تركيا تدخل رسميا عهد النظام الرئاسي المطلق

  • 7/5/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أصدرت تركيا الأربعاء مرسوما بنقل بعض الصلاحيات إلى الرئيس في ضوء انتقال البلاد إلى نظام الرئاسة التنفيذية بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشهر الماضي. ويدخل المرسوم، الذي نشر في الجريدة الرسمية، تعديلات على قوانين صدرت بين عامي 1924 و2017. وسينقل اختصاصات من رئيس الوزراء ومجلس الوزراء إلى الرئيس ومكتب الرئيس. أنقرة- ودّع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم يوم الأربعاء (2018-07-04) رئاسة الوزراء، معلنا نهاية المنصب السياسي الذي كان على مدى عقود الأكثر أهمية في البلاد، والذي سيتسلم مهامه رئيس الدولة ورئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب أردوغان. ستدخل تركيا رسميا عهد النظام الرئاسي، الأسبوع المقبل، بعد أداء أردوغان اليمين الدستورية ليباشر مهامه رسميا، كرئيس متعدد الكراسي (الدولة والوزراء والحزب)، يعين القضاة ويمسك بزمام الوزارات والجيش والشرطة، يشرف على تغيير نظام التعليم ويحدد متى تفرض حالة الطوارئ ومتى ترفع وغير ذلك من أدق تفاصيل تسيير الدولة. ويلخص المحلل السياسي التركي مصطفى أكيول صورة تركيا اليوم بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في انتخابات 24 يونيو 2014، والانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي المطلق، بقوله “بعد قرن تتشكل في تركيا شخصية يكاد يؤلهها أناس هم أنفسهم كانوا قد سخروا لعقود من تأليه مصطفى كمال أتاتورك”. وبموجب التعديلات التي وافقت عليها أغلبية ضئيلة خلال استفاء في أبريل 2017، تُمنح صلاحيات مجلس الوزراء لرئيس البلاد، حيث سيتم إلغاء مكتب رئيس الوزراء وسيكون بوسع أردوغان تشكيل وتنظيم الوزارات وإقالة الموظفين العموميين دون الحصول على موافقة البرلمان، أي ترسيخ ما كان معمولا به منذ فرض حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016. لم يتضح بعد أين سيكون موقع بن علي يلدريم بعد خروجه من منصب رئاسة الوزراء لكن كونه أحد أقرب حلفاء وأصدقاء أردوغان فمن المتوقع أن يسند له منصب رفيع كنائب لرئيس الجمهورية. ويعتبر إلغاء المنصب القائم منذ الحقبة العثمانية ولاحقا في الجمهورية التركية الحديثة، أحد التغيرات الأكثر جذرية في التعديل الدستوري المطروح. تولّى الصدر الأعظم في الدولة العثمانية منصبا شبيها برئيس الوزراء، وتمتع بنفوذ أكثر من نفوذ السلطان. وظلّ هذا المنصب قائما حتى انهيار الدولة العثمانية. وعندما أصبح أتاتورك أوّل رئيس لها عُيّن بطل الحرب عصمت إينونو أول رئيس وزراء. التخلص من الصدر الأعظم طوال عقود شكّل هذا المنصب الأهم في النظام السياسي التركي، وأصبح أردوغان نفسه قائدا بلا منازع للبلاد أثناء توليه رئاسة الحكومة من 2003 إلى 2014. ورغم تمتع رئيس الجمهورية بعدد من الصلاحيات بموجب الدستور الصادر في أعقاب انقلاب 1980، بات عدم استخدامها عرفا سائدا، حتى أن سلف أردوغان في الرئاسة عبدالله غول لقب بـ”الكاتب العدل” لاقتصار دوره على المصادقة على النصوص التشريعية. إلغاء منصب رئيس الوزراء القائم منذ الحقبة العثمانية ولاحقا في الجمهورية التركية الحديثة أحد التغيرات الأكثر عمقا في التعديل الدستوري لكن أردوغان قلب الأعراف بعد انتخابه رئيسا في 2014 ولم يتردّد في استبعاد أول رؤساء وزرائه أحمد داود أوغلو مع احتداد الخلافات بينهما. ثم قرر أردوغان تعديل الدستور، وألغى منصب رئاسة الوزراء ومنح لنفسه صلاحية تعيين المسؤولين في المناصب الحساسة، ليحصّن نفسه من أي انقلاب من قريب أو من بعيد، وهو الذي انقلب من قبل على شريكيه في تأسيس حزب العادلة والتنمية عبدالله غول، مثلما انقلب على أستاذه نجم الدين أربكان، أبي الإسلام السياسي في تركيا، وحوّل حليفه فتح الله غولن إلى ألد أعدائه. ويأتي التعديل الدستوري أيضا ليقضي على أي شرارة يمكن أن تصدر عن المؤسسة العسكرية، التي عمل أردوغان على تحييدها، وجرّدها من أهم صلاحياتها: حماية علمانية الدولة. ووصل استهداف المؤسسة العسكرية إلى ذروته إثر فشل في عملية انقلاب قادها الجيش في صيف 2016، ضد أردوغان. على مدى سنوات، كان الرئيس التركي يعمل على جس نبض الأتراك بخصوص التعديلات الدستورية. لكن لم يقْدم أردوغان على تقرير مصير الاستفتاء إلا بعد عملية الانقلاب الفاشلة وإعلان حالة الطوارئ التي أطلقت يده لتقبض على كل مفاصل الدولة، وتصفية حسابات متعددة مع أنصار فتح الله غولن ومع من أثار قضايا الفساد التي يتورط فيها مقربون إليه ومع الإعلام المعارض والأكاديميين وأساتذة الجامعات وكل من ينتقد سياسات الرئيس ومخططاته. وكتب بان هولاند، في قراءة لوكالة بلومبرغ، حول التغييرات الراهنة في تركيا، مشيرا إلى أن تركيا بصدد دخول عصر حكم “الرجل الواحد” بسلطات معززة وأخرى جديدة. وأضاف أن أردوغان منذ ترؤسه البلاد عام 2003 كانت حملته الانتخابية تراهن على “الحاجة الماسة إلى الاستمرارية في الأوقات العصيبة”، وأنه كان يتوعد بترؤس طفرة اقتصادية كبيرة لكنها أدت في النهاية إلى وقوع بلاده على حافة الإفلاس وتدهور الوضع الاقتصادي وانهيار العملة المحلية، وهو ما زال حتى الآن مصمما على سياسته التي أوقعت البلاد في أزمة حادة، على المستوى الاقتصادي كما على مستوى السياسة الخارجية وعلاقات تركيا الإقليمية والدولية. من سيحارب الفساد عانت الحياة السياسية في تركيا من أمراض مزمنة. ومثلت الانقلابات العسكرية أبرز أسباب تلك الحالة، وهي من الأسباب التي بنى عليها أردوغان حججه لتعديل الدستور وتغيير النظام. ويرى مؤيدون للتعديلات الدستورية أن التغيير ضروري للخروج من عباءة دستور قديم كُتب تحت حكم عسكري أنتج جهازا تنفيذيا له رئيسان بسلطات وصلاحيات متضاربة يمكن أن تسبب شللا لعملية اتخاذ القرارات داخل الحكومة. لكن المنتقدين يردون بأن التعديلات أنتجت نفس النظام الدكتاتوري، وإن تغيرت الصورة الخارجية، حيث السلطات كلها في يد الرئيس الذي كشف منذ قمع احتجاجات منتزه جيزي عن وجه آخر لأردغاون (رئيس الوزراء في ذلك الوقت)، وقوبل هذا القمع بموجة احتجاجات لم يسبق لها مثيل، وضاعفت من زخمها من جهة عمليات القمع، ومن جهة أخرى التقارير عن عمليات فساد كبرى متورط فيها عدد من المسؤولين بينهم أبناء وزراء ورجال أعمال على صلة بأردوغان وعائلته. واليوم يتابع الأتراك التطورات الحاصلة في المشهد السياسي في بلادهم وهم يتساءلون عمّن سيحارب الفساد، إذا كان المسؤولون فاسدين، وقبل محاربته من سيتجرّأ على كشفه وعين الرقيب تتابع كل تحرك ووسائل الإعلام في قبضة المسؤولين. اقرأ أيضا: خطة أردوغان لضمان أغلبية في البرلمان شبح صلاحيات أردوغان المطلقة يرعب الاقتصاد التركي

مشاركة :