الشارقة: محمدو لحبيب هو ابن مسرح الشارقة الوطني، وخريج كلية الإعلام من جامعتها ومن قسم الإخراج، ولأنها عاصمة ومركز ثقل للمسرح الإماراتي والعربي، لم يكن غريباً أن يتجه الشاب مهند كريم إلى حلمه، ويقرر خوض مغامرة الإخراج في مجال المسرح، بكل ما تكتنفه من تحديات ومشاق.انضم كما يقول مبكراً إلى فرق المسرح في الجامعة، وإلى دورات تكوينية عديدة في المجال أنجزتها دائرة الثقافة، واستطاع بكل ذلك أن يبلور تجربته التي يقول عنها في حوارنا معه، إنها لم تصل بعد لمجال الاحتراف، وأنها لا تزال في بداياتها. ونجح مهند حتى الآن في أن يترك بصمة واضحة في مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة لعام 2017 بعرضه «71 درجة»، المعد من مسرحية وليم شكسبير «تيتوس اندرونيكوس». واستطاع كذلك لفت الأنظار إلى موهبته الإخراجية، وعمقه في إعداد النصوص انطلاقاً من نصوص كلاسيكية معروفة، فقدم في أيام الشارقة المسرحية في نسختها الماضية عرضاً بعنوان: «ما بعد الإنسان»، استدعى من خلاله شخصية ريتشارد الثالث، كما وصفها شكسبير، وأخذه في رحلة إلى المستقبل، حيث ناقش جملة من الإشكاليات التي تواجه الإنسان في علاقته بأخيه الإنسان، واستكنه من خلال معالجة إخراجية متميزة مآلات البشرية.حول شغف هذا الشاب بالمسرح، وكلاسيكيات شكسبير، وكيف يمكن إثراء الساحة الإماراتية المسرحية بتجارب شبابية، وحول أمور متعلقة بذلك، «الخليج» التقته فكان هذا الحوار:بداية كيف تقيّم تجربتك في ظل الاشتغال المسرحي المتنامي والمتواصل في الإمارات؟ لا أعتبر نفسي محترفاً حتى الآن، والأمر كله بدأ بما يشبه الصدفة، أو الاشتغال بالشغف أثناء الدراسة في جامعة الشارقة، حيث أسست ومجموعة من أصدقائي فريقاً تحت عنوان: «نادي المسرح»، والذي استمر بعد الجامعة، وحالياً نحن تحت مظلة مسرح الشارقة الوطني. أما عن تقييمي لتجربتي فأظنها نجحت في جعلي وأصدقائي نُضمِّن أفكارنا في إطار المسرح، ذلك الكائن الذي يمكن أن يجمع كل الأفكار، ويصوغها على شكل فرجوي ممتع، ويقدم إضافة فكرية في نفس الوقت، ساعدنا في ذلك، هذا الاهتمام الكبير الذي توليه الشارقة للمسرح، ورعايتها له على أعلى المستويات، وهو ما ذلل كثيراً الصعوبات على مستوى العملية الإنتاجية المسرحية، واستطعنا فعل ذلك بداية من المسرح الجامعي، ووصلنا لأيام الشارقة المسرحية، ونطمح لتجاوز ذلك إلى فضاء المسرح العربي، ومع كل ذلك ما زلت أعتبر نفسي في البدايات. المتابع لما قدمته يلاحظ غلبة المحتوى «الشكسبيري» إن صحت التسمية عليه، بإمكاننا أن نتساءل: لمَ كل هذا الهوس بمسرح شكسبير؟ حالياً نحن بصدد الخروج مما أسميه التجربة الشكسبيرية نحو كتّاب آخرين معاصرين، وتلك التجربة أخذت منا أربع سنوات من الاشتغال عليها، وقدمنا من خلالها خمسة أعمال، وبصراحة التوغل في شكسبير هو توغل ممتع، والخروج منه هو عملية صعبة، فهذا الكاتب يقدم نصوصاً جزلة ذات معانٍ عميقة، وذات بلاغة لغوية مفرطة، لكن ما جعلنا نقدمه طوال تلك السنوات، هو رغبتنا في تقديم تناول حديث له، فالأعمال التي قدمناها له يمكن توصيفها بأنها تنتمي للتجريب المطلق وليس بنفس الروح الكلاسيكية التي توصف بها أعمال شكسبير.ورغم هذا الإبداع والعمق الإنساني الذي يوفره شكسبير، إلا أنني أرى أن استدعاءه لا ينبغي أن يصل لمرحلة الهوس به، أو مرحلة جعله مرجعاً لا يُمس في المسرح، بل العكس، إن القيمة الأبرز التي تنتج من الاشتغال على مسرحه، هي جعله ينطق بمحمولات ثقافية خارجة على النص، ولم يتطرق إليها بصراحة، وربما السبب الأبرز للاشتغال عليه، هو أن مسرحه يسمح بذلك التداعي الحر المنطلق منه.ولا يمكن الحديث عن غلبة للتجربة الشكسبيرية عندنا، فثمة تجارب أخرى نعتبر أنها أغنتنا وأفادتنا جداً، وهي تجربة المسرح الجامعي، وتجربة المسرح الصحراوي، وخصوصاً في إطار عملنا ضمن مسرحية «داعش والغبراء»، لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، التي كانت تجربة مؤثرة جداً عندنا.مسرحيتك الأخيرة في أيام الشارقة المسرحية بعنوان: «ما بعد الإنسان»، من أين نشأت هذه النظرة «الإنسانية» المتجاوزة نحو البعد العالمي في مسرحكم؟ أعتقد أن أي نص يعتمد الإنسان كمادة خام للبحث عليه، هو نص عالمي، والروافد الفكرية التي شكلت نزعتي لذلك، هي ربما القراءات المفتوحة والاطلاع الدائم على كل ما ينتج أو ينشر من أعمال أدبية أو فنية، وقد تعودت حين أشتغل على عمل معين، أن أقرأ عن كل ما يتعلق بذلك العمل، أقرأ في الأدب، في التاريخ، وأسمح لنفسي بالاقتباس من أي شيء يفيد العمل، ويعطيه بعداً إنسانياً عالمياً، وربما يمكنني القول إنه من خلال كل ذلك، نشأت عندي تلك النظرة التي نتحدث عنها.كيف يمكن توظيف تجربتك كشاب، وهذه النظرة التي تحدثتم عنها، في رفد ودعم المسرح المحلي في الإمارات، والاشتغال على نصوصه المكتوبة باللهجة المحلية؟ النصوص المحلية هنا، هي نصوص مهمة جداً، وقوية جداً، لكنني أرى أنها تحتاج لكسر التقليدية في التعامل معها، والانطلاق منها للوصول إلى آفاق كبيرة وعظيمة، وأرى أنه بالإمكان سحب ما يعرف بالنصوص الكلاسيكية العالمية في المسرح، نحو الاشتغال عليها بالأبعاد والمضامين المحلية، وأعتقد أن ذلك إن تحقق سيكون عملاً ممتازاً من الناحية المسرحية، وبالنسبة للهجة المحلية، أعتقد أننا يمكن أن نعمل بها في إطار آفاق محددة، لكن الفصحى تظل تمنحنا الفرصة للعبور لفضاءات أكثر شمولاً وتنوعاً في المسرح، وبشكل عام يمكنني القول إنني مع كسر كل القوالب الجامدة، سواء في تعاملنا بالفصحى أو باللهجة في المسرح، ومع استحداث أنماط جديدة في الإخراج، والتمثيل، والتعامل مع النصوص، والتعامل مع مضامينها بغية تقديم شيء متميز، وفكرة إنسانية تبقى طويلاً.
مشاركة :