ليبيا وأسئلة الهوية

  • 12/11/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

نكاد نبلغ السنة الرابعة منذ اندلاع الثورة في ليبيا، ومع ذلك نرى الوضع أكثر تأزماً من ذي قبل. يقول الصادق النيهوم "إن الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة تموت نتيجة تناول الدواء الخطأ"، وهذا ينطبق تماماً على واقعنا في ليبيا. لست بصدد ادعاء محاولة تشخيص المشكلة الليبية، فلا قِبَل لي بذلك، لكننا فعلاً في حاجة إلى أن ينهض المفكرون والمثقفون الليبييون من سباتهم - لا شأن لأدعياء الفكر والثقافة بهذا -. نحتاج إلى أن نعرف مَن نحن وأين نحن في خضمّ العالم المتسارع. يُقال إن الشارع الأميركي بعد ضربات 11 أيلول (سبتمبر) طرح سؤالاً مُلحاً هو: "لماذا يكرهوننا؟!" وحينذاك تصدى مفكرو أميركا للإجابة على هذا السؤال بشكل شاف وواف، بالعملية ذاتها، الحاجة مُلحة لنا، كليبيين، لأن نتوقف عن كل هذا العبث ونسأل أنفسنا مجموعة من الأسئلة التي لا يمكن لدولة أن تقوم من دون معرفة وإدراك إجاباتها. لست مفكراً، ومعرفتي بالفكر لا تضاهي حتى معرفة الأسماك بعلم الفضاء، لكن سأسمح لنفسي بمحاولة طرح بعض هذه الأسئلة لعلها تقع في يد مهتم يعيد صياغتها ويطرحها في شكل أفضل: - السؤال الأول: من نحن؟! إلى هذه اللحظة نحن لا نعرف أنفسنا، ولسنا قادرين على التعريف بأنفسنا كشعب ليبي تعريفاً صحيحاً كاملاً. قبل الثورة كثيرون منا لم يكونوا على دراية بوجود أعراق وأجناس عدة تشكّل في مجموعها الشعب الليبي الذي كانوا يعتقدون أنه من نوع وجنس واحد. ثمة عرب، أمازيغ، تبو، طوارق، وأقليات أخرى منصهرة في البوتقة الليبية، ورغم هذا لا زلنا نسمع دعوات تُقصي الأعراق الأخرى - عن سهو وعن عمد - وتُحركّها غايات قومية عمياء لا يمكن أن تخدمنا كليبيين في محاولتنا بناء دولة على أرضنا، خصوصاً أن كل الأعراق قد عبّرت عن نفسها بطريقة أو أخرى خلال هذه السنوات القليلة الماضية بعد أن كانت مطموسة بالكامل عقوداً طويلة. بعضهم ينادي بأن نربط اسم دولتنا الوليدة بالقومية العربية، ضارباً عرض الحائط بالأمازيغ والتبو والطوارق والكرغلية الذين صاروا يوصفون بالأتراك عند خصومهم وبالعرب المستعربة عند أنصارهم. لذلك، ما نحتاجه اليوم هو أن يقوم المفكرون ببحث هذا الأمر ومن ثم تزويدنا بتعريف واضح لا يُبخس حق أحد ولا يعطي أحداً أكبر من حجمه الحقيقي. - السؤال الثاني: ماذا نريد؟! هذا السؤال بالذات لا يمكن أن يجاوَب عنه من دون صراحة تامة، هل فعلاً نريد أن نكون دولة واحدة؟ أم أن هناك من يريد أن يبني دولة خاصة به، سواء في الشرق أم الغرب أم الجنوب؟ وهنا أيضاً لا بد أن نذكر أحداث فترة الاستقلال بحذافيرها لأنها تشكل مرجعاً أساسياً لنا، أعني بذلك أسباب تولية إدريس السنوسي ملكاً على ليبيا رغم أن بعض الأطراف وقتها كانت تطمح إلى بناء جمهورية، وما الذي دفع السعداوي إلى القول "لنحافظ على الوحدة اليوم، فإن الحرية وإن فقدناها اليوم يمكن انتزاعها غداً، أما الوحدة إن ضاعت فلا تُسترد". عوداً على بدء، كل يوم نسمع دعوات تكاد تكون نوعاً من الابتزاز يطلقها بعض الأطراف مهدّداً بالانفصال، لذلك علينا أن نصارح أنفسنا، إن كنا معاً نريد أن نبقى دولةً واحدة فلنعمل على ذلك ولنكفّ عن التلويحات والتلويحات المضادة، سواء بانفصال أو بأن طرفاً ما هو عالة على طرف آخر، وهكذا. - السؤال الثالث: إلى من ننتمي؟! ويمكن أن يطرح السؤال بطرق عدة: أين يكمن امتـدادنا الاستـراتيجي؟ أو مع من نجد مستقبلنا؟ خلال سنوات القذافي الأربعين تخبّطت ليبيا تخبّطاً محطّماً، فتارةً كانت تتّجه نحو الوطن العربي، وتارة نحو أفريقيا، وتارةً أخرى تتقوقع على نفسها أو تميل إلى الشمال الأفريقي. أولاً يجب أن ندرك أن لا مستقبل لنا إن بقينا وحدنا نصارع الأمواج الدولية العاتية، اقتصادية وسياسية وأمنية، فقد سقطت نظرية الدولة الواحدة من عقود وباتت الساحة مفتوحة للتكتلات والاتحادات فقط، الاتحاد الأوروبي، الناتو، ومجموعة النمور الآسيوية هي أمثلة صريحة على هذه الفكرة. ونحن في ليبيا بطبيعة الحال لسنا استثناء، لذلك يجب أن نقرّر إلى أين نريد أن نتّجه بانتمائنا، أمامنا خيارات لكنها للأسف ضعيفة، ومع ذلك نحن في حاجة إليها لمستقبلنا، وفي حاجة إلى أن يكون هذا رغبة عامة وليس مجرد قرار من حكومة، ولننظر إلى المساعي التركيّة على سبيل المثال، ونحتاج إلى تهيئة أنفسنا لهذا القرار، فمثلاً إن كنا سنتجه إلى أفريقيا فلا بد أن نهيئ أنفسنا قبل ذلك للتوقف عن النظر بترفع إلى الأفارقة. كما قلت في البداية، هذه ربما لا ترقى إلى أن تكون محاولة، لكنني على قناعة تامة بأنه لا بد لنا من إجابة عن هذه الأسئلة بوضوح وصدقية قبل أن نشرع عبثاً في لملمة أطراف هذه الدولة الممزّقة لبنائها من جديد على أسس راسخة. ولا بد بالتأكيد من أن تتحوّل هذه الأجوبة إلى قناعات عامة يتشاركها أبناء الشعب جميعاً بغض النظر عن أصولهم وتوجهاتهم. أتمنّى بشدة أن تقع هذه الكلمات في يد مهتم وأن تحرّك فيه شيئاً من نيّة للسبر في أغوار هويتنا الليبية الضائعة.

مشاركة :