يروي د. عادل محمد العبدالمغني هذه القصة، (في كتابه: «ذكريات وحكايات كويتية». ص145)، تحت عنوان «حبل الكذب قصير»، ننقلها عنه بتصرف: «الحاج عبدالله يوسف بودي، أحد رجالات الكويت المعروفين، عرفته رجلاً متديناً، طيب القلب، يستقبل الجميع بالتواضع والابتسامة، كان له متجر في الماضي مع شقيقه الأكبر المرحوم محمد بودي، وتربطني بابنه الأكبر الأخ عبدالعزيز صداقة وثيقة منذ الستينات، وروى لي الصديق العزيز قصة عجيبة حدثت لوالده، قد لا تتكرر مع أحد لندرتها، ولكنها تحمل في طياتها مغزىً وحكمةً بالغة الأثر، قال محدثي: كان والدي كعادته في السابق يجلس بمتجره في السوق، وفي يوم من الأيام دخل عليه رجل في المحل وطلب مساعدة مالية (كسلفة)، لأنه محتاج إلى شراء بعض الحوائج واللوازم من السوق، وسوف يرد المبلغ في آخر الشهر، ولم يتردد الحاج عبدالله بودي بدفع المبلغ الذي طلبه الرجل رغم عدم معرفته به، وكان الرجل الذي استلف المبلغ، لكي يثبت صدقه وحسن نواياه، أبلغه عن اسمه الحقيقي، وأضاف أنه يعمل شرطياً في «مخفر المرقاب»، والطريف أن الاسم صحيح، ولكن مكان العمل مكذوب! ورغم كونه مكذوباً، فإن له ربطا عجيبا في تفاصيل الموقف، ثم مضى الرجل في طريقه بعد أن أخذ المال، ومضت ثلاثة أشهر، ولم يأت الرجل، كما وعد لإعادة الدَّين الذي عليه، وقال في نفسه إذا كان الرجل قد توفاه الله، فإني أدعو الله سبحانه له بالمغفرة والرحمة وحللت عليه الدَّين، أما أن يكون حياً فذلك أمر غير أخلاقي، وكان بإمكان الرجل أن يأتي لشرح ظروفه، وإعادة ما عليه من دين، وقام الحاج عبدالله بودي بالبحث في أوراقه، ووجد اسم الرجل ومكان عمله كما ادعى «مخفر المرقاب»، فاستخرج رقم المخفر من دليل الهواتف، وأدار قرص الهاتف، وكان على الطرف الآخر ضابط المخفر، ويا سبحان الله، ومن جميل المقادير أنه أفاد بأن الرجل المطلوب موجود «بالنظارة»، فاعتقد الحاج عبدالله بودي أنه يقوم بحراسة «النظارة»، فاستأذن الضابط للحديث معه، ولكن الضابط أخبره بأن الشخص المطلوب حرامي، وسوف يقوم بترحيله لجهة أخرى ولا مجال للحديث معه. فاستغرب الحاج عبدالله بودي من كلام الضابط كيف أنه شرطي وحرامي في الوقت نفسه، فذلك الأمر لا يدخل العقل، فرد الضابط: ومن قال إنه شرطي؟ إنه لص محتال تم تسجيل أكثر من قضية نصب واحتيال وسرقة عليه، فاستغرب الحاج عبدالله بودي، وقال: يا سبحان الله، منذ ثلاثة أشهر جاءني هذا الرجل لاستلاف مبلغ من المال، وأبلغني لكي يثبت حسن نواياه باسمه الحقيقي وكذب عندما قال إنه يعمل شرطياً في مخفر المرقاب، وتشاء حكمة رب العالمين أن أستدل على مكانه، وتشاء مقدرة رب العالمين أن تقتاده إلى المكان نفسه في لحظة البحث عنه ليتم القبض عليه بكل سهولة، بل ليكون إلقاء القبض عليه من تحصيل الحاصل، وهنا تنتهي القصة، والخلاصة التي أراها أن حبل الكذب قصير، وأن الحيل والألاعيب تُكتشَف ولو بعد حين، وأن التاجر عبدالله بودي كان مثالاً رائعاً للرعيل الأول في حسن النوايا والطيبة، وكانت مكافأة رب العالمين له بأن دله على مكان المحتال، عندما أبلغ المحتال عن مصيره قبل ثلاثة أشهر في ادعائه كذباً بأنه يعمل شرطياً في مخفر المرقاب، وكانت الحكمة أن يلقى القبض عليه ويساق إلى المكان نفسه ويودع في النظارة متلبساً في السرقة. وهكذا أوضحت لنا هذه القصة كيف أن الله سبحانه وتعالى يوفق العبد بسبب نيته الصالحة وحسن سريرته، وقد تكررت مثل هذه المواقف كثيراً في كويت الماضي، حيث كان آباؤنا وأجدادنا من تجار الكويت الكرام يقدمون حسن النية والظن الحسن في تعاملهم مع الناس، فيكافئهم الله سبحانه وتعالى ويجازيهم على ذلك بحفظ الأموال، أو يهيئ لهم الأسباب والأقدار للتوصل إلى من أرادوا سرقتهم والاستيلاء على أموالهم ليأخذوا عقابهم وينالوا جزاءهم. د. عبدالمحسن الجارالله الخرافيajkharafi@yahoo.comwww.ajkharafi.com
مشاركة :