صادق هدايت رائد الأدب الايراني الجديد انتحر مكتئباً في باريس

  • 6/30/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لعل صدور الترجمة العربية للأعمال القصصية الكاملة للكاتب الإيراني الكبير صادق هدايات الذي يعد واحداً من رواد الحداثة الروائية والقصصية في إيران، حدث أدبي، فالمكتبة العربية لم تشهد مثل هذه الترجمة لأعماله السردية، فما راج له بالعربية روايته الشهيرة «البومة العمياء» التي حظيت بترحاب كبير. ومن عناوين القصص المترجمة: الحاج مراد، الاسير الفرنسي، داود الاحدب، مادلين، آبجي هانم، ثلاث قطرات من الدم، الدوامة، القناعان، الرجل الذي قتل نفسه .... ننشر هنا المقدمة التي وضعها مترجم القصص وجامعها غسان حمدان. صحيح أن قصص هدايت قد تُرجمت في العراق وسوريا ومصر على هيئة مختارات، لكنّ الكتاب الذي بين أيديكم يُعدّ الوحيد الذي يشمل كل قصصه القصيرة، ليس على المستوى العربي فحسب، ولكن حتى في إيران لن نجد مجموعة كاملة لأعماله، ويعود سبب ذلك إلى الرقابة المفروضة على أعماله، بحيث تباع نسخ أوفست من كتبه في السوق السوداء. وفي أفغانستان أيضاً، قام روائي وناشر أفغاني بنشر قصص هدايت ضمن كتاب كبير ولكنه جمع أربع مجموعات من قصص هدايت فقط ولم يضف إليها قصصه المتفرقة الأخرى والمنشورة في الصحف، من ضمنها قصتان كتبهما باللغة الفرنسية، وقصة نشرها مع كتّاب آخرين ضمن مجموعة مشتركة. 13غالباً ما يترافق اسم صادق هدايت مع الانتحار، ولكن لا يمكن تعريفه كشخص أقدم على إنهاء حياته، فقبل كل شيء هو أديب وفنان ومترجم وموسوعي باحث ولغوي أضاف الكثير إلى الثقافة الإيرانية في شكل مباشر، والعربية في شكل غير مباشر. صحيح أن هدايت كان متشائماً ولكن علينا الإذعان أن معظم الكتّاب العالميين غير متفائلين ويعانون من عدم فهم الآخرين لهم... لم يكن صادق هدايت الوحيد من بين الأدباء المنتحرين، فيمكننا الإشارة إلى فلاديمير ماياكوفسكي الروسي، وإرنست همينغواي الأميركي، وفيرجينيا وولف البريطانية والياباني ياسوناري كواباتا... كما أن بعض الأدباء العرب أقدموا على الانتحار أيضاً من بينهم إسماعيل أدهم وخليل حاوي وتيسير السبول، والقائمة تطول... ومع أن صادق هدايت ليس أول من كتب الرواية أو القصة الحديثة في إيران، إذ سبقه محمد علي جمالزاده الذي كان يعيش في سويسرا، إلا أنه يعدّ أول من أدخل الحداثة إلى الرواية في إيران. وفي تلك الفترة، بين العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، كانت الديكتاتورية تستلّ جميع مكتسبات الثورة الدستورية- من الناحيتين الثقافية والأدبية- من قبضة الشعب. وفي هذه الصحراء الثقافية، نشر هدايت أولى مجموعاته «الموؤود»، ولم يكن لهدايت أمن مالي وروحي، ولا حتى قرّاء. وسفره إلى الهند كان بذريعة تعلم اللغة البهلوية - بحسب قوله- ولكنّه سافر لينشر روايته الأولى «بوف كور» على نفقته الخاصة، الرواية التي تعدّ فاتحة الحداثة الأدبية في إيران أيضاً. كان هدايت كاتباً في عصر اصطدام القيم التقليدية بالتجديد، وعصر ظهور الانحلال في المجتمع، وعقلية المفكرين. طوَّر هدايت لغة كتابة القصة، وقد بدأ الكتابة مبكراً. كتب مقاله القيّم عن رباعيات عمر الخيام في سن العشرين، ناهيك بحكاياته الأدبية أو القصص الشعبية. ومع أن صادق هدايت وزميله جمالزاده درسا في أوروبا، إلا أن نسبة كبيرة من الشعب كانت أمية وثمة هوة عميقة كانت تتسع بين الأدباء وبين العوام. «البومة العمياء» اشتهر صادق هدايت بروايته «البومة العمياء» التي طغت على أعماله الأخرى، إذ كُتب حولها الكثير من المقالات والدراسات والابحاث التي تناولتها بالدراسة والتحليل من زوايا مختلفة ووجهات نظر متنوعة، وتُرجمت إلى لغات مختلفة، باعتبارها فاتحة المسيرة الروائية الجادة في إيران، إضافة إلى أنه كان غزير الإنتاج في كتابة القصة القصيرة المتأثرة بوضوح بأسلوب فرانز كافكا السوداوي، وكان هدايت قد ترجم بعض أعماله إلى الفارسية. وُلِد صادق هدايت في السابع عشر من شهر شباط (فبراير) عام 1903 في طهران، ومات في مسكنه في باريس منتحراً بالغاز. ودُفن في مقبرة الغرباء هناك: پير لاشيز، عام 1951. تعدّ عائلته من الأسر العريقة، فجدّه رضا قلي خان هدايت كان من الرجال المعروفين في العصر الملك القاجاري ناصر الدين شاه; وألّف كتباً مثل مجمع الفصحاء وأجمل التواريخ... وبين الميلاد والممات أنهى هدايت دراسته الأولية والإعدادية في طهران، ثم التحق بدار الفنون عام 1914م، لكنه تركها بعد سنتين بسبب الرمد الذي أصابه في عينه. ثم انتقل إلى باريس لإكمال دراسته العليا في مدرسة سان لويس عام 1917، حيث أنهى دراسته هناك. وفي عام 1925 سافر إلى بلجيكا ضمن أول بعثة تعليمية إلى الخارج، وتخصص في الهندسة، لكنه لم يعجبه الحال في بلجيكا، فغادر إلى فرنسا مرة أخرى عام 1927، ثم عاد إلى إيران عام 1930 من دون أن ينهي دراسته، وعمل في البنك القومي بعد مساعدة بعض الأصدقاء له؛ وطوال هذه المدة لم يتوقف هدايت عن الكتابة. كما أنّه عمل مدرساً لفترة قصيرة، ثم أمضى معظم حياته متقلباً في وظائف إدارية مختلفة، إلا أنه كان مشمئزاً من الأعمال الإدارية، وانتهى به المطاف إلى أن يعمل مترجماً في معهد الفنون الجميلة في طهران. سافر إلى الهند فتعرّف على مَواطن المهاجرين الإيرانيين من الزرادشتيين فيها، وتعلم هناك اللغة الفارسية البهلوية وترجم عنها بعض الأعمال القديمة مثل كتاب «كارنامه اردشير بابكان» التي نشرها في مجلة الموسيقى. كما أنه نشر أثناء إقامته في بومباي روايته الشهيرة «بوف كور» التي كان قد كتبها في باريس، فضلاً عن نشره قصته القصيرة «ساميينكه» باللغة الفرنسية. وعند عودته بعد سنة إلى إيران، عمل مرة أخرى موظفاً في البنك الوطني، إلا أنه لم يستمر هناك أكثر من سنة فقدّم استقالته واشتغل في وزارة الثقافة. وتعدّ هذه السنوات من أغزر سنوات إبداعه الأدبي حيث نشر «الإبليس الملعون»، مجموعته «الكلب الضال»، وترجماته الأخرى عن البهلوية مثل «المحافظات الإيرانية»، و«ذكرى جاماسب»، و«تقرير لرفع الشبهة» الذي كتب من أجل الرد على الديانات اليهودية والمسيحية والمزدكية، والمانوية، والإسلام. وعلى رغم انضمام عدد من أصدقاء هدايت إلى حزب توده الشيوعي مثل بزرك علوي وعبد الحسين نوشين، إلا أنه لم ينضم إليه، لكنه نشر عدداً من مقالاته في صحيفة «مردم» الناطقة باسم الحزب تحت اسم مستعار. وبعد دعم الحزب الشيوعي لجمهوريتي آذربيجان وكردستان الانفصاليتين أصيب هدايت القومي بخيبة أمل تجاه مواقف اليسار، فابتعد منه. وكانت هاتان الجمهوريتان تشكلتا بعد احتلال شمال إيران وغربها من القوات السوفياتية بأمر من ستالين، أثناء الحرب العالمية الثانية. ممنوع من السفر وعام 1949 تلقّى دعوة جوليو كوري للمشاركة في المؤتمر التأسيسي لحركة أنصار السلام العالمية لسنة، لكنه مُنع من السفر، فبعث برقية إلى جوليو كوري قال فيها: «إن كماشات الإمبريالية في بلادي عرقلت حضوري المؤتمر.. اعتبروني معكم. تمنياتي لكم بالنجاح». ألّف صادق هدايت مع ثلاثة من أصدقائه وهم مسعود فرزاد، ومجتبى مينوي، وبزرك علوي، جمعية رباعية، في ما يشبه المزاح والتسلية، لتصير في ما بعد جمعية أدبية فنية تؤثر في أبناء الجيل الذي عاصرها، وعرفت باسم «ربعه». ويتلخص نشاطها في أن يقرأ كل واحد من أعضائها نتاجه على الآخر، ويقوم بنقده، ليكتبوا أعمالاً مشتركة حيناً، أو ينشروا كتباً فيها أكثر من موضوع حيناً آخر. ثم انضم إليهم كتّاب وشعراء كبار أصبحوا من رواد الأدب المعاصر الإيراني مثل عبد الحسين نوشين، ومحمد مقدم، وذبيح بهروز، وپرويز ناتل خانلري، ونيما يوشيج. وكانوا جميعاً من المطالبين بالحرية والتجديد، ومطلعين على الأدب العالمي، فهدايت يعرف الفرنسية، وعلوي يعرف الألمانية، وفرزاد يعرف الإنكليزية، ومينوي يعرف العربية. وقد قامت هذه المجموعة في مواجهة سبعة من الأدباء التقليديين الكبار المعارضين للتجديد والحداثة، وهم: رشيد ياسمي، سعيد نفيسي، محمد تقي بهار، حسن تقي زاده، عباس إقبال، محمد قزويني، بديع الزمان فروزانفر... وعام 1949 سافر إلى فرنسا مرة أخرى، واستمر في الكتابة، حتى أقدم على الانتحار عندما فتح صنبور الغاز لينهي حياته عام 1951، ولم تكن هذه المرة الأولى التي حاول فيها هدايت الانتحار، فقد سبقتها محاولة أخرى حيث ألقى بنفسه في نهر «مارن» الفرنسي إلا أن مرور زورق هناك أنقذه من الموت. ويعزى سبب إقدامه على الانتحار إلى أنه أحس بالإحباط لأنه لم يلق ناشراً لكتبه، أو لأن ناشريه غبنوه... وتدور كل هذه التبريرات والتفسيرات حول الكتابة والنشر. ولكن هذا التفسير غير مقنع، فقد بلغت كتبه وما كتب عنه، ما يصعب عدّه. ويكفي القول إنه كتب منذ عام 1928 إلى عام 1951 اثنين وعشرين كتاباً، كما أن له خمسة كتب بلا تاريخ نشر. ويتوزع نشرها على بومباي في الهند شرقاً، ليمر بطهران وبرلين فيصل باريس غرباً. وصحيح أن بعض كتبه كان على شكل كراريس تقع في بضع عشرات من الصفحات، إلا أن جهد البحث فيها بيّن، وسعيه لإيجاد لغة كتابة جديدة أكثر وضوحاً. كما أنه أتلف قبل انتحاره، بأيام قليلة، أغلب أعماله غير المنشورة. كان صادق هدايت غزير الإنتاج، وتنوعت كتاباته ما بين القصص الطويلة والقصيرة، والمونولوج الغنائي الساخر والمسرحية، والكتابات النقدية والمقالة الأدبية و/أو العلمية والسياحية، كما كتب في التاريخ والتحقيق العلمي والترجمة من التراث البهلوي فضلاً عن كونه رساماً، وأولى اهتماماً بالغاً للفولكلور والتراث الشعبي، وأعدّ برنامجاً إذاعياً عن الحكايات الشعبية بتقديمه هو نفسه، وكان أول شخص يضطلع بتدوين الحكايات الشعبية، والقصص التراثية. ولكن مأثرته المهمة تبقى في مجال الرواية: فهو أول من كتب رواية حديثة في الفارسية، لذا استحق أن يُعتبر مؤسس الرواية الفارسية الحديثة، كما كان محمد علي جمال زاده مؤسس القصة القصيرة الحديثة. الكاتب المتعدد وتعددت موضوعات كتابته أيضاً، من «فوائد النباتية»، حيث كان نباتياً وتمسك بنباتيته حتى وفاته، إلى «الإنسان والحيوان»، وهو كتاب صغير عن الرفق بالحيوان، وقضية «الموت»، فموقف الإيرانيين من الفتح الإسلامي لإيران، كما في مسرحيتَي «مازيار» و«بروين بنت ساسان-1931» وإلى التحقيق العلمي في التراث، وكتابه الساخر «وغ وغ ساهاب» -1934، و «أناشيد الخيام - 1935»، فالحديث عن «أسطورة الخلق». وعام 1948 نُشرت له مقالة مطولة باسم «رسالة كافكا» وهي مقدمة كتبها على ترجمة حسن قائميان لكتاب كافكا «في مستوطنة العقاب»، وقد نُشرت هذه المقالة لاحقاً بشكل كتاب مستقل كونها دراسة وافية عن هذا الأديب التشيكي. كما أنه ترجم معظم قصص كافكا من ضمنها «التحول»، وكذلك ترجم لجان بول سارتر، وأنطون تشيخوف. ونتيجة لتأثره بكافكا الذي أوصى بإتلاف كتبه ونصوصه، قام هدايت بحرق الكثير من قصصه التي لم تصل إلى النشر. كان هدايت في أدبه يجرب، لذا يجد القراء تأثير الأدب الألماني - بخاصة لمطلع القرن العشرين- واضحاً في كتاباته، والمفاجأة التشيخوفية شاخصة في قصصه. وفي كتابه القيم «أناشيد الخيام» تجد الروح العاشقة للجمال والطبيعة تتجلى بأبهى صورها بحيث تجعل المرء لا يصدق أن محباً للجمال والطبيعة هذا الحب يمكن أن ينتحر، إلا أن فكرة الموت تسكن أكثر كتاباته، حيث كتب في مقال: «لو لم يكن الموت موجوداً لتمناه الجميع»، ثم انصرف إلى مخاطبة الموت قائلاً: «إنك لست رسولاً حزيناً، بل أنت علاج الروح الذابلة، إنك تفتح بوابة الأمل بوجه اليائسين». إلا أن الوجه الآخر لصادق هدايت بقي مجهولاً في العالم العربي؛ فقد تأثر هذا الأديب كسائر مثقفي عصره، لأسباب كثيرة، بالنزعة القومية والشوفينية التي عملت على إلقاء اللوم على الإسلام والفاتحين العرب المسببين تخلف المجتمع وإبادة الحضارة الإيرانية، وكان الخطاب القومي الشغل الشاغل لهدايت حتى شكل المضمون الأول الذي تكرر في كل آثاره، أما المضمون الثاني فكان النزعة التشاؤمية التي طغت على أعماله والتي قادته في النهاية إلى الانتحار في باريس، وهذا ما تجلى في أبرز أعماله: «البومة العمياء، والكلب الضال، وثلاث قطرات من الدم، بروين بنت ساسان، ومازيار...»، والتي كان يرى فيها أن العصر الذهبي لإيران يكمن في مرحلة ما قبل الإسلام، وبجملة واحدة يمكن القول إن الفكرة التي ركز عليها هدايت تكمن في العبارة التي ذكرها في مقدمة كتابه عن رباعيات الخيام والذي سماه «أناشيد الخيام» حيث يقول: «إن الرباعيات هي ثورة الروح الآرية على المعتقدات السامية». ومن أبرز سمات قصص صادق هدايت أنها كتبت بلغة مبسطة من دون تكلف وتعقيد، إذ لجأ مؤلفها إلى الواقعية، وتطرق إلى الانتحار والجنون وانتقاده للخرافات السائدة والظلم المفروض على المجتمع وأن شخصياته أغلبهم من العامة. وبسبب انعكاس صراعه الذاتي فإن أغلب قصصه تحكي عن أزمته النفسية، إلا أنه في الوقت نفسه يمكننا لمس حسه الفكاهي ونبرته الساخرة في الكثير من قصصه. وقد رتبنا قصصه بحسب مجموعاته القصصية الأربع المنشورة: «الموؤود»، و«ثلاث قطرات من الدم»، و«ظل وضوء»، و«الكلب الضال»، ثم ألحقناها بقصة «ظلّ المغول» التي نشرها ضمن مجموعة مشتركة تسمى «انيران» (غير الإيرانيين، الغرباء)، حوت ثلاث قصص «فتح الاسكندر» لمؤلفها ش. برتو، «هجوم الأعراب» لبزر علوي، و «ظل المغول» لصادق هدايت، وقد أهديت هذه المجموعة إلى صديقهم ذبيح بهروز. كما أضفنا إلى هذه القصص، قصتين كتبهما هدايت في الهند، باللغة الفرنسية ونشرها في أسبوعية Journal de Téhéran، وفي النهاية نقلنا قصته «غداً» التي تعدّ أول قصة إيرانية تكتب بأسلوب تيار الوعي أو تداعي الذاكرة وهو أسلوب يسعى إلى إظهار وجهة نظر الشخص من خلال صياغة تسلسل الأفكار بصيغة كتابية، وهذه الأفكار على شكل محادثة داخلية غير مترابطة، لذلك غالباً ما تكون الجمل مفككة، إلا أنها تجعل القارئ يشعر بصعوبة كتابتها وأهميتها الفنية في السرد الأدبي.

مشاركة :