الإسلام دين العطاء والكرم والبذل؛ لذلك وصف الله سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالكرم، فقال سبحانه تعالى في كتابه العزيز: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ» (الحاقة: 40، 41)، فكان وصف المولى سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالكرم دون غيره من أخلاقه الجليلة والعظيمة، التي تحلى بها النبي صلوات ربي وتسليمه عليه. وتوضح هذه القصة الواقعية مثالاً ونموذجاً لصاحبها التاجر يوسف حمد بودي، رحمه الله تعالى، لتؤكد جملة من الصفات الحميدة التي اتسم بها التاجر الكويتي في كويت الماضي، والتي من أهمها مراعاة ظروف الفقراء المحتاجين، والإحسان إليهم، وحب بذل الخير والعطاء للآخرين. يروي هذه القصة حفيده الأستاذ حمد عبدالله يوسف بودي (وهذا ما أثبتته الباحثة حصة عوض الحربي في كتابها: تاريخ العلاقات الكويتية الهندية: الموسوعة الكاملة والمصورة (1895 ــ 1965) أكتوبر 2017)، قائلاً: «كان جدي التاجر يوسف حمد بودي، رحمه الله، هو أول من جلب ماكينة لطحن الحبوب من الهند إلى الكويت، التي حلت محل الآلة اليدوية المستخدمة في الطحن، والمعروفة باسم الرحى، وقد استوردها التاجر يوسف حمد بودي رحمه الله في عام 1914، واستمرت في العمل لأكثر من ثلاثين عاماً، وتم بيعها لاحقاً، ثم استقدم ماكينة أخرى جديدة في الأربعينات، وهي التي كانت موجودة في فريج بودي، بالقرب من قيصيرية الرشدان، الواقعة قرب مسجد السوق الكبير (ساحة البورصة حالياً)، وقد استمرت في العمل هناك إلى حوالي عام 1955، عندما بدأت الحكومة باستيراد الدقيق الجاهز من أستراليا». ويستطرد الأستاذ حمد عبدالله يوسف بودي قائلاً: «استمر جدي يوسف حمد بودي رحمه الله في تشغيل ماكينة الطحين، يساعده في ذلك بعض أبناء آل اليحيى الكرام، وقد اتخذها رحمه الله مهنة للكسب الحلال، يطحن عليها بالأجرة، فكان يقصده أهل البادية وأهل الحاضرة على حد سواء، حيث كانوا يطحنون على تلك الماكينة كل أنواع الحبوب، وأهمها الشعير والقمح والقهوة، وكان أحياناً يستورد هو الحبوب، ويقوم ببيعها مطحونة لمواطنيه من أهل الكويت ولأهل البادية أيضاً. ومن المواقف، التي لا تُنسى عن الجد رحمه الله، والتي تبين كريم أخلاقه؛ أنه كان يقدم خدماته مجاناً لمن لا يستطيعون دفع أجرة الطحن، ومن المواقف المؤثرة له أيضاً أن غير المقتدرين من أهل البادية وأهل الكويت، كانوا يضعون الخياش (كيس كبير خشن من الكتان) الفارغة عند باب محله، وكان هو من يعبئ لهم تلك الخياش بالطحين، ويعيدها مكانها على الباب، حيث يأتي كل واحد منهم ويأخذ خيشته التي وضعها، وكانت الخياش معروفة بعلامات يعرفها أصحابها من دون عناء أو مشقة، وكان يوسف حمد بودي رحمه الله يتعمد تركها بالخارج، حتى لا يتحرج أصحابها عند مرورهم لأخذها، ومن سخاء نفسه أيضاً أنه كان يزيد طحيناً من عنده للفقراء والمحتاجين، الذين كانوا يأتون بخياش الحبوب، وبها كميات قليلة من الحبوب، فكان يدرك بذكائه حاجتهم إلى المزيد، ويقوم بمضاعفة هذه الكميات لهم من دون أن يطلب أحد منه ذلك، فكان يساوي الخياش الصغيرة بمثيلاتها الكبيرة لتطيب خواطر الفقراء والمحتاجين، ويسعدوا بذلك سعادة عظيمة». وهكذا تمتع أهل الكويت في كويت الماضي بالكثير من الصفات الجليلة، التي سطرها التاريخ في حقهم، فتحلوا بالكرم والسخاء على إخوانهم داخل الكويت وخارجها، كما ضربوا أروع الأمثلة في بذل الخير والمعروف، وعدم تكليف الضعفاء والفقراء ما لا يطيقون، فكانوا نماذج رائعة وقدوات حسنة لمن جاء من بعدهم حتى يسيروا على دربهم ويسلكوا نهجهم. رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته. د. عبد المحسن الجارالله الخرافيajkharafi@yahoo.com www.ajkharafi.com
مشاركة :