بعيداً عن داعش وماعش والعراق واليمن وليبيا وسوريا والميليشيات والطوائف والمعتقلات والاغتيالات والإعدامات والعالم السفلي، فإن العالم العِلوي بخير. وصلت الهند من أول محاولة إلى المريخ، وهو الأمر الذي لم تحققه الولايات المتحدة ولا روسيا ولا الاتحاد الأوروبي. صحيح أن أميتاب باتشان لم يكن على متن الصاروخ الذي حمل علم الهند إلى المريخ، ولكن «بوليوود» لن تنتظر كثيراً حتى تُنتج وتُصور وتُخرج أول فيلم فضائي غنائي هندي يتمايل فيه باتشان السبعيني مع أجمل راقصات بلد العجائب على أطراف إحدى فجوات المريخ. أعربت مجلة «تايم» الأمريكية عن دهشتها لأن تكاليف الرحلة الهندية إلى المريخ بلغت 74 مليون دولار فقط، وهي كلفة تقل عن تكاليف إنتاج فيلم «غرافيتي» أو «الجاذبية» الفضائي الذي أنتجته هوليوود وكلفها مائة مليون دولار ونال عدة جوائز عالمية أبرزها الأوسكار ومَثَلَه جورج كولوني وساندرا بولوك. وبوصول مركبة الفضاء «مانغاليان» وهو ما يعني بالهندي «مركبة المريخ» تكون الهند قد حجزت المقعد رقم 18 في سلسلة الرحلات العالمية إلى المريخ منذ عام 1960. لكنها الوحيدة التي نجحت من المحاولة الأولى بعكس عدة محاولات غربية وشرقية فاشلة. كانت الهند قد أطلقت أول قمر اصطناعي في عام 1975م، ومنذ ذلك التاريخ أطلقت عشرات الأقمار للاتصالات والمعلومات والمراقبة والإعلام. من حق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن يفخر بإنجاز بلاده المذهل واصفاً إياه بأنه «شبه مستحيل»، بينما مازلنا نختلف على رؤية هلال شهر رمضان! العنبة الهندية (وهي مخلل المانجو) والسامبوسك والبرياني وخبز النان والكاري فعلوا فعلتهم، فهذه دولة خارقة للمعتاد. وعلى الرغم من الفقر المدقع في مدن العشوائيات، والثراء الفاحش في قصور المهراجات، والقطارات المكتظة، وعربات الريكشا، فإن نيودلهي تجد مساحة رحبة لارتياد الفضاء وإنتاج أصغر سيارة في العالم في الوقت نفسه. لم يعد الهندي هو ذلك الفقير الجالس القرفصاء أمام السلة التي يكمن فيها ثعبان الكوبرا، كما جسدها الفنان عبدالحسين عبدالرضا والفنانة سعاد عبدالله في أوبريت «بساط الفقر». فبساط الفقر أوصل الهند إلى المريخ، وبحيرات النفط أوصلت العراق إلى الهاوية! شَعّ الإسلام في شبه الجزيرة الهندية مع الفتوحات، لكنه وصلها، مثل الأندلس، عن طريق البحر. لذلك فإن الموانئ الهندية تضم أغلبيات مسلمة معظمها من الطبقات الضعيفة والفقيرة إلى جانب عدد كبير من العرب الذين استوطنوا تلك البلاد وتزوجوا وتكاثروا وصاروا يتقنون الغناء الهندي والتحية الهندية. من أطرف ما قرأت نصائح إلى المسافرين إلى الهند، هذا بعضها: أولاً: تحلى بروح الدعابة. فالصراخ والصياح لن يجعل القطار ينطلق في وقته المحدد أو يعيد رحلة الطائرة بعد إلغائها. وحاول أن تتجنب انتقاد أهل البلد وتعايش مع الغرائب. ثانياً: كن مرناً. ففي الهند يأخذ الوقت معنى آخر. لا يأتي الناس في مواعيدهم أو لا يأتون أصلاً، أو يصلون إلى الموعد برفقة حشد من أقاربهم. هكذا تجري الأمور في الهند الصديقة. ثالثاً: كن منفتحاً واحترم عادات البلد والناس وطبطب، مثلما تفعل نانسي عجرم، على رأس البقرة المقدسة. رابعاً: لا تتناول المأكولات الحارة جداً منذ اليوم الأول لوصولك، فالأكل الحار الذي اعتدتَ أن تأكله في بيتك العربي يسمونه هناك «هلويات»، أي حلويات! واغسل يديك باستمرار وتناول الفاكهة التي يمكن تقشيرها كالموز والبرتقال واشرب عصير جوز الهند من حبة جوز الهند التي يتم فتحها أمامك. والأطعمة النباتية هي الأكثر أماناً فربما يقدمون لك شوربة ذيل الثعبان أو رأس القرد! ولا تشرب الماء من الحنفية أبداً مهما يكن حتى لو مت من العطش! خامساً: إذا كنت تعاني من الصداع، بسبب هذا المقال أو غيره من أسباب النكد فيمكنك شراء قرص واحد من الإسبرين فقط بدلاً من شراء علبة كاملة، كما اعتدنا أن نفعل في بلادنا. بدأنا الحديث بالوصول إلى المريخ، وانتهينا بدعوتك لزيارة الهند، وسأقوم بزيارة هذا البلد لأتأكد من صحة هذا المقال!
مشاركة :