ذو العقل يشقى بالنعيم

  • 7/6/2018
  • 00:00
  • 61
  • 0
  • 0
news-picture

في أمسية من أمسيات صيف مدينة الرباط الجميل، ومن أعلى ظهر أريكة من أرائك متنزه نادي اليخوت المغربي، الذي يقع على ضفاف شواطئ نهر «ابي رقراق» بجانب مدينة سلا، المدينة المغربية التاريخية، التي كانت مرسى لسفن الرومان والبرتغاليين أثناء حروبهم الاستعمارية التاريخية. سلا من المدن المغربية العريقة، التي يشهد لها الزمان بما تحتويه من آثار رومانية قديمة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، مؤكدة للدنيا أصالة التي تحتضن جانباً من سواحل نهر «ابي رقراق»، الذي يفصلها عن شقيقتها مدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية الشريفة. هناك في تلك السويعات الساحرة من الوقت سمعت عن قرب صوت نقيق الضفدع، التفت نحو الصوت فشاهدت مجموعة من الضفادع تحتمي تحت جذع شجرة صفصاف نابتة على ساحل نهر «ابي رقراق»، ذلك النهر التاريخي الذي تغزل بجماله الشعراء، وتفننت في حسنه حناجر أشهر مطربي بلاد المغرب، وكم استراحة تتأمل أمواج مياهه عيون صبايا بنات الغرب والشرق، وكم من فتى كقيس بن الملوح احتل بقعة من سواحله ليبث من فوقها الشوق لحبيبته ليلى، وهي تسبح في هذا المكان، وفي هذا الجو العبق بتاريخ الحياة شدت سمعي أصوات الطيور التي عادت بي بالذاكرة إلى صوت أخواتها في بلداننا العربية المشرقية. أشعرني ذلك بأنه لابد أن يكون هناك بين الطير المغربي وأخيه المشرقي نسب، لا سيما ان الصوت واحد ونبرة الصوت واحدة والشكل واحد، وليس هنالك أي خلاف لا من ناحية الحجم العام ولا من ناحية المظهر. ولو قدر لنا نقل هذا الطير من مكانه هنا وأودع بساتين النيل أو الفرات أو بردى في سوريا، هل سيطلب منها كما يطلب من الإنسان المغربي في الكويت أو في بلد عربي آخر من إجراءات رسمية اخترعها الغرب، كالبيزو وجواز السفر الصالح لعدة سفرات ولمدة طويلة، وبطاقة هوية مدنية صالحة للاستعمال غير منتهية الاستعمال، شهادة كفيل يكون مسؤولاً عن تصرفات الزائر، وهناك إجراءات أخرى لا تخطر على البال. لا شك أن هذه الإجراءات لا تطبق على الطيور والحيوانات كما هي تطبق على الإنسان، لماذا وأن خالق الكون خلق الجميع على الأرض، الحيوان والإنسان، ولم يحدد لهم مكاناً معيناً، بل ترك للجميع حرية التنقل من دون قيد، إلا أن الإنسان لكونه يملك عقلاً غير الذي يملكه الحيوان والإنسان، والاثنان مخلوقات الله، فرض الإنسان على نفسه قيوداً من الإجراءات الرسمية، التي حسب تفكيره تحميه من غدر الزمان، ولذا فقد شدد في تعدادها وتطبيقها. وهنا يقول الشاعر: «ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله.. وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم». محمد سالم البلهان ** سفير سابق

مشاركة :