تحلم إنجلترا بلقب كبير منذ العام 1966، يوم توجت على أرضها بكأس العالم لكرة القدم، وبعد 52 عاما، يجد منتخب «الأسود الثلاثة» نفسه أمام فرصة مثالية للمضي قدما نحو لقب مونديال 2018، لكن يتوجب عليهم أولا تخطي العقبة الجدية المتمثلة بالسويد في لقاء الدور ربع النهائي اليوم في سامارا. وتحتاج إنجلترا إلى الكثير لتتمكن من تخطي السويد، المنتخب الذي وصل إلى هذه المرحلة بعدما أزال من طريقه أسماء من العيار الثقيل: هولندا في التصفيات الأوروبية، إيطاليا أبطال العالم أربع مرات في الملحق، وبطريقة غير مباشرة، ألمانيا حاملة اللقب في المجموعة السادسة لمونديال 2018. وسيحتاج الإنجليز أولا إلى نجاعة هجومية متمثلة بمواصلة القائد هاري كين شهيته التهديفية التي جعلته حتى الآن يتصدر ترتيب الهدافين مع ستة أهداف. كما تحتاج أيضا لاختراق الصلابة الدفاعية وتجانس المنتخب السويدي الذي حرم ثلاثة منتخبات من أصل أربعة واجهته في مونديال روسيا، من التسجيل. وفي غضون ستة أسابيع فقط من ارتداء شارة قيادة المنتخب الإنجليزي، أثبت هاري كين جدارته بشكل كبير وفرض شخصيته القيادية بشكل واضح، وهو ما يتطلع الفريق إلى مواصلة الاستفادة منه أمام السويد اليوم. ولم يتصدر المهاجم كين، 24 عاما، قائمة هدافي البطولة مع انتهاء الدورين الأول والثاني برصيد ستة أهداف فقط، وإنما أثبت قوة دوره في تعزيز ثقة وثبات زملائه بالفريق الذي يضم العديد من العناصر الشابة محدودة الخبرة. وجاء المثال الأبرز على ذلك في المباراة أمام كولومبيا في دور الستة عشر، عندما سجل هدفا للمنتخب الإنجليزي من ضربة جزاء بالوقت الأصلي، وبعد أن انتهى الوقتان الأصلي والإضافي بالتعادل 1 - 1. تولى كين تنفيذ أولى ضربات الجزاء الترجيحية وسجل منها بنجاح ليعزز ثقة زملائه. كذلك تواصلت نداءات كين لزملائه بالحفاظ على الهدوء خلال المباراة التي أقيمت وسط درجات حرارة عالية، وكان له دور بارز في رفع معنويات الفريق بعد أن أجبره المنتخب الكولومبي على خوض وقت إضافي إثر خطف هدف التعادل في الثواني الأخيرة من الوقت الأصلي. ورغم التألق الواضح له منذ انطلاق المونديال الروسي، لا يزال كين يرجع الفضل بشكل أكثر إلى روح الفريق، وهو ما يتسم به القائد الناجح بشكل عام. وقال كين عقب المباراة أمام كولومبيا: «تحدثنا جميعا عن الجماعية قبل البطولة، وكذلك قبل المباريات، ولكن هذا لا يتأكد بنسبة 100 في المائة حتى تصل إلى اللحظة التي تتطلب هذا وتقدمه بالفعل». وأضاف: «لقد استعرضنا الجماعية مثلما كنا نهدف، وأنا فخور للغاية وأتطلع إلى المباراة المقبلة». وسيحتاج اللاعبون الشبان في التشكيلة الإنجليزية إلى أن يكونوا أقوى ذهنيا من صدى التاريخ الذي سيتردد في أذهانهم عن العقدة السويدية، حيث لم يستطع الفريق في ثماني مباريات رسمية، من الفوز على السويد سوى مرة واحدة، وذلك بنتيجة 3 - 2 في الدور الأول لكأس أوروبا 2012 (مقابل فوزين للسويد وخمس تعادلات). الأكيد أن المنتخب الإنجليزي يزداد ثقة مع مرور الوقت في روسيا. وراهن مدربه غاريث ساوثغيت على لاعبين من الشباب، ولم يخسر رهانه حتى الآن. بل وفك عقدة تاريخية في الدور ثمن النهائي، بالنجاح في ركلات الترجيح للمرة الأولى في كأس العالم بعد ثلاث محاولات فاشلة. ويرى ساوثغيت أن لاعبيه أمام «فرصة قد لا تتكرر، عليهم الاستفادة إلى أقصى حد من الفرصة المتاحة لهم في مونديال 2018». وأضاف: «هذه فرصة رائعة، وعلى رغم أن فريقنا سيكون أفضل على المستوى الفردي خلال عامين، إلا أن هذه الفرصة قد لا تتكرر». وفي حال تغلبه على السويد، سيكون المنتخب الإنجليزي في الدور نصف النهائي للمرة الأولى منذ مونديال 1990، حين أقصي بركلات الترجيح أمام ألمانيا الغربية 4 - 3 (بعد التعادل في الوقتين الأصلي والإضافي 1 - 1). وكان التفوق على كولومبيا في الدور ثمن النهائي، الأول لإنجلترا بركلات الترجيح في كأس العالم بعد ثلاث محاولات فاشلة سابقة. وقال ساوثغيت: «علينا الاستمتاع باللحظات الجيدة، إلا أنني بعيد كل البعد عن أن أكون مثاليا. ارتكبنا الكثير من الأخطاء هنا، وسنرتكب المزيد مع محاولتنا المضي قدما، لذا أعتقد أن الانجراف خلف الأمور (أي التفكير بالدور نصف النهائي من الآن) هو أمر خطر». وشدد ساوثغيت على أن منتخب السويد الذي عرف بصلابته الدفاعية وتنظيمه في المونديال الحالي، يضم لاعبين «أكبر سنا، أكثر خبرة، ولديهم سجل أفضل منا». ويحتاج المنتخب الإنجليزي لإظهار أداء أفضل مما قدمه أمام كولومبيا، عندما بدا الفريق على وشك الوقوع مجددا في الفخ نفسه. وبعد التقدم 1 - صفر، عادل المنتخب الكولومبي في الدقيقة الثالثة من الوقت الضائع. امتدت المباراة إلى الكابوس الذي لطالما أرّق الإنجليز: ركلات الترجيح. لكن ابتسم الحظ على غير عادة، لكن التوجس هو من تكرار تجربة مريرة اليوم على غرار ما حدث في 1996 عندما فازت إنجلترا على إسبانيا في ربع نهائي كأس أوروبا بركلات الترجيح، ثم عادت وخسرت في نصف النهائي أمام ألمانيا بالسلاح نفسه. لا تزال كأس العالم الذهبية تدغدغ المخيلة الإنجليزية، وقالها المدافع جون ستونز بكل وضوح: «نريد أن نعيد الكأس إلى إنجلترا»، مهد كرة القدم الذي لم يكن على قدر هذا الحمل، واكتفى بلقب كبير يتيم في تاريخه. وأضاف: «أحب أن أفوز بكأس العالم، إنجلترا كلها تنتظر ذلك. مر زمن طويل منذ فزنا بها. نريد جعل الناس في بلادنا فخورين». وفي البطولتين الأخيرتين، كان الأداء الإنجليزي محرجا، إذ خرج المنتخب من الدور الأول في مونديال 2014، وثمن نهائي كأس أوروبا 2016، وهذه المرة، التحدي الإنجليزي أكبر، ويزداد حمله ثقلا إذا ما أدرك اللاعبون أن ركلات الترجيح ضد كولومبيا تابعها أكثر من 23 مليون إنجليزي عبر الشاشات. وقال ستونز لاعب مانشستر سيتي: «من الرائع أن نرى الدعم الذي نلقاه في بلادنا. الجميع يدعمنا، تصلني أشرطة فيديو وصور من الأصدقاء يتابعون المباريات، في المقاهي، أينما كانوا». وحول مواجهة السويد وهل يراها ستونز محطة سهلة نحو الدور نصف النهائي؟ أجاب المدافع القوى: «إذا ظننا ذلك سنكون أغبياء، أحيانا في إمكان منتخبات تراها سهلة لكنها تطيح بك، لا شك أنهم فريق جيد. وما كانوا ليصلوا إلى هذه المرحلة إذا لم يكونوا جيدين». وتصدر المنتخب الاسكندينافي مجموعة ضمت ألمانيا حاملة اللقب، والمكسيك وكوريا الجنوبية، وهو يخوض البطولة في غياب أبرز نجومه، زلاتان إبراهيموفيتش الذي اعتزل دوليا عام 2016. لكن القائد والهداف التاريخي السابق للسويد يرى أن منتخب بلاده يستطيع الفوز على إنجلترا وقد ينتهي به الحال فائزا باللقب إذا نجح في التعامل مع الضغوط. وقال إبراهيموفيتش من مقر ناديه لوس أنجليس غالاكسي التدريبي: «جائزة النجاح تزيد في أدوار خروج المهزوم. الأمر لا يتعلق بمدى جودة الفريق. الآن هناك الكثير من العواطف لأنه دور الثمانية. الفريق الذي يستطيع التعامل مع الضغط بشكل أفضل سيكون له أفضلية. نعم، أعتقد أن منتخب السويد بوسعه الفوز بكأس العالم مثلما قلت قبل بدء البطولة. تغلب على المكسيك وسويسرا أيضا. حقق نجاحا لم يتوقعه أحد». وأحرز إبراهيموفيتش 62 هدفا في 116 مباراة دولية مع السويد وثار جدل حول ما إذا كان على المدرب يان أندرسون إعادته للتشكيلة قبل نهائيات روسيا، لكن الأخير أشار إلى أن الفريق يؤدي بشكل أفضل بدونه. وقال إبراهيموفيتش: «الآن الأمر يتعلق بمباراة إنجلترا ونحن جميعا نساند فريقنا. جميع السويديين حول العالم يشعرون بالفخر وسيستمرون كذلك بغض النظر عن النتيجة». وصل السويديون إلى هذه المرحلة للمرة الأولى منذ مونديال 1994 حينما أنهوا مونديال الولايات المتحدة في المركز الثالث. وفرض أندرسون نظاما صارما في مجموعة تفتقد للنجوم والأسماء البارزة على الساحة العالمية. تلقوا هدفين وخسارة وحيدة في المونديال حتى الآن، وأتت أمام ألمانيا في مباراة لم تحسم نتيجتها سوى في الدقيقة الخامسة الأخيرة من الوقت بدل الضائع. ولا يركز المنتخب على الاستحواذ أو السيطرة، أو الضغط الهجومي أو الاستعراض. ويدرك أندرسون واللاعبون حدود المهارة الفردية في مواجهة المنتخبات الأخرى التي تضم نجوما من أندية كرة القدم الأوروبية. فلسفة اللعب السويدي مماثلة لما هي عليه البلاد: باردة، صبورة، وفعالة. وقال أندرياس غرانكفيست قائد السويد: «بطبيعة الحال لدى المنتخبات الأخرى لاعبون أفضل على الورق، وندعهم يحصلون على الكرة في الأماكن التي نريد لهم أن يحصلوا عليها فيها». وتابع: «إذا نظرتم إلى المباريات التي خضناها حتى الآن، بطبيعة الحال كانت نسبة الاستحواذ أكثر مع الخصم، إلا أننا خلقنا فرصا أخطر. هذه هي طريقة لعبنا... هذا هو طريقنا نحو النجاح».
مشاركة :