هزيمة النظام السياسي ونظرية المؤامرة

  • 12/10/2014
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

تقدم حالات النزاع المسلح بين الأنظمة السياسية عيّنة مهمة يمكن اعتمادها في إبراز بعض الآليات الدفاعية التي يلجأ إليها النظام المهزوم، لإخفاء معالم الهزيمة أو التقليل من خطورتها أو حتى زعم انه حقق انتصاراً في هذه المنازلة العسكرية أو تلك، على عكس ما يذهب إليه غالبية المتابعين والمحللين للمواجهة العسكرية ونتائجها على مختلف المستويات المادية والمعنوية. ولعل المثال الأوضح في ارتباط خطاب الانتصار بخطاب المؤامرة الأكبر والأخطر ما جرى إبان حرب 1967 بخصوص الأنظمة السياسية العربية في مواجهة إسرائيل. فقد اعتبر نظاما مصر وسورية، وقتئذ، أن الهدف، من عدوان إسرائيل عليهما، هو العمل على إسقاطهما، نظراً لطبيعتهما الثورية، ولكونهما نظامين يعملان، بجدية، على تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني المدعوم من قبل الإمبريالية الأميركية على الخصوص، كما أنهما يحرصان في كل سياساتهما على توفير الشروط المادية والمعنوية لإقامة الوحدة العربية الشاملة على أنقاض الكيانات القطرية الهزيلة القائمة، والتي ليست في حقيقتها إلا النتيجة المباشرة للسياسات الاستعمارية في المنطقة العربية مجسدة في اتفاق سايكس - بيكو ومكرسة بإقامة الكيان الصهيوني تنفيذاً لوعد بلفور. لذلك فعدم تحقيق هذا الهدف يعتبر، بحد ذاته، انتصاراً على المؤامرة الصهيونية، حتى لو فرض عليهما الاعتراف بأن احتلال سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية بكاملها يعتبر نكسة في مسيرة التيار التحرري العربي. والحال، أن إسرائيل حققت، خلال تلك الحرب، من المكاسب ما لم يكن في حسبان استراتيجيتها الأصلية، بل فوجئت بسرعة انهيار الجيوش العربية، في الميدان وخلال فترة زمانية قياسية غيّرت كل الموازين في المنطقة بحيث لم تستطع حرب أكتوبر 1973 ذاتها إحداث التغيير الجوهري في تلك الموازين رغم مكاسبها الإيجابية بخاصة على الجبهة المصرية آنذاك. والتأمل في لاءات الخرطوم الشهيرة بعد الهزيمة يدفع إلى استنتاج أمرين متناقضين في آن واحد: فعلى مستوى الخطاب السياسي يمكن اعتبارها جواباً عربياً رسمياً على الهزيمة مفاده بأن إسرائيل إذا اعتقدت أن الهزيمة العسكرية يمكن أن تغيّر موقف العرب الرسمي منها، فهي واهمة، وبالتالي فانعكاس الهزيمة على الموقف العربي هو على العكس تماماً مما يمكن أن تتوقّعه إسرائيل. فبدل أن يصبح رخواً ومتعاوناً فإنه قد اكتسى قوة ورفضاً لإسرائيل وللهزيمة معاً. غير أنه على مستوى آخر فإن هذا الخطاب، دال على مدى تأثر العرب بهذه الهزيمة على اعتبار أن شروط التفاوض منعدمة تماماً، وبالتالي فالإعلان عن تلك اللاءات لا يدل، في الواقع، إلا على الحرص العربي على إبراز أن إرادة الرفض للأمر الواقع الجديد لا تزال هي هي، ولا يمكن، بأي حال، إعادة النظر فيها. غير أن تلك اللاءات من جهة أخرى تنم عن العجز التام عن اتخاذ أي مبادرة سياسية تكون نتيجتها دعم الموقف العربي. لقد سبق الحرب موجة من التصعيد السياسي والتحريض اللفظي ضد إسرائيل جعل الأخيرة تنتهز الفرصة لتوجيه ضربة قاضية إلى مصر وسورية، بخاصة أنها تدرك أن طبيعة موازين القوى لا تسمح للجانب العربي بتحقيق أي نصر، أو تغيير للخرائط على الأرض. فالنظام «الثوري» السوري ليس إلا ظاهرة لفظية، ولم يكن يملك من مقومات الصمود ما يتناسب مع طبيعة خطابه العالي النبرة. أما على الجبهة المصرية فإن الجيش المصري منهك، تماماً، جراء حرب اليمن، ويعيش أكثر من تخبّط على صعيد أنظمة القيادة، وطبيعة توزيع المسؤوليات داخل هيكلية تراتبية غير ملائمة لقيادة أي نزاع مسلح بخاصة إذا كان العدو من نوع إسرائيل المعروفة بتفوّقها التكنولوجي والتنظيمي، على حد سواء، علاوة على أن لديها قصب السبق في مجال الاستخبارات، كما بيّنت الأحداث خلال حرب الستة أيام التي قلبت موازين القوى الإقليمية وغيّرت طبيعة التحالفات الإسرائيلية الدولية بخاصة أنها أصبحت الحليف الذي يعتمد عليه، من دون منازع، بالنسبة إلى الولايات المتحدة. إن التصعيد، غير محسوب النتائج، الذي مارسته القيادة المصرية، في تلك الفترة، أعطى الذريعة التي تتنظرها إسرائيل لشن عدوانها على مصر. وكانت دعوة مصر الأمم المتحدة إلى سحب قواتها من خليج العقبة الفرصة الذهبية لصانع القرار الإستراتيجي الإسرائيلي للبدء في تنفيذ خططه العسكرية على الجبهة المصرية لأن سحب قوات الأمم المتحدة يعني انعدام أي غطاء دولي لمرحلة الهدنة بين مصر وإسرائيل، وهي حالة مثالية لإسرائيل لا يمكن لها تركها تفلت من يديها، لذلك بادرت بالهجوم وكانت الكارثة التي لم تتوقّف مفاعيلها ومضاعفاتها بعد على الأرض العربية. * كاتب وباحث مغربي

مشاركة :