لم تكن التظاهرات التي اندلعت في إيران أخيراً سوى استكمال لتظاهرات متعددة شهدتها هذه السنة وفي السنوات الماضية. كان السبب الرئيسي هو الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، وتضع أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر. الجديد في تظاهرات الأيام الماضية نزول قوى اجتماعية تنتمي الى البازار والتجار، منددين بالانهيار الكبير الذي أصاب الريال الإيراني. انضمام البازار الى جموع الفقراء في النزول الى الشارع هو تحول في الاعتراضات، يمكن، الى حد كبير تشبيهه بالاعتراضات التي سبقت اندلاع الثورة الإسلامية ضد الشاه، والتي شكل البازار فيها محور التظاهرات التي أسقطت الشاه وأتت بالملالي الى السلطة. ارتفعت شعارات معبّرة خلال التظاهرات، بعضها جديد، وبعضها سبق للجماهير الإيرانية أن أطلقته. من هذه الشعارات: «اتركوا سورية وشأنها وفكروا بنا»، «الموت لسورية»، «لا غزة ولا لبنان... تذكروا إيران»، «الموت لخامنئي ... الموت للديكتاتور»، «عدونا هنا، يكذبون حين يقولون إنه أميركا»... ترافقت هذه الشعارات مع تهديدات المتظاهرين بأنهم سيلجأون الى السلاح لإسقاط النظام. شعارات دفعت أركان النظام، وعلى رأسهم الولي الفقيه الى الدعوة لإعدام المخلين بالأمن وبالاقتصاد. على غرار كل حراك اجتماعي تشهده إيران، تندلع معركة سياسية بين أركان الحكم، أي بين ما كان يسمى الإصلاحيين، ممثلين برئيس الجمهورية حسن روحاني، وبين الأصوليين المنضوين تحت اسم الحرس الثوري. سعى الأصوليون الى تقديم روحاني «كبش محرقة» بوصفه المسؤول عن الأزمة الاقتصــــادية وانهيار الريال، وهو ما دفع بوزير الخارجية جواد ظريف الى تحـــذير الحرس من مخاطر إزاحة روحـــاني واستلام الأصوليين الحكم. وكـــما في كل مرة، يتكشف السجال عن صراع يدور حول من سيخلف الولي الـفقيه الذي تقول المعلومات انه يعاني مشاكل صحية قد لا تجعل أيامه طويلة. بعيداً من الديماغوجيا التي يتقنها حكام طهران في التغطية على الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية، فإن الشعارات والهتافات التي أطلقت تظهر بوضوح أسباب هذه الأزمة. في المجال الأول، تعود الأزمة الى النفقات الضخمة التي دفعتها إيران في تدخلاتها الخارجية، خصوصاً في سورية ولبنان واليمن. تعترف السلطات الإيرانية بأنها وظفت بلايين الدولارات في الأزمة السورية، وهي تشدد على البقاء في سورية ثمناً لهذه المبالغ المدفوعة. ولا تخفي طهران التزامها تجاه حزب الله اللبناني وميليشياته التي تكبدها مبالغ طائلة منذ تأسيس الحزب في ثمانينات القرن الماضي. وخلال السنوات الثلاث الماضية، انخرط النظام الإيراني في الحرب اليمنية عبر دعم الحركة الحوثية بالمال والسلاح. هذه التدخلات الخارجية استنزفت الخزينة الإيرانية بشكل كبير. الى جانب هذه التدخلات، تعاني إيران من نهب منظم لثرواتها على يد أركان الحكم والحرس الثوري. نُشرت في العلن معلومات مذهلة عن ثروات بالمليارات يملكها الولي الفقيه وعدد كبير من الملالي، ناهيك بما يناله الحرس الثوري الذي يسيطر على قسم كبير من ثروات البلاد. هذه الملايين المنهوبة والمهدورة تكشف حجم الفساد الغارق فيه هذا النظام، والذي يتسبب في نهب أموال هائلة تكاد توازي حجم الإنفاق الخارجي للنظام. عامل ثالث له أهمية غير قليلة يدفع بالأزمة الاقتصادية الى الأمام، هو العقوبات الأميركية على إيران. هذه العقوبات تزايدت بعد خروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، ويتوقع لها أن تزداد في المستقبل. يشكك كثيرون من الاقتصاديين في قدرة النظام على استيعاب العقوبات هذه المرة كما كان يجري في السابق، مما سيفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. هذه العناصر الثلاثة المندمجة مع بعضها ستظل تلقي بكاهلها على المجتمع الإيراني وعلى اقتصاده. كان النظام ولا يزال يعتمد التعبئة الأيديولوجية لشد عصب جمهوره، عبر خلق عدو خارجي أولاً، وعلى الشحن المذهبي والطائفي، وعلى استعادة الموروث القومي الفارسي واستحضار الإمبراطورية الفارسية التي أعلن بعض قادتها انها سائرة الى تحقق وان بغداد عاصمتها. من اجل ذلك، يردد حكام طهران ان إيران باتت القوة العظمى في منطقة الشرق الأوسط، وان الحلول السياسية مستحيلة من دونها. ليس من قبيل المبالغة استحضار الاتحاد السوفياتي في عقوده الأخيرة للمقارنة بما يجري في إيران، حيث كانت الشعوب السوفياتية تعاني من الجوع والفقر، فيما يُعلي الحكام راية النصر للشيوعية والاشتراكية، وللاتحاد السوفياتي العظيم، ولسباق التسلح ومنافسة العدو الأميركي، حيث كان يذهب قسم كبير من ميزانية الاتحاد السوفياتي في سباق التسلح وحرب افغانستان. لم تمنع التعبئة الأيديولوجية الاتحاد السوفياتي من السقوط، لأن الايديولجيا لا تطعم خبزاً ولا تقضي على الجوع، فانهارت البلاد تحت وطأة أزمة اقتصادية امتنع القادة السوفيات عن الاعتراف بها ومعالجتها. إيران اليوم في وضع مشابه لما كان عليه الاتحاد السوفياتي. فالهروب من الاعتراف بالأزمة الاقتصادية ومعالجة أسبابها سيفاقم الوضع في كل المناطق الإيرانية، وقد يتسبب بانهيار النظام وحلول الفوضى والخراب.
مشاركة :