تمثل الدراما في الغرب وسيلة هامة لتحقيق التنمية الاجتماعية وتعزيز القدرات البشرية للمواطنين هناك، كما أنها اعتُمدت كطريقة علاج للأمراض النفسية والعصبية للمرضى، ففي دولة كالولايات المتحدة تحتل الدراما مرتبة كبيرة من الهيكل التنظيمي للمؤسسات والشركات والمصانع، فنجد أن تدريب الموظفين والعاملين على استخدام الأساليب المسرحية والتمثيلية للترفيه عن النفس، والتنفيس، والاسترخاء، وتجديد الحيوية جزء أساسي من الهيكل الإداري لهذه المؤسسات.نحن هنا نتحدث على أن تكون الدراما جزءا أساسيا من حياة الناس وتفاعلهم مع بعضهم البعض والتعبير عن ما يدور بداخلهم، أي أن تنتقل الدراما من الشاشات إلى كل ساحات العمل والساحات الاجتماعية، لكن كيف يحدث ذلك ونحن فاقدو السيطرة على دراما الشاشة، ولا توجد أي آليات حقيقية تضمن لنا هذه السيطرة أو على الأقل فرض الرقابة الفعالة أو توجيه هذه الصناعة.تفاءلنا جميعًا بقرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتشكيل لجنة الدراما برئاسة المخرج الكبير الاستاذ محمد فاضل، وشخصيًا عقدت آمالا كبيرة على أن تنجح اللجنة في العودة بنا إلى زمن الفن الجميل وإرساء القواعد الأرسطية الفاضلة على الأعمال الدرامية، وتعود الدراما المصرية لمكانتها الطبيعية في ظل المنافسة الشرسة مع الدراما التركية والسورية والهندية أيضًا، خاصة أن اللجنة تضم قمما فنية كبيرة وعلى رأسها المخرج الكبير الأستاذ محمد فاضل، وهذا لا يدع مجالا للشك أن اللجنة ستنجح في مسعاها.وبالفعل استطاعت اللجنة في الشهور القليلة التي عملت بها، أن تعقد أكثر من عشرين اجتماعًا، وإعداد العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بكل جوانب العمل الدرامي، كما أصدرت اللجنة العديد من التوصيات الخاصة بتنظيم العمل الدرامي، وعملت اللجنة طيلة ستة أشهر دون كلل أو ملل، غير عابئة إلا بشيء واحد هو النجاح في مهمتها وتصحيح مسار الدراما المصرية. لكن هذا الحلم الجميل لم يدم طويلا، فاللجنة بعد كل هذا الجهد اضطرت إلى تقديم استقالتها! فاللجنة استشعرت أن هناك تخبطا وعشوائية في آليات عمل الأجهزة المنوط بها توجيه صناعة الدراما، بسبب التخبط وعشوائية الآليات التي يتم بها إنتاج العمل الدرامي، وأن اللجنة تأكدت أنها غير قادرة عن الاستمرار في عملها، حيث إن أيا من توصياتها لم تنفذ أو حتى تتم مناقشتها، فلم يكن أمام اللجنة سوى الاستقالة.شخصيًا لا أملك سوى تقديم كل التحية والتقدير إلى الاستاذ محمد فاضل، رئيس اللجنة، الذي أشبهه بـ"سرفانتس" حيث أنه كان يحارب طواحين الهواء وحده في محاولة جادة مع مجموعة عمل مميزة وراقية ودعم من مجلس النواب، لتصحيح مسار الدراما المصرية وإعادتها إلى مكانتها، والعودة إلى دراما الثمانينيات والتسعينيات التي تربى عليها جيلي ونحلم أن يُربى الأجيال الجديدة على دراما تحمل هذا المضمون شديد المصرية والأصالة.يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي دومًا خلال اجتماعات المجلس الاستشاري للتنمية المجتمعية، على أن الدراما تمثل ذراعًا هامًا من أذرع التنمية لما لها من دور كبير في تحقيق التوافق المجتمعي، فكيف تكون هذه رؤية رأس الدولة بينما الجهات المنوط بها التخطيط غارقة في التخبط، كيف يتم التعامل مع قضية هامة بهذا القدر من التقليل، فالدراما وفقًا لكافة دراسات الأنثروبولوجيا لها دور أساسي وخطير في بناء المجتمعات وازدهارها، وليس من المقبول أن تتراجع مصر صاحبة الريادة في الدراما بهذا الشكل ونصل من إنتاج أعمال عظيمة مثل "رحلة أبو العلا البشري" و"ليالي الحلمية" إلى أعمال من سطحيتها لا أتذكر أسماءها. ------------أستاذ مساعد الإعلام التربوي بجامعة القاهرةعضو المجلس الاستشاري الرئاسي للتنمية المجتمعية
مشاركة :