تحية إلى السينما السياسية دون ثرثرة وقبضات دونكيشوتية

  • 6/29/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

التكريمات جزء أساسي من فعاليات المهرجانات السينمائية سواء كانت صغيرة أو كبيرة، محلية أو عالمية. لكن هناك من التكريمات ما يتجاوز تلك العادية التي باتت تسم هذا النوع من التظاهرات، الى درجة يبدو معها التكريم جزءاً أساسياً حاسماً لا بد منه. وهذا ما ينطبق في شكل خاص هنا على التكريم الذي يكرسه مهرجان كارلوفي فاري لثلاثة من مبدعي الفن السابع في عصرنا الحديث وفي مقدمتهم واحد من أكبر السينمائيين المجددين في تاريخ السينما المعاصرة: ميلوش فورمان، الذي رحل عن عالمنا قبل شهور قليلة أي في السنة الفاصلة بين دورة المهرجان السابقة ودورته الحالية. صحيح أن فورمان يستحق كل أنواع التكريم كسينمائي عرف كيف يحقق بداية حقيقية لسينماه وكيف يرفد عالم السينما بأعمال صاخبة بديعة تماشت تماماً مع العصر وقضاياه دون أن تغرق في الثرثرة المملة أو في الطروحات الأيديولوجية، ما جعله قبلة التكريمات في معظم المهرجانات التي تلت رحيله. بيد أن تكريمه في كارلوفي فاري يتخذ بالتأكيد طابعاً مختلفاً وأكثر أصالة. ففورمان، عدا عن كونه صديقاً دائماً للمهرجان حتى من قبل انشقاقه عن السينما التشيخية التي كان من مؤسسي حداثتها («غراميات شقراء» و«الى النار أيها الإطفائيون» عند بداياته في بلده، وهما الفيلمان اللذان يستعادان اليوم افتتاحاً في كارلوفي فاري)، سيكون ذا دور كبير في إضفاء شعبية كبيرة، حين انتقل الى أوروبا وأميركا، على سينما القضايا الكبرى التي وسمت أفلامه (كما الحال مع تحف له مثل «أماديوس» و«هير» و«فالمونت» و«واحد طار فوق عش الوقواق»، وحتى «راغتايم» و«أشباح غويا»). ومن هنا ليس مستغرباً أن يكرم ميلوش فورمان في وطنه الأصلي ومن قبل مهرجانه الأثير، بهذا الشكل الصاخب الذي لن يحوي عروضاً فقط، بل سيتضمن في الافتتاح وبعده كونشرتو موسيقياً كبيراً تقيمه الأوركسترا الوطنية التشيخية خارج صالة العروض الرئيسية لموسيقى مختارة من أفلامه تحت قيادة المايسترو المميز ليبور بيشيك. والحال ان الذين يعرفون أهمية الموسيقى في سينما فورمان يمكنهم إدراك هذه الخصوصية التي أعطاها مهرجان كارلوفي فاري لتكريم فورمان وسينماه وموسيقاه! عن الحرب الفيتنامية بهدوء ومع هذا، لن يكون ميلوش فورمان، على رغم هذه الخصوصية، الوحيد المكرم في المهرجان التشيخي المزدحم بالعروض والأسماء. فإلى جانب صاحب «غراميات شقراء» هناك تكريم خاص للمخرج الأميركي باري ليفنسون الذي يكاد يكون منسياً في هوليوود اليوم، رغم أنه كان واحداً من الأسماء الكبيرة في عاصمة السينما الأميركية، بل من المجددين في المواضيع المضفى عليها طابع إنساني أكيد. وليفنسون الذي رشح لجوائز الأوسكار مرات عدة كان الفوز فيها من نصيبه مرة على الأقل عن تحفته «رجل المطر» من بطولة داستن هوفمان وتوم كروز، حقق العديد من الأفلام الشعبية التي نالت نجاحات كبيرة ومنها طبعاً «صباح الخير يا فيتنام» الذي كان على طريقته، أحد أقسى الأفلام احتجاجاً ضد الحرب الأميركية في فيتنام. العائد الى بريخت الاحتجاج أيضاً هو السمة الرئيسة التي تسم المسار السينمائي لمبدع ثالث يكرمه كارلوفي فاري هذا العام ليكمل ثالوثاً متكاملاً في مجال ترسيخ فهم عصري وهادئ للسينما السياسية. فالمكرم الثالث في هذا الإطار هو الممثل والمخرج تيم روبنز الذي لم يتوقف طوال مسار سينمائي طويل شاركته في بعض أجمل لحظاته رفيقته سوزان سارندون عن العمل معاً لإغاظة ساكني البيت الأبيض حين تكون لهم أسماء مثل جورج بوش أباً وابناً أو دونالد ترامب. لكن فضيلة روبنز لا تكمن هنا فقط، بل كذلك في اختياراته الفنية، بخاصة حين كان يمثل تحت إدارة سيّد المشاغبين في هوليوود وعليها، الراحل روبرت آلتمان (في «اللاعب» مثلاً، أو في «مقاطع قصيرة»، أو مع الأخوين كون)، أو حين يخرج بنفسه فيلماً سياسياً مثل «بوب روبرتس»، أم ينقل الى الشاشة واحدة من ألمع الكوميديات الموسيقية في تاريخ المسرح اليساري الأميركي، «المهد سوف يهتز» معيداً الى الأذهان النضالات الأميركية العمالية في سنوات الثلاثين، ولكن أيضاً النضالات الفنية التي واكبتها على الطريقة البريختية وقد مرت بمرشحات أورسون ويلز الحاضر في الفيلم حضوره الدائم في فن تيم روبرتس، الذي يبدو تكريمه اليوم في المهرجان التشيخي نوعاً من إعادة اعتبار عادلة آن أوانها.

مشاركة :