ما الذي تعلمه اليابانيون من فاجعة الدوحة؟ ما طريقة أحفاد الساموراي في وضع الخطط العلمية المدروسة؟ نبحر في الأسطر التالية للإجابة عن هذه الأسئلة.. ننطلق إلى الدوحة في العام 1993 حيث تصفيات آسيا النهائية، المؤهلة لكأس العالم في أميركا من العام 1994م، وقتها كانت الفرق الستة المتأهلة تتجمع لتلعب بنظام الدوري، ويتأهل الفريقان الأول والثاني. دخلت اليابان التصفيات منتشية بعد فوزها بكأس آسيا للمرة الأولى في هيروشيما بقيادة الأسطورة كازو ميورا وراموس، واستطاعت تحقيق نتائج جيدة، ولم يتبق لها سوى الفوز على المنتخب العراقي في آخر مباراة للتأهل لكأس العالم، ومرافقة المنتخب السعودي الذي فاز على إيران وحجز التذكرة لبلاد العم سام. وفعلا فاز اليابانيون 2 - 1 وواصلوا الهجوم إلى الدقيقة الأخيرة التي سجل فيها المنتخب العراقي هدف التعادل ليقضي على أحلام اليابان ويهدي التأهل إلى كوريا الجنوبية، تسمى هذه الحادثة في التاريخ الياباني باسم (فاجعة الدوحة).. لملم اليابانيون جراحهم؛ ليضعوا خطة علمية مدروسة تنهض بمستوى اليابان لمستوى عالمي متقدم في عالم كرة القدم بشكل يتماشى مع تقدم بلدهم الاقتصادي والتقني. وكانت الرؤية هي أن تحقق اليابان كأس العالم للعام 2050م، في بطولة تستضيفها اليابان على أرضها. وكهدف مرحلي فلا بد أن تصل اليابان إلى دور الأربعة في كأس العالم إلى العام 2030م. وبدأ التحدي الأول في ضرورة التأهل لكأس العالم للعام 1998م في فرنسا حيث تقررت استضافة كأس العالم للعام 2002 في اليابان وكوريا الجنوبية، ونظر اليابانيون إلى أنه سيكون من العار عليهم كأمة أن تكون مشاركتهم الأولى في كأس العالم في البطولة التي سيستضيفونها. وقتها كان كازو ميورا هو الياباني الوحيد الذي سبق له اللعب في الدوري الإيطالي. وبعد صراع شرس تأهلت اليابان إلى الملحق الآسيوي حيث يلعب فريقان يتأهل الفائز منهما إلى كأس العالم مباشرة وواجه اليابانيون أوقاتاً صعبة إلى أن قرر المدرب إخراج الأسطورة كازو ميورا من الملعب وإدخال لاعب آخر. استنكر ميورا تغييره وراح يكلم المدرب:» أتخرجني أنا؟؟». وفعلاً خرج ميورا وتمكن اليابانيون من قلب النتيجة والانتصار والتأهل، وكان القرار الحاسم بحرمان ميورا من اللعب في كأس العالم، وتمثيل المنتخب الياباني مرة أخرى لأنه لا نجم ولا أسطورة فوق الفريق والانضباطية والأخلاق.. انتهت مشاركة اليابان في كأس العالم في فرنسا 1998م بثلاثة هزائم وهدف يتيم واحد. وجاء القرار بإرسال عدد من اللاعبين اليابانيين إلى الدوريات الأوروبية. وبدأ يسطع اسم تاناكا هيديتوشي والذي حقق لاحقاً الدوري الإيطالي مع فريق روما. وفعلاً استضافت اليابان كأس العالم 2002م، ونجحت في الوصول إلى دور الستة عشر، ولكن شعر اليابانيون بالغبن وهم يرون جارهم الكوري يصل إلى دور الأربعة في نفس البطولة. ومرت اليابان بتجارب فاشلة وناجحة في كأس العالم لكن ما يهمنا هنا هو مقارنة مشاركة اليابان في كأس العالم في البرازيل 2014م، وكأس العالم في روسيا 2018م والتي نجحت فيها من الوصول إلى دور الستة عشر للمرة الثالثة. أهم نقطتين تهمنا هما، عدد لاعبي المنتخب الياباني المحترفين في الخارج، والذين كانوا 12 في العام 2014م، وأصبحوا 16 في 2018م، من ناحية أخرى كان معدل فترة احتراف لاعبي المنتخب الياباني في الخارج 3.7 سنوات في العام 2014م، وأصبح 6.4 سنوات في العام 2018م. حسناً، ما الدروس المستفادة من تجربة اليابان في التخطيط لصناعة كرة القدم؟.. من أهم الدروس: النتائج الممتازة قارياً وعالمياً لمنتخبات الناشئين والشباب مؤشر مهم على نجاح التخطيط للمستقبل. الاستثمار في قدرات المدربين الوطنيين استثماراً ناجحاً، والدليل وصول اليابان لدور الستة عشر في كأس العالم 2010م، و2018م على يد مدربين يابانيين. أهمية تشجيع اللاعبين لأخذ التجربة وصقل مهاراتهم في الدوريات الأوروبية. ضرورة امتلاك دوري قوي وبناء فرق قوية لصناعة منتخب وطني قوي. امتلاك بيئة إعلامية صحية تركز على المصلحة الوطنية. الاهتمام بالمواهب من سن مبكر في المراحل المدرسية والدليل البطولة الوطنية المدرسية، والتي يتم نقل المباراة النهائية فيها عبر المحطات التلفازية. وختاماً.. كرة القدم لم تعد مجرد رياضة، بل قوة ناعمة، ومعياراً مهماً لمستوى التقدم الذي تعيشه كل دولة على كوكب الأرض.
مشاركة :