قلوب تقطر مرارة وكلمات تفيض بالأسى وشعور بالغصّة تماماً في منتصف الحنجرة تبدو واضحة عند كلّ من يتحدث عن رزان زيتونة، خصوصاً ممن عمل قريباً منها واكتشف مدى قناعتها وإيمانها بثورة أبناء شعبها واستشفّ مدى ثقتها ويقينها بدور منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في الإبحار بالمجتمع السوري الثائر إلى برّ الأمان وتخليصه من الديكتاتورية وبراثم الطائفية والعنصرية البغيضة. حلّت الذكرى السنوية الأولى لحادثة خطف رزان مع زوجها وائل حمادة وسميرة الخليل وناظم حمادي، ولعلّها أطول فترة على الإطلاق كانت لرزان يمكن أن تتخيلها وهي بعيدة عن هموم الناس والوطن. ولعلّ الأكثر غرابة وألماً لديها هو حدوث عملية الخطف الجبانة هذه على أراضٍ خاضعة لسيطرة «المعارضة» المسلّحة ومن بين من كانت تعتبرهم أهلها وأصدقاءها، يا لهما من أمرين فادحين لم تكن تشي الأيام التي سبقت الحادثة إلاّ بهما. قبل وقوع حادث الخطف على أراضي مدينة دوما المحررة كانت أطراف أخرى في الشمال «المحرر» قد ارتكبت عشرات الحوادث المشابهة بحقّ نشطاء وإعلاميين وعاملين سوريين وأجانب في المجال الإنساني والإغاثي، ولم تُعِد تلك الحوادث إلى ذاكرة السوريين سوى ممارسات النظام السوري القعمية والوحشية عقب اندلاع الانتفاضة، ولم تكن حادثة خطف رزان الأولى لكنّها كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة الى معظم نشطاء الثورة ومنظمات المجتمع المدني السورية والدولية على السواء، فقد فتحت تلك الحادثة الباب على مصراعيه، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة تعريف للمناطق المحررة، وأعادت إلى الأذهان بشكل كبير الشعارات والهتافات الأولى التي خرجت من أجلها ثورة الحرّية والكرامة، وفتحت الباب أمام النقاشات العميقة حول الدور المهم الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في ظلّ النزاع القائم في سورية، خصوصاً في مجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وإيصال صوت الضحايا، إضافة إلى الخدمات الكبيرة التي تقدمها في المجال الطبّي والإنساني وضرورة وضع حدّ لجميع الخروقات بحقهم. الوجود الكثيف لكتائب المعارضة المسلّحة في مدن الغوطة الشرقية في الريف الدمشقي، وتحديداً في مدينة دوما والتي يمكن وسم معظمها بالصبغة الإسلامية، سهّل من عملية الاصطياد في المياه العكرة، وإظهار حالة رزان زيتونة ورفاقها على أنّها حالة شاذة على المجتمع الدوماني «المتحفظ». وقد سبق ذلك حملة شرسة قام بها العديد من نشطاء الإعلام في دوما، ليتم اختزال الموضوع وتكييفيه مع «الصراع» العلماني-الإسلامي المتفاقم أساساً، وبالفعل فقد كانت حادثة الخطف بمثابة الرصاصة الأخيرة على العمل المدني الحضاري الذي كانت ملامحة تتشكل في الغوطة الشرقية. وكانت رزان ورفاقها قد قطعوا شوطاً كبيراً بهذا الاتجاه، إلاّ أنّ يد المسلّحين كانت أقرب مما كان يتصوره الجميع في مدينة تعتبر المعقل الرئيس لمقاتلي «جيش الإسلام» والذي يتزعمه زهران علّوش أحد المنضوين تحت لواء «الجبهة الإسلامية»، حيث تمّ تحميلهم من عشرات الأطراف المسؤولية الأخلاقية والقانونية في إعادة المخطوفين الأربعة سالمين إلى ذويهم. كُتبت عشرات المقالات عن حادثة الخطف وشاهدنا عشرات الإدانات والاستنكارات التي تشجب هذه الجريمة البشعة. وعلى عكس توقعات الجهة الخاطفة وممن وفر الغطاء السياسي لعناصرها فقد تحولت الحادثة إلى نقطة تفصل بين مرحلتين مهتمين في التعاطي مع كتائب المعارضة المسلّحة ونظرة السوريين إليها من جهة، ونظرة المجتمع الدولي من جهة أخرى، إضافة إلى نظرة كبرى المنظمات الحقوقية العالمية التي شكّلت الحادثة لهم فهماً واقعياً وحقيقياً على طريقة تعاطي بعض المعارضة المسلّحة -والتي من المفترض أن تكون بديلة للنظام– مع الآخر المختلف عنه، خصوصاً ممن ينادون بمبادئ الديموقراطية ويدعون إلى مجتمع مدني حضاري. لكن ما لم يكتب عن رزان زيتونة ورفاقها هو حالتهم الصحية والنفسية التي سبقت حادثة الخطف والتي كانت المجازر اليومية والحصار المطبق من قبل قوات النظام قد أوصلتهم إليها كما جميع السكان، فرزان كانت تعاني قبيل الحادثة بأيام من مرض جلدي في منطقة اليد، ويبدو أنّه كان بسبب شحّ في مواد التنظيف وندرة في المياه النظيفة الخاصة بالشرب والاستحمام. وكانت في ليلة الحادثة تحديداً تعاني من وهن عام بسبب قلّة التغذية وعدم توافر الطعام المغذي والحلويات والشوكولاتة السوداء التي كانت رزان تحبها، فهل يا ترى قام الخاطفون خلال هذه السنة بتقديم أدنى مستلزمات المعيشة اليومية الكافية لهم؟ وهل يا ترى نظر «القاضي» في عينيها أثناء إصدار حكمه؟ وهل سمح لها بالدفاع عن نفسها؟ أشكّ في أن تصل بهم الشجاعة إلى هذا الحدّ وأجزم أنّ رزان بصقت (في وجوههم) ومرّغت أنوفهم في الوحل، بكرة وعشية. المتحدث باسم مركز توثيق الانتهاكات في سورية
مشاركة :