«السموم البيضاء» تترصد الشباب الجزائري

  • 7/6/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر – ياسين بودهان * نسبة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي سجلت في السنوات الأخيرة ارتفاعاً قياسياً، بنحو 54 ألف تلميذ يتعاطون المخدرات. * 50 % من التلاميذ مستهلكي المخدرات أتوا بسلوك عنيف، و35.70 % تسببوا بشجار في البيت، و14.28 % شتموا أحد المقربين إليهم. * دراسة جامعية: 22 % من طالبات الجامعة يتعاطين المخدرات بمختلف أنواعها. * موضوع المخدرات أحد الملفات الموترة للعلاقات بين الجزائر والمغرب، ومن بين الأسباب التي تتذرع بها السلطات الجزائرية لإغلاق الحدود بين البلدين منذ عام 1994. * تقارير إعلامية: شرعت الجزائر مطلع العام الحالي في إقامة سياج على طول الحدود مع المغرب التي تعرف نشاطاً متزايداً للمهربين والاختراق من قبل المهاجرين غير الشرعيين. * 40 % من نزلاء السجون في الجزائر مرتبطون بقضايا المخدرات، فيما باتت السجون مدارس للجريمة. في عملية نوعية وغير مسبوقة، تمكنت قوات حرس السواحل الجزائرية من إحباط أكبر محاولة في تاريخ الجزائر لإغراقها بمادة الكوكايين الخطيرة، حينما أوقفت نهاية مايو (أيار) الماضي باخرة تجارية تحمل راية دولة ليبيريا كانت قادمة من البرازيل مرورا بميناء فالنسيا بإسبانيا، وصولا إلى ميناء وهران غربي العاصمة الجزائر محملة بأكثر من سبعة قناطير من مادة الكوكايين. وحسب ما جاء في بيان لوزارة الدفاع الجزائرية نشرته عبر موقعها الرسمي على الإنترنت فإن «العملية جاءت في إطار حماية المياه الإقليمية للجزائر، حيث تمكنت فرق حرس السواحل لقيادة القوات البحرية بالواجهة البحرية الغربية بوهران يوم 29 مايو 2018، من إحباط محاولة إغراق البلاد بكمية ضخمة من السموم البيضاء كانت مُحملة على متن سفينة تجارية تحمل راية دولة ليبيريا، كانت قادمة من البرازيل مرورا بميناء فالنسيا بإسبانيا لتصل إلى مياهنا الإقليمية باتجاه ميناء وهران». العملية حسب البيان «انطلقت بفضل استغلال معلومات حول وجود كمية كبيرة من الكوكايين مخبأة داخل حاوية على متن السفينة المُحملة بلحوم حمراء مجمدة، حيث تم توجيه وحدات عائمة لحرس السواحل قصد تأمين مسرح العملية، وبعد التأكد من وجود الحاوية، أُعطيت التعليمات اللازمة بضرورة إدخال السفينة لميناء وهران تحت حراسة مشددة وإجراءات أمنية دقيقة، وبناء على تسخيرة وكيل الجمهورية، تم إخضاعها للمسح والتفتيش الدقيق، مما أسفر عن كشف وضبط كمية ضخمة من مادة الكوكايين تُقدر بسبعة قناطير وواحد كيلوغرام كانت موزعة على (603) صفيحة مخبأة وسط السلع». هذه الواقعة شكلت صدمة كبيرة للجزائريين، وأثارت جدلا واسعا وتساؤلات عميقة حول طبيعة هذه المادة الخطيرة، ومدى انتشارها في الجزائر، كما أثارت أسئلة عن الجهة التي تقف وراء العملية، وأهدافها من محاولة إغراق البلاد بهذه السموم القاتلة. وتعد الكمية المحجوزة أكبر كمية للكوكايين في تاريخ الجزائر، حيث تم عام 2012 حجز نحو 165 كيلوغراما كانت مهربة مع بودرة حليب قادمة من نيوزيلندا. ويعتبر الكوكايين من أشد المنشطات الطبيعية ويستخلص من أوراق نبات «الكوكا» الذي ينمو في أميركا الجنوبية حيث يمضغه الأهالي وهو معروف لديهم منذ 5000 عام خاصة بوليفيا وبيرو أو يضعونه مع الشاي ويشربونه للانتعاش والتغلب على التعب، وكانت مادة الكوكايين النقية قد عُزِلَتْ عن النبات عام 1880 بواسطة ألفريد نيمان، وكانت تستعمل كمخدر موضعي في جراحات العين والأنف والحلق لأن هذه المادة تضيق الأوعية الدموية وتمنع النزيف، وقد استعمله الأطباء في بداية القرن الماضي كعلاج للاكتئاب. ويتوافر الكوكايين في صورتين: هيدروكلوريد الكوكايين وصخرة الكوكايين (الكراك)، ويكون هيدروكلوريد الكوكايين في شكل مسحوق بللوري أبيض ناعم، يخفف غالبًا بالسكر أو نشا الذرة أو بيكربونات الصودا، ويتم تعاطيه عن طريق الشم أو الحقن بعد خلطه بالماء، ويتم معالجة صخرة الكوكايين (الكراك) بالأمونيا أو بيكربونات الصودا والماء للحصول على مادة صخرية تعرف بالكراك التي يمكن تدخينها. ولمخدر الكوكايين حسب بعض المراجع العلمية أثر فوري على المخ، حيث يسبب شعورًا بالنشوة، وزيادة مستويات الطاقة وتحسين حواس البصر والسمع واللمس، غير أن هذه النشوة قصيرة الأجل، مما ينجم عنها رغبات حادة في استخدامه مجدًدا من خلال دورة التعاطي التي تقوم على محوري الرغبة الشديدة والاستخدام المفرط، وسرعان ما يتعود الجسم على المخدر وتزداد كميتة وتكرار استخدامه، وللكوكايين أضرار كثيرة، حيث يزيد خلطه بالكحوليات من مخاطر التعرض للأزمة القلبية، وفشل أعضاء الجسم، والتسبب في موت الفجأة. ووفقا للدراسات، فإن تكلفة إنتاج الكيلوغرام الواحد من الكوكايين تتراوح بين 2700 و4000 دولار، بمجرد خروجها من المزارع. ولدى وصول المخدرات إلى الساحل الأفريقي الغربي، ترتفع تكلفة الكيلوغرام الواحد من الكوكايين إلى قرابة 13 ألف دولار، ثم ترتفع مرة أخرى إلى 16 ألف دولار عندما تصل إلى عواصم دول منطقة الساحل الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى. ويرتفع سعر الكيلوغرام الواحد من الكوكايين إلى ما بين 24 و27 ألف دولار عندما يصل إلى مدن وعواصم دول شمال أفريقيا، قبل أن ينتقل إلى أوروبا، حيث يتضاعف السعر ليصل إلى ما بين 40 و60 ألف دولار. وكشفت بيانات للأمن الجزائري، في وقت سابق، أن استهلاك مخدر الكوكايين في الجزائر يتم عن طريق مزج النوع النقي منه بمواد أخرى على غرار «البراسيتامول»، حيث يمكن استخراج من 1 كلغ كوكايين نقي ما بين 10 و15 كلغ من الكوكايين الجاهز للاستهلاك يتم تسويقها للمدمنين بمبلغ يتراوح ما بين 20 و25 ألف سنتيم للغرام الواحد بعد معالجته. واستنادا إلى هذه الأرقام، نجد أن كمية الكوكايين المحجوزة في ميناء وهران تتجاوز قيمتها المالية لدى وصولها إلى الجزائر أكثر من 42 مليون دولار أي أكثر من أربعة مليارات و914 مليون دينار جزائري، وهو رقم خيالي سيتضاعف على اعتبار أن مادة الكوكايين النقية سيتم مزجها بمواد أخرى. وتفيد الدراسات والتقارير أن تجارة الكوكايين تتبع ثلاثة مسارات رئيسية؛ أميركي وبريطاني وأفريقي. وهو ما يجعل الجزائر مركز استهلاك وعبور لهذا النوع من المخدرات نحو دول أوروبية. وتبدأ دورة إنتاج وتسويق مادة الكوكايين من مزارع دول أميركا اللاتينية، على شكل نبتة خضراء تقل تكلفتها عن كثير من المنتجات الزراعية مثل القمح، كما أنها لا تحتاج إلى الكثير من الماء ولا إلى عناية كبيرة، باستثناء تكلفة الزراعة والعاملين فيها، وبالطبع العناصر المسلحة لحماية المزارع من الدخلاء، بما فيهم السلطات والحكومات. وحسب التقارير يتم تسويق المخدرات ومنها الكوكايين عبر 3 بؤر رئيسية في العالم اثنتان منها في آسيا، والثالثة في أميركا اللاتينية. ففي آسيا، توجد البؤرة الأولى في جنوب شرقي آسيا، وتحديدا في المثلث الحدودي بين لاوس وميانمار وتايلاند، ويطلق على هذه المنطقة اسم «المثلث الذهبي»، وهي تغذي دول شرق آسيا وجنوب شرقي آسيا بالمخدرات. المنطقة الثانية هي المنطقة المعروفة باسم «الهلال الذهبي»، ويضم دول باكستان وأفغانستان وإيران، على وجه الخصوص، وهي المصدر الرئيسي للمخدرات إلى الصين وروسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق، وكذلك إلى أوروبا عبر تركيا وعبر شرق أفريقيا. البؤرة الثالثة، وهي الأكثر شهرة ربما بسبب النشاط الإجرامي لعصابات المخدرات في كل من كولومبيا والمكسيك، وهذه البؤرة هي المسؤولة عن تصدير المخدرات إلى باقي دول أميركا اللاتينية والوسطى والشمالية، وكذلك إلى أوروبا عبر دول الساحل الأفريقية. ورغم أن كمية الكوكايين المحجوزة في ميناء وهران تعد كبيرة جدا وسابقة في تاريخ البلاد، فإن هذه المادة لا تعتبر الأكثر رواجا في عالم تجارة المخدرات بالجزائر، والتي يغلب عليها القنب الهندي كأكبر مادة مروجة في الجزائر، ومصدرها الرئيسي الحقول التي تزرع فيها المادة في المملكة المغربية. ويشير تقرير رسمي نشر في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى أن السلطات الجزائرية نجحت في ضبط كميات كبيرة من المخدرات خلال 2017. وقال مدير عام الديوان الحكومي لمكافحة المخدرات محمد عبدو بن حلة في تصريح للإذاعة الجزائرية الحكومية: «ضبطنا في 2017 نحو 48 طنا، مقارنة بنحو 109 أطنان في 2016. و126 طنا في 2015، و182 طنا في 2014. و211 طنا في عام 2013»، وربط تناقص الكميات المضبوطة بسبب تغيير المهربين مسالكهم للعبور بعيدا عن الجزائر. وأوضح أن «الجزائر ليست بلدا منتجا للمخدرات، وإنما بلد عبور واستهلاك، وتتنوع المخدرات في الجزائر بين الكوكايين القادم من أميركا اللاتينية وبلدان غرب أفريقيا، والهيروين القادم من القرن الأفريقي، والمؤثرات العقلية التي تدخل الجزائر من بلدان ساحل المتوسط، فيما يبقى مصدر القنب الهندي هو المغرب» على حد قوله. وفي العقد السابق، كانت شبكات المخدرات تعبر الجزائر لتهريب المخدرات إلى تونس وليبيا ومنهما إلى أوروبا، لكن الجيش الجزائري شدد مراقبة الحدود خلال السنتين الأخيرتين، مما دفع تلك الشبكات إلى البحث عن مسارات تهريب جديدة. وأعلنت السلطات الجزائرية نهاية 2016 ما سمته «الحرب على شبكات تهريب المخدرات»، وفي شهر أغسطس (آب) الماضي قصفت طائرة عسكرية جزائرية قافلة تهريب مخدرات في منطقة بشار جنوبي الجزائر، وتنفذ الحكومة الجزائرية استراتيجية لمكافحة المخدرات تمتد إلى 2020. بعد تقارير متكررة حول انتشارها بين طلاب الجامعات. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي تمكنت مصالح الأمن الجزائرية من حجز أكثر من 10 أطنان من الكيف المعالج وأكثر من 300 ألف قرص من المؤثرات العقلية حسب حصيلة قدمتها الشرطة القضائية مؤخرا، كما تم توقيف أكثر من 15693 شخصاً متورطاً في قضايا المتاجرة في المخدرات واستهلاكها، وفقا لوكالة الأنباء الجزائرية الحكومية. وتم خلال نفس الفترة، معالجة 12441 قضية على مستوى المحاكم الجزائرية منها 1532 قضية متعلقة بالتهريب والمتاجرة بالكيف المعالج، و1454 قضية متعلقة بالمتاجرة بالمؤثرات العقلية، و15 أخرى متعلقة بالتهريب والمتاجرة في الكوكايين، و7 قضايا أخرى متعلقة بالتهريب والمتاجرة في الهيروين. كما تم في نفس الإطار معالجة 734 قضية استهلاك الكيف المعالج و1931 قضية تعاطي واستهلاك المؤثرات العقلية إضافة إلى 33 قضية استهلاك مادتي الكوكايين والهيروين. تحول الجزائر إلى منطقة عبور للمخدرات أثار مخاوف واسعة بين الجزائريين، لكن نسباً كبيرة من الكميات المتدفقة من الحدود سنويا توجه للاستهلاك الداخلي، وتشير بعض التقارير والدراسات إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي ومختلف مؤسسات التعليم العالي والجامعات. وفي السياق أبرزت نتائج تحقيق مدرسي أجراه الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها في الفترة الممتدة بين 17 و21 أبريل (نيسان) 2016 شملت أكثر من 12 ألف تلميذ، بأن نسبة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي سجلت في السنوات الأخيرة ارتفاعا قياسيا، كاشفا أن نحو 54 ألف تلميذ يتعاطون المخدرات في الوسط المدرسي. وكشفت النتائج الميدانية للدراسة حسب ما ذكره المدير العام للمركز الوطني للدراسات والتحاليل الخاص بالسكان والتنمية داود بلقاسمي في تصريح للقناة الأولى الحكومية أن «من بين ما يزيد على مليوني تلميذ معني بالتبيان، تم إحصاء 54 ألف تلميذ في الجزائر يستهلكون الحشيش وما نسبته 8.5 يتعاطون الشيشة و1.95 يتناولون الكحول، 1.97 مهلوسات، ونسبة 0.42 كوكايين، و0.33 يدمنون على الهيروين». ويشير المتخصص في علم اجتماع الانحراف والجريمة الدكتور فوزي بن دريدي، في رسالة جامعية حول «العنف في المدارس الثانوية في الجزائر»، إلى أرقام توصّل إليها من خلال مسح ميداني أعده، بيّن من خلاله أن 10 في المائة من التلاميذ يتعاطون المخدرات، نصفهم استهلكوها من سنة إلى سنتين، و38.88 في المائة من أربع سنوات إلى خمس، و11.11 في المائة من شهر إلى شهرين. وعن أسباب انتشار المخدرات في الوسط المدرسي ذكر أن نحو نصف العينة (43.24 في المائة) يعود سبب تعاطيهم المخدرات إلى مخالطة رفاقهم الذين يستهلكونها، ونحو 18.91 في المائة يستهلكونها بسبب المشاكل الدراسية و16.21 في المائة يستهلكونها بسبب الفراغ. وتفيد نتائج الدراسة بأن 50 في المائة من التلاميذ مستهلكي المخدرات أتوا بسلوك عنيف، و35.70 في المائة تسببوا بشجار في البيت، و14.28 في المائة شتموا أحد المقربين إليهم. وهذا يؤكد تأثير المخدرات على إنتاج سلوكيات عنيفة. وفي دراسة جامعية أنجزتها الأستاذة بكير مليكة، توصلت فيها إلى أن 22 في المائة من طالبات الجامعة يتعاطين المخدرات بمختلف أنواعها، لتدق ناقوس الخطر حيال الانتشار الرهيب لهذه الظاهرة بالوسط الجامعي في غياب الرقابة. وتوصلت الباحثة إلى القول بأن تعاطي الكيف في الوسط الجامعي أصبح علنا، مرجعة أسبابه لسهولة الوصول إليه، في ظل غياب آليات الرقابة وتراجع دور العائلة في مراقبة الأبناء، خاصة بعد سن الرشد. وذكرت صاحبة الدراسة أن القنب الهندي في مقدمة أنواع المخدرات المنتشرة بين الطالبات بنسبة 68 في المائة، تليه الأقراص من نوع «أرتان» و«الفاليوم» بنسبة 17 في المائة، أما الحبوب المهلوسة فتمثل نسبة 5 في المائة من الاستهلاك. وخلصت الأستاذة في دراستها إلى أن «استفحال ظاهرة المخدرات لدى الطلبة مؤشر خطير على بؤس المجتمع وتفككه، في ظل غياب تدابير وقائية تحميهم من مختلف أشكال الجريمة». وبمناسبة إحيائها لليوم العالمي لمكافحة التدخين المصادف لـ31 مايو من كل عام، نشرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) قبل أيام قليلة نتائج دراسة ميدانية ترصد واقع استهلاك المخدرات في الجزائر. وحسب الدراسة التي تحصلت «المجلة» على نسخة منها فإن تعاطي المخدرات في الجزائر بات ظاهرة تنذر بالخطر وتهدد حياة الجزائريين، بعد أن سجلت أزيد من مليون مستهلك، ونحو 340 ألف مدمن. ولفتت الرابطة الرأي العام إلى «تنامي الإقبال على تعاطي المخدرات في رمضان لمستويات جنونية حيث ترتفع نسبة الاستهلاك إلى أكثر من 18 في المائة في شهر رمضان». رئيس الرابطة هواري قدور أكد لـ«المجلة» أن «المكتب الوطني لمنظمته يتابع بدقة تفشي المخدرات وكثرة الإدمان عليها في الجزائر»، واتهم المغرب صراحة بـ«محاولة إغراق الجزائر بمئات الأطنان من المخدرات، خلال الـ10 سنوات الأخيرة»، وقدر الكمية خلال تلك الفترة بـ860 طن، تورط فيها أزيد من 176 ألف شخص من بينهم 1313 شخصاً أجنبياً. وبرأي قدور فإن «الكميات المعلن عنها سنويا لا تعكس الواقع بسبب الانتشار الهائل للمخدرات في المدارس والجامعات والأحياء الشعبية»، ويعتقد أن «الأرقام الرسمية التي أعلن عنها الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والتي تتحدث عن 340 ألف مدمن غير دقيقة لأن الواقع يكذبها». قدور حذر من مخاطر هذه الآفة على الشباب الجزائري الذي بات في تقديره هدفا للشبكات الإجرامية التي تعبر الحدود الغربية للبلاد محملة بأطنان من المواد السامة سنويا، وأشار إلى أن أكثر من 15 في المائة من الشباب الجزائري ما بين 18 عاما و35 عاما يتعاطون المخدرات بمختلف أنواعها. وكشف هواري لـ«المجلة» عن تقرير لمنظمة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة لعام 2014 جاء فيه أن «المساحات المخصصة لزراعة القنب الهندي في المغرب تقدر بـ57.000 هكتار بإنتاج سنوي يتجاوز 2000 طن من الحشيش»، وذكر أن «مزارع الحشيش تشغل نحو 850 ألف مزارع»، وهو ما دفع به إلى توجيه أصابع الاتهام مباشرة للمملكة المغربية التي وصفها بـ«الشقيقة» بـ«محاولة استهداف عقول الشباب الجزائري بعد أن أصبحت زراعة القنب الهندي في المغرب ضمن الأولويات». وفي وقت سابق طالبت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان من السلطات الجزائرية والمجتمع المدني بتحرك عاجل لطرح القضية في المحافل الدولية ومنها الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى، خاصة أن نحو 116 طناً من القنب الهندي، أي نحو 65 في المائة من الكمية الإجمالية للحشيش التي ضبطتها السلطات الجمركية العالمية، كان مصدرها حسب قدور من المملكة المغربية. ويعدّ موضوع المخدرات أحد الملفات الشائكة والموترة للعلاقات بين الجزائر والمغرب، ومن بين الأسباب القوية التي تتذرع بها السلطات الجزائرية في رفضها فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994؛ ففي يناير الماضي اتهم رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، المغرب بتهريب المخدرات وخصوصا «الحشيش» إلى الجزائر، مشيرا إلى أن كميات كبيرة من جذور القنب تضبط أسبوعيا قادمة من المغرب. ونقلت وكالة «الصحافة الفرنسية»، عن أويحيى قوله في مؤتمر صحافي، عقب اجتماع المجلس الوطني لحزبه (التجمع الوطني الديمقراطي): «فيما يخص قضية المغرب والمخدرات، هذا ليس تعليقي أنا… الجميع يعرف من أي بلد يأتي الحشيش في شمال أفريقيا. لا يأتينا من أفغانستان البعيدة جدا عنا».البروفسور مصطفى خياطي ووفقاً للوكالة، فإن رئيس الوزراء الجزائري، كان يرد على سؤال بشأن تصريحات أدلى بها ندد من خلالها، من دون أن يسمي المغرب، بـ«من يحاولون من الخارج إغراق الجزائر بكم هائل من الحشيش والكوكايين». وبحسب أويحيى، فإن قوات الأمن الجزائرية تحتجز «على الأقل مرة في الأسبوع قناطير من المخدرات» قادمة من المغرب. وأبدى أويحيى أسفه لوضع الشبان الجزائريين الذين يقعون ضحية المخدرات، قائلا: «المخدرات موجودة في الثانويات والملاعب الرياضية، لو كان الأمر لي لطبقت عقوبة الإعدام على مهربي المخدرات، ليس من يبيعون غراما بل من يدخلونه» للبلاد. وكان المغرب استدعى في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 سفيره لدى الجزائر، احتجاجا على تصريحات لوزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل اتهم فيها شركات مغربية بـ«تبييض أموال الحشيش» في أفريقيا، وكان ذلك في أكتوبر الماضي حينما تهجم على المغرب متهما إياه بـ«تبيض أموال الحشيش عبر فروعه البنكية في أفريقيا»، وأن «الخطوط الجوية المغربية لا تنقل المسافرين فقط». ووفقاً لتقارير إعلامية جزائرية فإن «السلطات الجزائرية شرعت مطلع العام الحالي في إقامة سياج جديد على طول الحدود مع المغرب لتأمين المناطق الحدودية التي تعرف نشاطا متزايدا للمهربين والاختراق من قبل المهاجرين غير الشرعيين». رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي وفي حديثه لـ«المجلة»، أكد أن القنب الهندي هو «المخدر الذي كان أكثر رواجا في الجزائر خلال السنوات السابقة»، وأوضح أن «هذه المادة تدخل الجزائر من حدودها الغربية، وتسجل سنويا عمليات حجز تفوق في حجمها مائة طن أو تفوق»، لكن الخطير في الأمر برأي خياطي أن «الكميات المحجوزة لا تمثل وفق تقديرات الخبراء سوى 10 في المائة من الكميات المتداولة في السوق وبين الجزائريين، ما يعكس حجم التحديات والمخاطر التي تواجه الجزائريين».ملتقي المخدرات في المدارس وعلى خلاف السنوات التي خلت فإن الجزائريين خلال الثلاث سنوات الأخيرة تفاجأوا بكميات الكوكايين المحتجزة من طرف الأمن وقوات الدرك، وهي الكميات التي بدأت ترتفع سنة بعد سنة، فبعد إن كانت تعد الكميات بالغرامات القليلة باتت الآن تحجز كميات بالقناطير، والسبب في ذلك يقول خياطي لـ«المجلة» أن «الجزائر كانت منطقة عبور فقط لهذه المادة لكنها أصبحت الآن بعد الكميات الضحمة المحتجزة جزءاً من السوق العالمية لهذه المادة الخطيرة، وسوقا للمخدرات الأخرى بشكل عام». وأوضح خياطي أن «أرقام الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والتي تشير إلى أن نسبة الشباب الذي يتعاطى المخدرات بين 15 و35 سنة تتجاوز 6 في المائة من مجموع الشباب الجزائري، وهي نسبة عالية جدا إذا ما قورنت بالنسب العالمية حيث تشير منظمة الصحة العالمية إلى معدل استهلاك لا يتجاوز 5 في المائة، ما يعني أن معدلات الاستهلاك في الجزائر تتجاوز متوسط المعدل العالمي لاستهلاك المخدرات، وهو أمر في غاية الخطورة». وأشار إلى أن «هذه السموم باتت تشكل خطرا محدقا بالشباب الجزائري الذي يمثل أكثر من 70 في المائة من مجموع الجزائريين، والدليل على ذلك تأثيرات هذه المادة التي تبرز من خلال حالات العنف ومعدلات الجريمة في المجتمع الجزائري، وخاصة في الملاعب، والتي تسجل سنويا تنامياً مطرداً وخطيراً يهدد تماسك المجتمع الجزائري». وعن أسباب الظاهرة يقول خياطي إن ثمة عوامل خارجية وأخرى داخلية، وأوضح أن «شبكات المتاجرة الدولية في المخدرات والمؤثرات العقلية ترى في الجزائر لأسباب اقتصادية سوقا واعدة وبابا خلفية نحو القارة الأوروبية ومنطقة المشرق العربي ودول الخليج، خاصة أن الولوج إلى الأسواق الأوروبية بات صعبا للغاية بسبب نظام المراقبة، ففي إسبانيا مثلا أقامت الحكومة سياجاً إلكترونياً عبر كامل حدودها مما يجعلها آمنة بشكل كبير جدا، لذلك تحاول هذه الشبكات استغلال الجزائر من خلال المهاجرين غير الشرعيين القادمين من أفريقيا من أجل إيصال شحنات من المخدرات في زوارق الهجرة غير الشرعية». وكشف أن 90 في المائة من الموقوفين في جرائم العنف والجريمة هم من فئة الشباب، وأكد أن عدد القضايا المسجلة سنويا في المحاكم الجزائرية تتجاوز 20 ألف قضية سنويا متعلقة بالمخدرات بعد أن كانت سابقا لا تتجاوز 6 آلاف قضية ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه المجتمع الجزائري. وأكد بالمناسبة أن 40 في المائة من نزلاء السجون في الجزائر مرتبطون بقضايا المخدرات، وشدد على أن السجون باتت مدارس للجريمة حيث عادة ما يتحول المدان في قضية استهلاك مخدرات إلى تاجر أو عضو ناشط في شبكة لتوزيع المخدرات بعد خروجه من السجن، مقترحا استبدال عقوبة السجن في هكذا قضايا بعقوبة النفع العام مع مرافقة طبية ونفسية وذلك يكون بمراجعة قانون 2004 المتعلق بمكافحة المخدرات، وقال إن تجربة مراكز معالجة الإدمان لم تؤت نتائج مشجعة حيث تتكفل بـ5000 مدمن فقط سنوياً، مشيراً إلى أن المدمنين يرفضون التعاطي مع مؤسسات عمومية رسمية، واقترح في هذا الصدد فتح مراكز «مجهولة» يشرف على تسييرها جمعيات محلية لمراعاة الخصوصية والسرية وتقريبها من الأحياء، زيادة على التكفل بالمدمنين نفسيا وهو الحلقة المفقودة في علاج الإدمان. وبالمقابل اقترح خياطي تطبيق نظام القوات المشتركة في مكافحة الجرائم المتعلقة بالمخدرات، والتي تتكون من عدة أجهزة أمنية هي قوات (الدرك والشرطة والجمارك) وهو النظام الذي كانت تطبقه الجزائر لمكافحة الإرهاب، وهو نفس النظام الذي قضت به إيطاليا على شبكات المخدرات، وهذا النظام حسب خياطي «يمكّن من متابعة شبكات الاتجار بالمخدرات بأكثر فعالية من خلال التنسيق المكثف وتبادل المعلومات وتنسيق التحركات باستغلال عامل الوقت».

مشاركة :