذوي، وهناك قاعدة قديمة تقول: إن الكثرة تغلب الشجاعة، ويمكن تطبيق هذه القاعدة في مجالات كثيرة، إلا مجال الفن" (كامل الشناوي) *** الموسيقى كلمة لها وقعها في النفوس معنى ومبنى، وقد قيل عنها الكثير من قِبَل المفكرين والمبدعين والمتلقين، وأبلغ وصف أنها لغة الشعوب؛ حيث يفهمها ويتفاعل معها ويتذوقها الإنسان في أي بقعة من الأرض مهما كان مستواه المعرفي ومقدرته الاستيعابية، فهي تخاطب الإنسان كما يريد وتفرض عليه ما تريده هي لكونها تتسلل إلى أعماقه حسب حالته النفسية، فهي مع الإنسان في كل حالاته وانفعالاته تصاحبه في شتى مراحله العمرية، وتتطور بتطوره لأنها تتلقى الاستجابة لأنها تصور الحالة، وتفرض الاستكانة لها وتلبية رغباتها ومطاوعتها نظرا لقدرتها الفائقة على اختراق تجاويف الذات الإنسانية بملامسة لها وقعها الخاص المؤدي إلى طلب الاستزادة، والتنوع تبعا للحالة التي تتكون فيها. معلمة الإنسان ما ليس يفهم وقائلة ما لا يبوح به الفم وكامنة بين النفوس بداهة وما علمت في مهده ما التكلم - إنها تُعلّم بدون كلام عادي فلها لغتها الخاصة التي تستطيع بواسطتها أن تبوح بأشيائها كاملة دون نقصان، وهذا ما قاله عملاق الأدب والفكر العربي عباس العقاد في مطلع قصيدة (الموسيقى) وهي من أجمل القصائد رقة ومعنى في الشعر العربي الذي لم يشتهر به العقاد لأنه اتجه بالكامل للفكر والأدب والدراسات، فأُغْفلَ من قبل الناقدين شاعرا وبقي في دائرته الفسيحة مفكرا عملاقا. إن الموسيقى فن راق متجذر ومتطور ومواكب للحياة في مراحلها على مدى الكون بألحانها وإيقاعاتها، فيقول الدكتور الفيلسوف الكبير فؤاد زكريا: "ولكن أي حركة هي التي ينظمها الإيقاع الموسيقي؟ أهي الحركة التي نألفها في حياتنا المعتادة حين ننتقل من موقع إلى آخر، أعني الحركة المكانية؟ لا شك في أن الإيقاع الموسيقي ينظم حركة من نوع آخر، ولا شأن لها بالمكان أصلا، بل هي حركة تتم خلال الزمان، وهكذا نجد لزاما علينا أن نشرح فكرة تكون عنصرا أساسيا في فهم الإيقاع، بل وفي فهم الموسيقى ذاتها بوجه عام وأعني فكرة الزمان". ولأن الزمان له أبعاده وفلسفته التي اشتغل عليها مفكرون وباحثون في شتى شؤون الحياة لكي يظهروا بنتائج إيجابية في متطلبات حياتية تحتمها الوقائع. يضيف د. زكريا: "في حياتنا اليومية تتمثل لنا، دون وعي، تلك التفرقة التي عبر عنها الفيلسوف الفرنسي برجسون بطريقة عميقة حين ميز بين الزمان والديمومة، فحين نفكر في إحساسنا بمضي الوقت نجد فارقا واضحا بن ذلك الزمان الرتيب المتجانس الذي تدلنا عليه مؤشرات الساعة، وبين ذلك الزمن الحي الذي نعيشه بانفعالاتنا واهتماماتنا، والذي قد تطول فيه لحظات - هي بحساب الساعة الآلي – لحظات قصار، أو تقصر فيه فترة لا نشعر فيها بمضي الزمان وإن كانت الساعة تنبئنا بأن وقتا طويلا قد مضى، فالزمان لب الإيقاع الموسيقي، بل إن الإيقاع الموسيقي ربما كان أقوى عناصر الفنون كلها تعبيرا عن الزمان، إنما نعني بذلك أن الإيقاع يقوم على الزمانية، بحيث نشعر في الإيقاع بأننا نتحكم على نحو ما في مجرى الزمان ونظمه، بدلا من أن ننساب معه دون عي"، فقوام الموسيقى الإيقاع، وتشعب الإيقاع تأتّى من اختلاف البيئات، فالجبال لها خاصيتها الإيقاعية، وللساحل، وللصحراء، والبحر، فكما أن للرعاة حداءهم الموقّع على حركات الجمال، فإن للبحارة إيقاعاتهم الملائمة لحالة المد والجزر والموج، والمزارع في حقله له الايقاعات المتماشية مع ما يشاهد ويشحذ الهمة في مواصلة العمل له وللسابقين ممن وصفت، ولأن تلك الإيقاعات تأتي من واقع الحال فإن الحال كلما تغيرت بالرغم من تمسكه بجذوره وأصوله تضيف وتحسن وهكذاحال الموسيقى فهي فن زماني، ويؤيد ذلك ويؤكده تلازم الموسيقى بالشعر حيث هناك صلة من نوع خاص بينهما ربما كانت أقوى من صلة الموسقى بأي فن آخر، وصورة هذه الصلة يجسدها الغناء، فيكون التلازم الثلاثي بين الموسيقى والشعر والغنا، وفي هذا منتهى التكامل عندما يجمعهم إطار واحد يتمحور حول الموسيقى التي تعتبر فعليا لغة الشعوب والعالم جميعا مترجمة نفسها بنفسها دون وسيط.

مشاركة :