تبدأ عبقرية عميد الفكر العربي عباس محمود العقاد (29من شوال 1306 هـ الموافق 25-06-1889م» – (26-10-1383هـ الموافق 12-03-1964م) منذ نعومة أظفاره واضحةً جليةً في حبه للكتاب, الكتاب الذي هو مفتاح الحضارة والتغيير والتطوير، وحسبنا أن نتذكر القرآن الذي هو كتاب الله والذي أخرج الدنيا كلها من ظلمات العصور الوسطى إلى نور حضارة الإسلام وواحة الإيمان، ومن ثم يشق العقاد طريقه منذ صباه نحو الإبداع والتفرد، فنراه يدخر من مصروفه القليل القرش والقرشين لشراء الكتاب, وبهذه الطريقة اقتنى الكثير من أمهات كتب الأدب العربي من أمثال كتاب (أدب الكاتب) و(البيان والتبيين) و(الأمالي) و(ذيل الأمالي) و(العقد الفريد) وغيرها, ويذكر رحمه الله أن تلك الندرة في حصوله على الكتاب علمته طريقة مفيدة جدا في القراءة والتحصيل والاستيعاب لم يزل يلتزم بها طوال حياته، مُؤداها أن قراءة الكتاب الواحد ثلاث مرات أجدى وأنفع للقارئ من قراءة ثلاثة كتب, يقرأ كل كتاب منها مرة واحدة. ولقد تنوعت جوانب شخصية العقاد وتعددت قدراته, فتنوعت من ثم جوانب عطائه وإبداعه للمكتبة العربية والإسلامية والإنسانية, والمتتبع لتلكم الجوانب الثرية في عطاء الأستاذ العقاد يدرك الإجادة والتثبت في كل مجال أدلى بدلوه فيه حتى لتراه يَبُز المتخصصين فيه, ومن جوانب الشخصية العقادية المبدعة: 1- العقاد الشاعر 2- العقاد الناقد 3- العقاد اللغوي 4- العقاد السياسي 5- العقاد الباحث في الثقافة العلمية 6 - العقاد المفكر الإسلامي, فضلا عن خبرته في مملكة الصحافة والإعلام حيث بدأ العمل العام في حقل الصحافة وأجرى أول حوار صحفي مع الزعيم سعد زغلول ونشر في مجلة (الدستور) لصاحبها وأستاذه العلامة محمد فريد وجدي في العقد الأول من القرن العشرين. وتصدر مواهب العقاد في مقتبل حياته الثقافية موهبة الشعر التي ترجم من خلالها في قصائده التي ضمتها دواوينه المنشورة عن طبيعة خاصة ونظرة جديدة في الشعر، وجعل من شعره تطبيقا عمليا لآرائه النقدية لمفهوم الشعر ومجاله كما بلورتها النظرة النقدية لمدرسة (الديوان) وكتاباته النقدية التي من أهمها ما ضمه كتابه «شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي», ولقد كان حسنا أن يؤكد العقاد ومدرسة الديوان التي أسسها مع صاحبيه إبراهيم عبدالقادر المازني وعبدالرحمن شكري على ذاتية الشعر واتساع مجاله حتى يكون صورةً لحياة الشاعر وتعبيراً عن آماله وآلامه مهما دقت بعيدا عن الارتزاق بالشعر والتكسب به لدى ذوي الجاه والسلطان, وإن كنت أتحفظُ على موقف العقاد الذي سجله في كتابه «شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي» من شوقي رحمه الله، فشوقي أمير الشعر والشعراء وشعره -بالرغم من مآخذ العقاد- ملء العين والعقل والقلب, وقد بقي شعر شوقي وتموت أشعار كثيرة في المهد لكثير من العابثين وضعيفي الموهبة الذين أقحموا أنفسهم على عالم الشعر من دون أن يمتلكوا أدواتهم «كساعٍ إلى الهيجا بدون سلاح». - أما كون العقاد ناقدا فقد غلب على جوانب كثيرة من جوانب الإبداع لديه, وتجلى ذلك في مجمل الآراء النقدية التي بثها في الصحف الأدبية مع مختلف مدارس الشعر واتجاهاته سواء مع مدرسة البعث والتجديد أو مدرسة (أبوللو) أو من جاء بعدهم مما يعرف بالمدرسة الجديدة أو شعر التفعيلة, كما كان للعقاد دوره البارز في خدمة لغة الضاد وهي لغة الوحي الشريف ولغة الحضارة والعلم والأدب، وهي وعاء الثقافة وأداة المفكر وسلاح الباحثين في مختلف مناحي الفكر الإنساني, وقد كان العقاد مدركا لهذا الجانب فألف كتابه «لغتنا الشاعرة» الذي كشف من خلاله عن جوانب العبقرية في لغة الضاد, ونشاطه بهذا الصدد في مجمع اللغة العربية مشكور غير منكور وفي مجال البحث العلمي كان للعقاد بحوثه ومؤلفاته الخالدة. وأما في مجال العمل السياسي فكان للعقاد صولات وجولات, وكان –رحمه الله- ملء السمع والبصر, فقد شارك في ثورة 1919م, ضد الاحتلال الانجليزي لمصر وكان مقربا من الزعيم المصري سعد باشا زغلول, وكان مفضلا لديه على الوزراء والباشوات وكان يحاوره ويختلف معه, ومَثَلَ الأمةَ في المجلس النيابي بعضويته في مجلس النواب، فكان نصيرًا قويًا للدستور والحرية والكرامة الإنسانية التي بها تتحقق كرامة الإنسان الذي كرمه الله وخلقه حرًا إذ يقول تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» (الإسراء -70). - وأبرز ما يدل على عبقرية العقاد تناوله لعظماء الإسلام وقادته الأجلاء المؤسسين والفاتحين في ضوء المنهج النفسي في تحليل الشخصية ووضعه مفتاحاً وصِفةً نفسية محورية للولوج إلى تفسير عظمة الشخصية وسر تفردها وتميزها وعبقرية عطائها وإبداعها في الحياة, وبرع -رحمه الله- في تقديم تلكم الكوكبة في سلسلة (العبقريات) بصورة تجعلهم يمدون بأسباب الإعجاب والحب والقربى لتلك الشخصيات العبقرية التي تجاوز تأثيرها في التاريخ الإنساني المنطقة العربية وعالم الإسلام الفسيح للتأثير في التاريخ الإنساني بأسره, وقد كان لسلسلة (العبقريات) آثار عظيمة في نفوس القارئين والدارسين مما زاد إعجابهم بأبطال أمتهم الأشاوس وصناديد الإسلام المغاوير وساهم بجهد مشكور غير منكور في معارك التدافع الحضاري بين الإسلام وخصومه المبطلين من أذناب الثقافة الأجنبية المعادية لوجودنا وحضارتنا، ومما يذكر للعقاد أيضا في مجال الفكر الإسلامي فضلا عن (العبقريات) كتب أخرى كثيرة منها: (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه)، (التفكير فريضة إسلامية)، (عقائد المفكرين في القرن العشرين)، (بلال داعي السماء), (المرأة في الإسلام)، (الإنسان في القرآن الكريم)، (عاهل جزيرة العرب الملك عبدالعزيز) وغيرها الكثير والكثير من الكتب القيمة.
مشاركة :