تخيل الراهب سيرافيم البراموسي الحوار الذي دار بين رئيس العصابة المجرم العتيد في الإجرام مع القديس ايسيذورس كيف تحول وأصبح من قاتل الي رجل صالح تحتفل به الكنائس المسيحية المختلفة كل هذه الأسئلة وغيرها قدم لها الاب العلامة سيرافيم البراموسي في مقطوعة أدبية وروحية رائعه وصفت تللك الليلة في البرية.وجاءت القصة كالآتي: أبّا إيسيذورس: آه يا ابني، إنّ الجسد يشتهي ضدّ الروح، والروح ضدّ الجسد، وكلاهما يقاوم الآخر. الإنسان العتيق يريد أنْ يقلقك.. يريد أن يستعيدك إلى سلطانه ومملكته.. ولكن لا تخف.. فقد انتصر المسيح على الشيطان بالفعل، وهو يقدّم لنا نصرته كلّ حين.أبّا موسى: ولكني لا أعلم ماذا أعمل يا أبي!! أنا متعب ومُنهك للغاية ولا أستطيع أن أقاوم. كأنّ أحدهم أضرم النار في جسدي ولا يوجد من يطفئ تلك النار التي تجول بجسدي وذهني وقلبي لتلوثه بالشهوة...لا تخف.. اصبر.. فتلك حرب معتادة ولها نهاية لمن يصبر ويثابر في الصلاة... ولا تشك في قلبك أنّ المسيح قريب منك، آمن بذلك ودافع عن هذا الإيمان في قلبك مهما كانت الشهوة متأججة في داخلك. اصبر وصلي وآمن بقربه ولا تخف...تناول أبّا إيسيذورس رقًّا ملفوفًا كان بجانبه، وفرده وبدأ يقرأ: فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ، مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ. اُصْحُوا وَاسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ. وَإِلَهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ. لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ.بدأ أبّا موسى يشعر بالرّاحة والطمأنينة قليلًا...باركه الأبّ الروحي بعد أن اطمأن على سكون اضطرابه، وتشدُّد عزمه، وأطلقه ليعود إلى حلبة النزال مرّة أخرى...خرج أبّا موسى، وهو ساكن النفس إلى حدٍّ بعيد، وهو يتأمّل في كلمات الإنجيل التي قُرأت عليه. كانت العواصف مازالت محتدّة، إلاّ أنّ نفسه التي بدأت تنعم بقليل من الهدوء لم تلق لها بالًا...وصل إلى مغارته، وما أن وطأت قدماه المغارة حتى وجد أنّ نفسه تضيق مرّة أخرى، وأنّ صور الخيالات تعود مُجَدَّدًا ولكنّها في تلك المرّة كانت أشبه بالحقيقة المجسَّمة حتى شعر أنّها كائنة معه في المغارة، وتعالت الأصوات الساخرة: هل ظننت أنّك تخلّصت منّا! أنت لنا مهما حاولت! شعر بحزنٍ في قلبه إذ كان قد اعتقد أنّ الحربّ توقَّفت بملاقاة أبيه الروحي والتداوي ببلسم كلماته المشجّعة ووجه البشر بفرح الروح. إلاّ أنّ الأمر يبدو أنّه لن يكون بسيطًا. تذكّر كلمات الأب الروحي أنّ عليه بالصبر والصلاة والإيمان.قام ليصلي، وما أن بدأ في الصلاة شعر أنّ سوط الشهوة يضربه بقسوة. كلّما حاول أن يصلي كلّما اشتدت وطأة الشهوة والتي شعر أنّها تخنقه. ارتعد حينما شعر أنّ ذهنه بدأ يستسلم لينجو من مطحنة الشهوة القاسية. خرج إلى خارج المغارة مُسْرِعًا، وجلس على الأرض العارية وسط العاصفة العاتية وهو يبكي. إلاّ أنّ الشهوة كانت تلاحقه كظلّه، تحوط به من كلّ جانب. قام، وهو يسير ببطءٍ يُعَبِّر عن انكسارِ نفسٍ متألمِّة وهو يقول: آه، نجني من الذين يطلبون نفسي يا ربي يسوع... نجني من الذين يطلبون نفسي يا ربي يسوع... لا أقوى وحدي على قتالهم... لقد تدربت على قتال البشر قديمًا إلاّ أنّ هذا القتال لا أستطيع أن أنجو منه سوى بنعمتك... أنا مِلْكَك فأعني...كانت كلماته الممسوحة بالألم تدوِّي في الصحراء. وجد أن رجلاه تقودانه إلى مغارة أبيه الروحي مجددًا. في تلك المرّة شعر بالخجل، وتردّد كثيرًا قبل أن يقرع على بابه. جلس على صخرة مستوية بقرب مغارته وهو ينظر إلى السماء. وإذ بالباب ينفتح ويجد يدًا حانيّة تُرْبِت على كتفه، وصوتًا دافئًا يقول: ما لك ههنا يا أبّا موسى؟ لماذا لم تطرق على الباب وجلست وحدك في هذا الجو الصّاخب؟ لم يستطع أن يرفع عيناه من الخجل وهو ينتصب من مجلسه ويقول: لا أستطيع أن أجلس في المغارة يا أبي، الحربّ ضارية، وقد اكتشفت كم أنا ضعيف، فأنا على بُعد خطوات قليلة من رفع راية الاستسلام، بالرغم من ألمي الشديد ممّا يحدث بسبب حبّي للمخلّص.ابتسم له أبّا إيسيذورس قائلًا: لا تخف، فالمسيح بقربك، لا تخشى شيئًا من أعداءك، هو يرى كلّ شيء ويفرح بصمودك في محبته. تذكّر أنّه بقربك وأنّه لن يتركّك أبدًا، فهو أمين للغاية، وألصق من الأخ. تذكّر أيضًا أنّ أسلحة محاربتنا ليست جسديّة بل قادرة بالله على هدم حصونٍ، هادمين ظنونًا وكل علوٍ يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كلّ فكر إلى طاعة المسيح. الروح فينا، يساعدنا في جهادنا، لا يتركنا دون عون. لا تخف. ثابر وصلي.بدا أنّ الكلمات في تلك المرّة لم تكن كافية لتُطَيِّب قلب أبّا موسى المنكسر من الحزن. قال أبّا إيسيذورس: انتظر برهة. دخل إلى المغارة وتلفّع بالشّال، وخرج وهو يقول له تعال معي. سار أبّا موسى معه في صمت، وكأنّه لا يقوى على الكلام. سارا حتى وصلا إلى الكنيسة، وهناك صعد به إلى أعلى الكنيسة، ووقفا معًا ينظران للصحراء الجرداء. ساد صمت لبرهة يبدو أنّها كانت مشحونة بصلوات الأب الروحي. التفت إلى الغرب، وأوعز لأبّا موسى أن ينظر، فالتفت، وإذ بعيناه تجحظ من هول المشهد. سأله أبّا إيسيذورس: ماذا ترى؟ تلعثم الكلام في حلقه وهو يجيب: أرى جيوشًا من الشياطين مدجّجة بالأسلحة ومتحفّزة للقتال! شعر أبّا إيسيذورس بقلب ابنه المنكسر من هذا المشهد، فأوعز إليه أن يدور لينظر ناحية الشرق، وما أن التفت ونظر حتى سقط على ركبتيه والدموع تنهمر من عينيه. ابتسم أبّا إيسيذورس، وهو يسأله مجددًا: ماذا ترى؟ تلعثم الكلام في حلقه ولكن في هذه المرة من شدة الفرح.
مشاركة :