ظاهرة الثنائيات الفنية لطالما كانت حاضرة في الفضاءين السينمائي والدرامي، فكثيراً ما كانت الكيمياء الجامعة بين ممثلين إثنين أو أكثر دافعاً لأعمال ثنائية وجماعية ناجحة والنماذج أكثر من أن تعد وتحصى لعل أشهرها مجموعة ممثلي مسرحية «مدرسة المشاغبين»: سعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي وحسن مصطفى التي أنجزت بعدها مسرحية «العيال كبرت» وإن من دون النجم عادل إمام الذي أنجز هو الآخر بدوره مسرحية «شاهد ما شافش حاجة» أو سلاسل «مقالب غوار» و «صح النوم» و... بنجومها الجماعيين من غوار الطوشي ( دريد لحام ) إلى حسني البورزان ( نهاد قلعي ) إلى ياسينو ( ياسين بقوش ) الى أبو عنتر ( ناجي جبر )... تلك الأعمال الخالدة التي غدت من كلاسيكيات المسرح والكوميديا العربيين وما زالت تعرض حتى الآن في مختلف الفضائيات والشاشات العربية محتفظة بطزاجتها ووهجها المتقد وكذا الحال في مضامير الدراما والسينما. فمن ينسى ثنائيات: رشدي أباظة وسعاد حسني أو دريد لحام ونهاد قلعي أو ناصر القصبي وعبد الله السدحان أو شويكار وفؤاد المهندس أو عادل إمام ويسرا أو نجلاء فتحي ومحمود ياسين أو حسين فهمي وميرفت أمين أو حياة الفهد وسعاد العبد الله أو باسم ياخور ونضال سيجري ... التي أفرزت أعمالاً من طينة «الحب الضائع» و «خالتي قماشة» و «الإرهاب والكباب» و «طاش ما طاش» و «ضيعة ضايعة» و «جزيرة الشيطان» وغيرها الكثير من نتاجات باتت علامات فارقة ومضيئة في تاريخ وحاضر الفن العربي. بيد أن ثمة ثنائياً صاعداً ولافتاً هذه الأيام ركناه الفنانان السوريان: أحمد الأحمد ومحمد حداقي اللذان جمعتهما جملة أعمال ما بات يشي بتبلور ثنائية متميزة فمن مسلسل «الطواريد» الى مسلسل «الواق واق» بات نجما الكوميديا السوريين في ثنائياتهما ملمحاً جديراً بالإشادة لدرجة أنهما يسرقان الأضواء من أبطال بعض الأعمل الأساسيين بفعل تناغهما وأدائهما الكوميدي الفذ كما لاحظنا مثلاً في «الواق واق»، اذ ثمة احتراف وحس كوميدي في شخصيتهما أشبه ما يكون بشيء متصل بالفطرة والسليقة وليس فقط بالاكتساب والاشتغال على صقل الموهبة وتنميتها فهما في المسلسلين اللذين تمت الإشارة إليهما يقومان بدور واحد في دورين إن صح الوصف. فالشخصيتان متشابكتان تماماً في البناء الدرامي للعملين بخاصة في «الواق واق» لدرجة أنهما بالفعل مربوطان ببعضهما عبر قيدين تربطهما سلسلة عصية كون أحدهما كان ضابطاً والآخر سجيناً وإثر غرق السفينة التي كانت تقلهما قبالة احدى الجزر بقيا متشابكين لعدم وجود أدوات خاصة بفك قيدهما المشترك بعد ضياع المفاتيح إثر غرق السفينة. والحال أن التشابك والترابط بين الشخصيتين ليس فقط عبر السلسلة المقيدة لكليهما والحال هذه. بل هو تشابك روحي ووجداني ودرامي يتبلور ويتصاعد شيئاً فشيئاً على رغم تنابذهما وتصارعهما وفق الحبكة والحكاية وادعاء كل منهما أنه هو الضابط والآخر هو السجين أمام بقية ركاب السفينة الناجين، لكن مع بقائهما ملتصقين. وبفعل المعشر والفطرة الإنسانية تنشأ ألفة وحميمية بينهما رويداً رويداً ... صحيح أن واقع حال رباطهما الحديدي فرضها بداية لكنها مع مرور الوقت تغدو ألفة طبيعية ناجمة عن التواصل والاحتكاك الإنسانيين. والجميل في ظاهرة الثنائيات الفنية أن التكامل هو ضابط الإيقاع وليس التنافس فالثنائي يكمل أحدهما الآخر ويطلق عنان مكامن الإبداع والإبهار في زميله وبالعكس فكأن الموهبة هنا تغدو في حاجة الى توأمها وثنائيها كي تكتمل وتصل إلى مداها الأقصى.
مشاركة :