حسمت محكمة التمييز الجزائية قضية إمكانية ملاحقة المواطنين عن الأفعال الصادرة منهم خارج البلاد حتى لو كانت الأفعال غير معاقب عليها في الدول الأجنبية. أكدت محكمة التمييز في حكم قضائي بارز على امتداد تطبيق أحكام القانون الجزائي الكويتي على الكويتيين المرتكبين للجرائم خارج البلاد حتى ولو كانت الجرائم الصادرة منهم غير معاقب عليها بالبلد الذين هم موجودون فيه طالما كانت الجرائم المرتكبة منهم وقعت جميعها أو جزء منها بالكويت. وجاء حكم التمييز رداً على الطعن المقام من دفاع المواطن سالم بورفعة، الذي تسلمته الكويت من بريطانيا قبل عام بعدم اختصاص القضاء الكويتي بمحاكمة بورفعة لأن العبارات، التي صدرت منه ببرنامج التواصل الاجتماعي (سناب شات) غير مجرمة في بريطانيا، وبأن تلك العبارات تخضع للقضاء البريطاني لأنها وقعت في المملكة المتحدة، وليس للقضاء الكويتي، إلا أن المحكمة تمسكت باختصاص القضاء وأيدت حكم محكمة أول درجة والاستئناف من بعدها بإدانة بورفعة بالسجن خمس سنوات مع الشغل والنفاذ على خلفية إدانته بالإساءة إلى الأمير والتحريض على قلب نظام الحكم وازدراء فئة من فئات المجتمع، وهم المواطنون الشيعة والإساءة إلى السعودية وقطر. اختصاص وقالت محكمة التمييز برئاسة المستشار فيصل خريبط في حيثيات حكمها، إن القضاء الكويتي يختص عملاً بالحكم المادة الحادية عشرة من قانون الجزاء وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة بنظر الجرائم التي ترتكب في إقليم دولة الكويت وتوابعها، طالما تحقق في إقليم دولة الكويت الركن المادي للجريمة أو أحد عناصره، ففي الحالة الأولى تكون الجريمة قد وقعت كلها في إقليم الدولة، وفي الحالة الثانية يكون جزء من الجريمة قد وقع فيها، وإذ يتكون الركن المادي لأي جريمة من سلوك إجرامي ونتيجة ضارة وعلاقة سببية بينهما فإن تحقق أي من هذه العناصر في دولة الكويت ينشئ لمحاكمها اختصاصاً بمحاكمة الجاني وفقاً لأحكام القوانين السارية فيها. العيب وأضافت المحكمة في حيثيات حكمها أن النتيجة التي جعلها المشرع مناطاً للعقاب في جرائم الطعن عن طريق الكتابة والقول عبر مواقع التواصل الاجتماعي في حق الأمير والعيب في ذاته والتحريض بذات الوسيلة على قلب نظام الحكم القائم في الكويت بطرق غير مشروعة المنصوص عليها في المادتين 25، 29 من القانون رقم 31 لسنة 1970، وكذا التحريض من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على ازدراء فئة من فئات المجتمع - الطائفة الشيعية- المنصوص عليها في المادتين 1، 2 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2012 في شأن الوحدة الوطنية - المسندتين إلى الطاعن - وهي تحقق العيب في الذات الأميرية بالتطاول على مكانة وشخص سمو أمير البلاد والحث على تغيير نظام الحكم في دولة الكويت بطرق غير مشروعة وهي توجيه الدعوى للانقضاض على النظام والعمل على تغييره وإحداث كراهية وازدراء فئة من فئات المجتمع وهي فئة الطائفة الشيعية من خلال أفعال البث أو التغريد على شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» وهي تتحقق دائماً في جميع الأحوال داخل دولة الكويت بصرف النظر عن المكان، الذي تتم فيه الأعمال التي ترتب عليها تلك النتيجة المراد تحقيقها. عقاب وقالت المحكمة إن ما أثبته الحكم المطعون فيه من خلال ما نشره الطاعن على حسابه الشخصي من خلال موقعي التواصل الاجتماعي المار بيانهما - لعبارات تتضمن الإشارة والتطاول على دولتي المملكة العربية السعودية وقطر، تتوافر فيه النتيجة مناط العقاب على جريمة القيام بغير إذن من الحكومة بعمل عدائي ضد دولة أجنبية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 31 لسنة 1971 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء وهي تعريض دولة الكويت لخطر الحرب مع تلك الدولتين أو قطع العلاقات السياسية معهما، والتي تقع دائماً داخل إقليم دولة الكويت، فإنه يترتب على ذلك أن الاختصاص بمحاكمة الطاعن عن الجرائم المسندة اليه ينعقد للقضاء الكويتي عملاً بنص المادة 11 سالفة البيان، ويكون دفع الطاعن بعدم اختصاص القضاء الكويتي ولائياً بمحاكمته وانعقاد الاختصاص لمحاكم المملكة المتحدة تأسيساً على أن ما قام به من أعمال بث تمت من خلال موقعي التواصل الاجتماعي خارج إقليم دولة الكويت يكون على غير أساس. جرائم الإنترنت وبينت المحكمة «وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى ذلك، واطرح دفع الطاعن في هذا الشأن بما يساير النظر المتقدم فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا، ولا يغير من ذلك ما تذرع به الطاعن بأسباب طعنه من أن تحديد الاختصاص الإقليمي بالنتيجة الإجرامية على نحو ما انتهى اليه الحكم المطعون فيه يخالف ما أورده المشرع من شرائط بنص المادة 12 من قانون الجزاء، وانه فضلا عن عدم جدواه فقد عرض الحكم المطعون فيه لما أبداه الطاعن في هذا الشأن، وأطرحه استنادا إلى أن طبيعة جرائم الإنترنت تتجاوز حدود الدول، لكون شبكة المعلومات الدولية لا تتأثر بها دولة من الدول، بل هي مجموعة من الحواسب العملاقة ترتبط بعضها ببعض، ويمكن لأي شخص الدخول اليها من اي مكان في العالم». بريطانيا وأضافت «قد يكون السلوك الذي قام به الجاني غير مؤثم في البلد الذي وقع فيه، إلا أنه مؤثم في البلد الذي تحققت فيه النتيجة، ومن ثم ينعقد الاختصاص للقانون المحلي، وتخضع الوقائع التي ارتكبها الطاعن للقانون الساري عليها وقت ارتكابها، سواء أكانت قوانين الدولة الأجنبية -المملكة المتحدة- تجرم الأفعال التي قام بها الطاعن أم لا، وهو ما لا ينازع فيه الطاعن من سبق محاكمته عن ذات الوقائع بالمملكة المتحدة تبرئته منها كما لا يجديه -من بعد- ما أثاره من التفات المحكمة عن طلبه بشأن مخاطبة التعاون الدولي بالمملكة المتحدة بمعرفة النيابة العامة، ليبان ما اذا كانت الجرائم المنسوبة اليه تشكل جرائم منصوصا عليها في قوانين المملكة من عدمه، مادامت وجدت في اوراق الدعوى ما يكفي لتكون عقيدتها والفصل فيها من دون حاجة الى اتخاذ هذا الإجراء، بعد ان اثبت الحكم -على السياق المتقدم- اختصاص القضاء الكويتي بنظر الدعوى ولائيا، وان الجرائم المسندة اليه معاقب عليها وفقاً لقانون الجزاء الكويتي، كما أن الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب الطاعن في هذا الشأن واطرحه برد كاف وسائغ، ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الشان لا يكون قويما». مرض عقلي وقالت «التمييز»، في حيثيات حكمها، إن «الدفع بعدم مسؤولية بورفعة ان نص الفقرة الأولى من المادة 2 من قانون الجزاء قد جرى على «الا يسأل جزائيا من يكون وقت ارتكاب الفعل عاجزا عن إدراك طبيعته أو صفته غير المشروعة، أو عاجزاً عن توجيه إرادته بسبب مرض عقلي أو نقص في نموه الذهني أو أي حالة أخرى غير طبيعية، مفاده ان المرض العقلي -وما في حكمه- الذي تنعدم به المسؤولية قانونا هو الذي من شأنه ان يعدم الإدراك أو يترتب عليه فقد القدرة على توجيه الإرادة بصفة عامة، أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التي تنقص أو تضعف من هاتين الملكيتين، بحيث لا تبلغ الحد الذي يفقد الشخص معه كل إدراكه أو إرادته، فلا تعد سببا لانعدام المسؤولية، وكان تقدير حالة المتهم العقلية من الأموال الموضوعة التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها مادامت تقيم قضاءها على أسباب سائغة». وبينت المحكمة أن الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن في هذا الخصوص واطرحه لأسباب حاصلها إلى أن الثابت من مطالعة التقرير الطبي للجنة الطبية، التي انتدبتها المحكمة أنها انتهت إلى أن المتهم يعاني من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وهذا المرض يتسم بنوبات من الهوس أو الاكتئاب أو الهدوء لكن لم يتبين أنه كان في حالة من تلك الحالات خلال المدة من أول شهر يناير 2016 حتى تاريخ 31/3/2016 وقت ارتكابه الجرائم المسندة إليه، وأن الارجح طبياً أن تصرفاته خلال تلك الفترة ناتجة عن اضطراب سوء استخدام مواد مؤثرة. إدراك وقالت المحكمة: وقد خلصت اللجنة إلى أن المتهم مسؤول جزائياً عن أقواله وأفعاله وتصرفاته خلال تلك الفترة، مما مفاده أن المتهم لم يكن مصاباً بمرض عقلي نتج عن تناوله مواد مؤثرة عقلياً وقت ارتكاب الجرم الذي دين به، وان القول بتناوله لتلك المواد لم يقم عليه دليل في الأوراق سوى إقرار المتهم في حق نفسه فضلاً عن أن المحكمة تطمئن إلى أن المتهم وقت ارتكاب جرائمه كان مدركاً لما يفعله وهوما تستخلصه المحكمة من استقراء العبارات، التي دونها المتهم وتلفظ بها فإنها عبارات مرتبة تحتوي على أفكار ثارت في ذهن المتهم وأخرجها إلى الواقع بالصورة، التي هي عليها، فضلاً عن إقراره بالتحقيقات من أن حالة الغضب التي انتابته من جراء حبس مسلم البراك ما دفعه إلى ارتكاب تلك الجرائم، وهو ما تطمئن معه المحكمة إلى أنه كان في حالة طبيعية وقت أن أدلى بها ولا يتعارض مع ما ورد بالتقرير الطبي من أن تنتابه في بعض الأحيان حالة الاضطراب الوجداني ثنائي القطب الناشئة عن تناول مواد مؤثرة عقلياً وهي حالة غير دائمة ولا تلازمه بصفة مستمرة ولم يثبت من الأوراق أن تلك الحالة لازمته خلال الفترة التي ارتكب فيها جرائمه وفق ما ثبت بتقرير اللجنة الطبية، التي تطمئن إليه المحكمة بما لازمه ثبوت مسؤوليته الجزائية عما قام به من أفعال، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما سلف بيانه يستقيم به إطراح دفاع الطاعن ذلك أنه دلل بما يسوغ وانتهى في قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن مرض الطاعن غير دائم ولا يؤثر في سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر به مسؤوليته الجزائية عن الجرائم التي دين بها.
مشاركة :