في فيلم (سوبرماركت - 1990) تكمن بعض الأمور التي تثير لدينا الكثير من الملاحظات والإشارات التي لابد من ذكرها. فالفيلم لا توجد به قصة حب. فبعد انتقال رمزي إلى منزل والدته، وظهور أميرة أمام المتفرج، يتصور الأخير ومنذ الوهلة الأولى بأنه حتما سيكون هناك قصة حب بين رمزي وأميرة. إلا أن محمد خان يصدم المتفرج التقليدي ويتغلب على سيطرة مخيلة هذا المتفرج ويقدم له علاقة صداقة جميلة، يندر وجودها في أفلام هذه الأيام في مصر.. (تحيا الصداقة). ثم أن وجود (السوبرماركت) في الفيلم ليس له ـ بالطبع ـ علاقة بعنوان الفيلم، حيث أنها وجدت لتكون نقطة وصل ليس إلا، وجدت لكي تلتقي أميرة بزوجها العائد من الكويت، أو ليلقاها فيها الطبيب المليونير، هذا فقط هو دور السوبرماركت في الفيلم. وإلا ماذا يبرر عدم اهتمام الفيلم بالسوبوماركت كمكـان، وعدم تصوير الزحمة والبضائع وغير ذلك مما يتسم به السوبرماركت. يبقى أن نشير إلى أن الفيلم قد اتخذ له أسلوبا مختلفا للإيقاع، فالكثيرون قالوا بأن إيقاع الفيلم بطئ، وهذا ـ بالطبع ـ ليس صحيحا مائة بالمائة، حيث انهم أطلقوا هذا التقييم بسبب تأثرهم بأسلوب السينما الأمريكية ذات الإيقاع السريع، والذي ينبع أساسا من أسلوب الحياة العامة في أمريكا. فمثلا السينمات الأخرى الألمانية والفرنسية لها إيقاعها الخاص جدا وتؤكد عليه دائما. أما السينما العربية ـ المصرية بالذات ـ فهي تعاني من هذه المشكلة، مشكلة إيجاد الإيقاع الخاص بها، اليابانيون مثلا تغلبوا على هذا المفهوم، فوجدوا لغة سينمائية إيقاعها نابع من أسلوب الحياة اليابانية الخاصة جدا. لذلك ليس من الصحيح أن نطلق على إيقاع فيلـم (سوبرماركت) بطيء. ربما نجده يختلف في أسلوب الإيقاع عن فيلم آخر لمحمد خان (أحلام هند وكاميليا)، إلا أن هذا ليس له علاقة ببطء الإيقاع وسرعته. إن سرعة الإيقاع وتطوره في (سوبرماركت) تكمن أساسا في أحداثه ومواقفه المرسومة في تركيبة السيناريو. وهذا واضح أساسا من تنـامي الأحداث وتدفقها حتى وصولها إلي الذروة. أما بالنسبة لجزئية الحقيبة المليئة بالفلوس، فقد جسدها لنا محمد خان بحرفية سينمائية ذكية وإمكانيات فنية تحسب لصالحه. إنها تعليق ساخر وعبثي، قد لا تكون لها علاقة بأحداث الفيلم، ولكنها في الحقيقة لها علاقة مباشرة بجوهر الفيلم وفلسفته. يقول محمد خان: (إنه من غير الضروري أن كل شئ يكون موظفاً في الفيلم.. كل التعامل مع الشنطة لم يكن موجودا في السيناريو، ثم أنا شخصيا استظرف مثل هذه الأشياء الصغيرة.. إنها نكشة). لقد كان مخرجنا حذرا، عندما جعل الأم هي التي تنظم أمتعة رمزي، حتى لا ينتبه هو لوجود الحقيبة. ثم أن رمزي لم ينتبه فيما بعد لوجود الحقيبة لأن المخرج وضعها بالقرب من صورة بيتهوفن.. وبيتهوفن هو الذي يسلب رؤية رمزي. وبالرغم من أن السيناريو يتسم بالطابع الأدبي، وهو ما لا يتناسب وعالم محمد خان وأسلوبه في الإخراج، إلا أن بصماتـه الإخراجية في (سوبر ماركت) كانت واضحة منذ أول حركة للكاميرا.. تقنيات تصويرية تأملية هادئة وعميقة، واستخدام مؤثر للمونتاج، وكادرات جمالية قوية ومتقنة.. سوبرماركت، فيلم هادئ.. جميل.. جيد.. وجاد.
مشاركة :