أنهى الوفد الأمريكي برئاسة جاريد كوشنر، مستشار الرئيس، دونالد ترامب، وجيسون جرينبلات، المبعوث الرئاسي لعملية السلام في الشرق الأوسط، يوم22/6، جولة إقليمية بالشرق الأوسط، استمرت مدة أسبوع تضمنت محادثات في كل من عمان والرياض والدوحة والقاهرة، وانتهت بتل أبيب، فيما لم تشمل أي اجتماعات مع الجانب الفلسطيني الذي يقاطع الإدارة الأمريكية منذ إعلانها القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها من تل أبيب إليها. تأتي هذه الزيارة استكمالا للمرات السابقة، والتي قيل إنها «لاستكشاف مواقف الأطراف من إطلاق مفاوضات جدية، وبحث سبل إحياء محادثات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين». إلا أنه خلافا لكافة التوقعات لم يكن وصول الوفد هذه المرة إلى المنطقة اعتياديًا، حيث لا يمكن النظر إلى الجولة من دون الحديث عن الاتفاق الذي تعدّه الإدارة الأمريكية، والذي صار يعرف إعلاميا بـ”صفقة القرن»، خاصة أن السنوات الأخيرة قد أفرزت واقعا سياسيا مغايرا فتح الباب أمام مناورات الإدارة الأمريكية الحالية لاختبار هوامشها الجديدة، وهو ما يؤكده «دنيس روس»، الدبلوماسي الأمريكي السابق، من أن «هذه الخطة تمثل خطوة منطقية لإدارة ترامب لإظهار أن لها تأثيرا حقيقيا على القضايا على أرض الواقع». وعلى الرغم من عدم إعلان الإدارة الأمريكية بشكل رسمي عن تفاصيل «صفقة القرن»، التي أعدتها؛ فإن معالم هذه الصفقة قد بدأت في التشكل، وهو ما قاله «هنري ستوري»، محلل المخاطر في شركة المخاطرة الجيوستراتيجية لموقع «فورين بريف»، من أنه «يوجد العديد من الإشارات الدالة على جوهر هذه الخطة المحتملة على الرغم من أن السرية كانت استراتيجية متعمدة يستخدمها كوشنر بشكل ملحوظ»، حيث ركزت الصفقة على تقديم الدعم الاقتصادي للفلسطينيين، ووعود بتقديم أموال قد تصل إلى مليار دولار؛ بهدف بناء محطات للطاقة والاستثمار في الصناعة، وثمة أحاديث أخرى عن مطار كبير وميناء لخدمة قطاع غزة يقوم على الأرض المصرية، وأنباء عن تهدئة طويلة في القطاع وخطة مبيتة لإعلان دولة فلسطينية في غزة ترتبط بمصر على نحو غير واضح. أما مصير الضفة الغربية ومدنها العربية وكتلها الاستيطانية ونقاط استيطانها غير القانونية وغير المشروعة، فهو أمر مؤجل إلى حين آخر. ووفقاً لصحيفة «هارتس» الإسرائيلية، تعرض الصفقة على الفلسطينيين ضاحية «أبو ديس» لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية، بدلاً من القدس، وفى مقابل ذلك، تنسحب إسرائيل من ثلاث ضواحي شمال وجنوب القدس، في حين تبقى البلدة القديمة تحت سيطرتها الكاملة، وبموجب الخطة تبقى الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ومن دون جيش أو أسلحة ثقيلة. فيما شملت التكهنات حول الخطة، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدم إزالة المستوطنات الإسرائيلية من الضفة الغربية، كما لا تضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم. كما لفتت تقارير إلى دعم واشنطن احتفاظ إسرائيل بحق السيطرة الأمنية على الحدود مع الأردن. وإذا كان هذا هو الحال، فإن هذه الصفقة وكأنها لا تعد الفلسطينيين إلا بفتات دولة مُقطعة الأوصال ومنقوصة السيادة تتحكم إسرائيل في معابرها، وتسيطر على كامل غور الأردن أمنيا، كما أنها لا تعدهم بأي سيطرة على مدينة القدس. وعند تحليل السياق الذي يحاول فيه «كوشنر» التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، نجد أنه قد وضع نهجًا جديدًا لحل النزاع، لم يتم صياغته على أساس سياسي، وإنما على أساس اقتصادي، يرمي إلى تقديم حزمة مساعدات لقطاع غزة المحاصر، بما يعنى تحلل الإدارة الأمريكية من منظومة القانون الدولي، واستبدالها بتسهيلات وحزم اقتصادية، غفلاً عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، فيما يبدو أنه سيكون بداية لنهج جديد للسياسة الأمريكية، بعد أن خفضت إدارة ترامب المساعدات على مدار العام الماضي. وبحسب بعض المحللين، فإن «كوشنر» يمثل سياسة الاملاءات، بدلاً من المفاوضات والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تنصلت منها إدارة ترامب، فظهرت صفقته وكأنها محاولة لدفع الخطة الأمريكية لتعزز السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية على أرض فلسطين. وبالتالي بدت زيارته وكأنها مغامرة فاشلة لتعزيز السلام في الشرق الأوسط، فضلا عن أن العوامل السياقية والسياسية تجعل من فشل هذه الصفقة أمرًا لا مفر منه، الأمر الذي أكده الكاتبان لدى صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية؛ موريس وروث إغلاش، من أن هناك العديد من المشاكل التي تعترض كوشنر لتحقيق عملية السلام والترويج لصفقة القرن منها: أولا: الانحياز الأمريكي، حيث يتشكك الكثيرون حول كون هذه الصفقة ستكون مؤيدة لإسرائيل بشكل كبير، بالنظر إلى تقارب العلاقات بين إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، وهو ما يتضح من خلال السياسات والقرارات الأمريكية، مثل انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى جانب كون ترامب أول رئيس أمريكي منذ عقود يعلن صراحة عدم تمسكه بخيار حلّ الدولتين. وبخلاف أوقات الاختلاف بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية في الماضي، يبدو الخلاف الراهن هو الأكثر أهمية؛ فقد صرحت «أماندا كاديتش»، محللة شؤون الشرق الأوسط لدى شركة راند كورب في واشنطن، لمجلة نيوزويك الأمريكية: «إن مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة من أي نوع ليست موجودة، وما بقي، مهما كان هشًا. فبعد قرارها نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أصبحت المجتمعات العربية والمسلمة تنظر إلى هذا التحرك باعتباره نقطة تحول، بعيدًا عن محاولات التوصل إلى حل». ثانيا: كوشنر، الذي طالما كان خيارًا مسببًا للانقسام كمبعوث للشرق الأوسط، نظرًا إلى علاقته الشخصية بنتنياهو، فوفقا لتقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، في 16 يناير من عام 2017، زعم ترامب أن «كوشنر» اليهودي المتدين، يستطيع أن ينجح فيما أخفق فيه مفاوضو السلام الأكثر حنكة، مرجعا السبب إلى نظر المسؤولين الإسرائيليين إليه بوصفه «حليفا لهم». وهو ما جعل محللين يقولون بعد زيارة كوشنر السابقة للمنطقة في يونيو2017: «لقد بدا أنهم مستشارون لدى نتنياهو وليسوا وسطاء سلام عادلين» في إشارة إلى الوفد. فضلا عن عدم إلمامه الكافي بالقضية الفلسطينية، وعدم معرفته بما يكفي بالعالم العربي، وعدم التمرس في أمور السياسة، والتماهي مع سياسات وممارسات صديقه نتنياهو، وذلك ما يعقّد مهمته في التوفيق والتقارب بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، بعد أن فقد حياديته، الأمر الذي جعله موضع انتقاد من جانب العديد من المعلقين الأمريكيين، الذين تجاوز بعضهم حدود السخرية من الرجل الذي أعلن أنه لا يرغب في قراءة الكتب التي تتحدث عن تاريخ الشرق الأوسط، إلى الاستنتاج أنه لا يفهم على الإطلاق أصول المشكلة، ولا يبدو أن الخطة التي سيصدرها قريبًا معنية بمشاركة الطرف الوحيد الذي يضمن ولادة طبيعية للمشروع. ثالثا: موقف الفلسطينيين أنفسهم، وهو من أكثر العوائق التي تعترض نجاح هذه الصفقة، فمنذ اعتراف إدارة ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، إلى جانب قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، تبنت السلطة الفلسطينية سياسة عدم التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، احتجاجًا على القرارات الأمريكية والاتجاه العام المُؤيد لإسرائيل من قِبل إدارة ترامب. وليس من الغريب، أن يمتد هذا الأمر ليطال جهود «كوشنر» لعقد هذه الصفقة، خاصة أن السلطة الفلسطينية ترى أن أي اتفاق للسلام ليس أكثر من مجرد وسيلة لتعزيز المصالح الإسرائيلية، وهو ما يضاعف من إحجامها عن المشاركة في أية مفاوضات وقبول تنفيذها من الأساس، وهو ما صرح به الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قبل زيارة كوشنر، قائلاً: «إن القيادة الفلسطينية تحذر دول المنطقة، من التعاون مع تحرك يهدف إلى إطالة أمد الفصل بين غزة والضفة الغربية، ويؤدي إلى تنازلات فيما يتعلق بالقدس والمقدسات الإسلامية الأخرى». هذا فضلا عن اشترط الجانب الفلسطيني من أجل تعاونه مع أي مبادرة للسلام أن تكون مبنية على أساس حل الدولتين، والحفاظ على الثوابت الفلسطينية، التي ناضل الفلسطينيون من أجلها على مدى ربع قرن، وعقدت من أجلها آلاف اللقاءات التفاوضية، وهو ما لم يظهر من خلال صفقة القرن، عزز من ذلك ما أكده الرئيس ترامب عندما التقى نتنياهو في واشنطن في فبراير2017، من أنه لم يحسم بعد موقفه، قائلا: «أنظر في حل الدولتين أو دولة واحدة». ولعل ما أعلنته الدول العربية التي زارها الوفد، من رفضها المساعي الأمريكية، وتأكيد مواقفها الثابتة من الحل السياسي المتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضايا الوضع النهائي، بما فيها قضيتا اللاجئين والقدس، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية؛ هو عامل آخر يصعب من مهمة المبعوث الأمريكي في المنطقة، حيث تفيد تقارير أمريكية بأن «كوشنر» تلقى التأكيد نفسه خلال لقاءاته بالقادة العرب في المنطقة الذين أصروا على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كأساس للسلام بين الجانبين. وذكرت مصادر في البيت الأبيض أن المسؤولين الأمريكيين لديهم إحساس بالإحباط، حيث لم تسفر لقاءات كوشنر مع القادة العرب عن الدعم الكافي الذي تحتاج إليه الإدارة الأمريكية للإعلان عن خطتها النهائية. ومن ثمّ، فإن غالبية السياسيين والأكاديميين والمعلقين مازالوا متشككين في نجاح أي صفقة في الوقت الحاضر. على العموم، يتطلب تسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني الحاجة إلى نهج جديد وتحديث نقاط ومواقف التفاوض في الصراع، ويبدو أن المشروع الأمريكي مغامرة محكوم عليها بالفشل.. ولا يزال في إمكان الفلسطينيين أن يقلبوا الطاولة والانتفاض مجددا من أجل القدس ومن أجل فلسطين بشكل عام، وهو ما يفرض على القيادة الفلسطينية أن تعمل على مسارات متوازية ومتكاملة، وأن تبدأ من الوضع الفلسطيني الداخلي أولاً، فالفلسطينيون يتحملون مسؤولية تقرير مصيرهم، وأنه لا يمكن العودة بعد كل هذا النضال إلى المربع الأول، وحسنًا فعلت الدول العربية التي زارها كوشنر برفض مشروع الصفقة التي تهدف لتحويل القضية من سياسية إلى إنسانية، وأن ما يجري من طروحات وأفكار هدفه إلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية، وقتل المشروع الفلسطيني المتمثل بإقامة الدولة وعاصمتها القدس الشرقية.
مشاركة :