اهتم المؤلف والسيناريست الراحل أسامة أنور عكاشة، بتشريح التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع المصري عبر معظم أعماله الفنية ولعل أعمال مثل ليالي الحلمية وزيزينيا والشهد والدموع وغيرها من المسلسلات التي تركت بصمة واضحة في ثقافة ووعي المصريين والعرب، وثقت لتلك التغيرات والتحولات.ويعتبر مسلسل "رحلة أبو العلا البشري ج1" من أهم المسلسلات التي تناولت التجربة الناصرية بشكل رمزي وغير مكشوف بعناية فائقة، حيث تدور أحداثه حول رجل يقضي قرابة الـ 8 سنوات معتكفا على القراءة والمعرفة والتأمل، ثم يصحو ذات ليلة على لص يتسلق جدار منزله فيكتشف أنه أحد أقربائه، وعندئذ يقرر السيد أبو العلا أن يرحل لملاقاة قرابته والتي تحتاج لعون ومساعدة."البشري"؛ رجل متشبع بالعلم والثقافة والمعرفة، يحلم بمجتمع تسوده قيم العدل والأخوة والإنسانية، محاولا التصدى لفساد الإنسان وضياعه، فهو يصطدم بالطبيب المرتشي وبرجال الأعمال الذين يكتسبون المال من وراء صفقات فاسدة، والمدرس الذي يتاجر بأحلام أولياء الأمور، والموظف الفقير والمتسلق، والموظف الذي يرى هوانه بسبب تمسكه بالقيم فيجد أن الأفضل هو التخلي عنها، هكذا يظهر البشري كرجل مخلص يحاول إصلاح المجتمع، يملك المال ويقرر أن يوجه الأبناء في استخدامها الأمثل، لكنه وبحسب أحداث المسلسل يتعرض لهزائم متتالية تجبره على التنحي عن المشهد، مما يجعل الكل يهب سريعا لدعوته والوقوف ورائه من أجل الاستمرار في الإصلاح والتصدي لفساد الإنسان.إن السيد أبو العلا البشري وفق تلميحات المؤلف المباشرة يقترب من دون كيشوت محارب طواحين الهواء الشهير، الذي يجد فرصة وهمية في اختلاق رمز الفارس الغائب، لكن الصورة الدقيقة التي أراد أن يشرحها "عكاشة" بعيدا عن الرموز الصريحة هي تلك التجربة الناصرية التي بنت طموحات عالية من أجل مجتمع حر وإنساني لكنها تعرضت لحروب المستعمر، مما أدى لوقوف الرئيس في مثل هذا اليوم 9 يونيو ليعلن خلال خطابه الشهير التنحي بعد نكسة 67، فتخرج جموع الناس في تظاهرات كبيرة تجبره على التراجع والعودة لقيادة البلاد. عكاشة، والذي تصدى لكثير من الممارسات الخطأ والسيئة التي وقعت إبان حكم الزعيم جمال عبد الناصر، كان يؤمن في الوقت نفسه بعبقرية الزعيم وصدقه، وفي كلمة له أكد "عكاشة" على موقفه من ناصر قائلا: أنا مع عبد الناصر الفكرة والرمز والتحرر الوطني والتعاطف مع الفقير في بلده، مع نظافة اليد الحقيقية، فهو رجل حكم البلد وخرج خالي الوفاض لا يملك شيئا. وعن وصف الكثيرين له بالناصري قال عكاشة: تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه.
مشاركة :