الفساد في العراق مستمر حتى بعد الحرب مع «داعش»

  • 7/7/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يختلف العراقيون على أشياء كثيرة، لكنهم يتفقون على قضية أنهم يعيشون في واحدة من أكثر دول العالم فسادا، فهم يرون أنفسهم ضحايا لدولة متخلفة، حيث اختفت مئات المليارات من الدولارات في جيوب النخبة الحاكمة على مدى السنوات الـ15 الماضية، بينما يعاني باقي السكان من نقص في كل شيء من الوظائف والمنازل إلى الماء والكهرباء. وفي مقال نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، يقول الكاتب باتريك كوبيرن، إن الغضب الشعبي ضد الطبقة السياسية التي جاءت إلى السلطة في عام 2003 يفسر تقدم حركة سائرون التي يتزعمها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي يطالب بالإصلاح السياسي والاجتماعي في انتخابات البرلمان في مايو/أيار الماضي. ومع ذلك، فإن نسبة التصويت المنخفضة في الانتخابات التي بلغت 44.5% فقط تدلل على وجود قناعة لدى قطاع كبير من السكان أن شيئا كبيرا لن يتغير مهما كان شكل الحكومة القادمة. ويتابع الكاتب، أنه من المستحيل التعبير عن مدى إحباط العراقيين الذين يعرفون أنهم يعيشون في دولة غنية محتملة، فهي ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك، لكنهم يرون أن ثروتها تسرق أمام أعينهم سنة تلو الأخرى. ويروي أنه كان في مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار غرب بغداد، وأنه قابل مهندسا متقاعدا انتهى لتوه من إعادة بناء منزله الذي دُمر في غارة جوية، وقال “لقد فعلت ذلك بنفسي ولم أحصل على أي تعويض من الحكومة”. وأضاف المهندس بمرارة أن بعض من كانت منازلهم سليمة إلى حد كبير قد حصلوا على تعويضات، لأنهم بخلافه قاموا برشوة المسؤولين المعنيين، ثم صرخ قائلا “اكتبوا أن العراق ليس لديه حكومة، فكلهم لصوص”. وينقل عن تجار في العاصمة بغداد كيف أنهم فقدوا الثقة بالحكومة وبسبب عدم مصداقيتها، وبسبب الفساد المتفشي فهم “يطلبون الرشى في كل مكان”. وإضافة لذلك، فحجم الخدمات التي تقدمها الحكومة حتى في المناطق الراقية متدن بشكل كبير، ويبرز ذلك واضحا في أكوام القمامة المتراكمة في الشوارع إضافة إلى نقص إمدادات الكهرباء والماء. أما الشباب “فجيل ضائع، لا يستطيعون أن يتزوجوا لأنهم لا يملكون فرص عمل ولا أي آفاق إلا إذا كانوا يعرفون شخصا في الحكومة”. ويضيف الكاتب، أن أمثلة غريبة من السرقات الحكومية تكررت منذ أن استلمت طبقة جديدة من القادة معظمهم من الشيعة والأكراد السلطة في العراق بعد الغزو الأميركي. ومن هذه الأمثلة، أنه في الفترة بين عامي (2004 و2005) عندما كان من المفترض أن الحكومة العراقية تقاتل اختفت ميزانية المشتريات العسكرية التي تبلغ 1.3 مليار دولار. بعد ذلك ببضع سنوات –يضيف الكاتب- وفي ظل الهجمات الانتحارية المكثفة، كانت الشرطة عند نقاط التفتيش في بغداد تحاول اكتشاف السيارات المفخخة بجهاز لا فائدة منه يكلف بضعة دولارات بينما اشترتها بعشرات آلاف الدولارات. ويتساءل الكاتب أنه كيف أفلتت الحكومات المتعاقبة بهذه السرقات الصارخة؟ يجيب، أنهم استطاعوا أن يحولوا أنظار المواطنين عن سرقاتهم لعائدات النفط من خلال الادعاء بأن الحرب ضد تنظيم القاعدة ومن بعده الدولة الإسلامية هو الشيء الوحيد المهم، داعين إلى التضامن مع الشيعة والأكراد في شمال العراق. لكن بعد مرور عام على انحياز داعش عن الموصل –يضيف الكاتب- لم تعد هذه الأعذار صالحة، فالأمن في أفضل حالاته منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، لذا فإن العراقيين أكثر وعيا من أي وقت مضى بفشل القيادة وجهاز الدولة. ويوجه الكاتب كلامه للشعب في العراق، ويقول إن لعنة الفساد ليست فريدة من نوعها في بلادهم، فجميع الدول التي تستمد ثرواتها بالكامل من استغلال مواردها الطبيعية تعمل بالمثل، فهناك أعضاء النخبة الحاكمة المفترسة يدخلون في إيرادات الدولة ويمسكون بمخالبهم بقدر ما يستطيعون. ويوضح أن النفقات الزائدة التي تفرضها الدوائر الحاكمة في هذه البلدان سيئة السمعة، لكنها ليست المستفيدة الوحيدة، ففي كل هذه الدول توجد أنظمة رعاية واسعة حيث يحصل عدد كبير من السكان على وظائف أو يتلقى رواتب رغم عدم الحاجة إلى عمل. قد يندد العراقيون والسعوديون بالفساد في النخب الحاكمة، لكن الملايين منهم لديهم حصة في النظام مما يمنحه بعض الاستقرار، ففي العراق مثلا يعمل حوالي 4.5 ملايين عراقي لصالح الدولة، وهي وظائف يود آخرون الحصول عليها. ويتابع الكاتب، أن دعوة بعض الزعماء السياسيين إلى الإصلاح ومكافحة الفساد تكتنفها الخطورة على مكتسباتهم السياسية، لأن شبكات الفساد والمحسوبية فرضت نفسها منذ فترة طويلة وتضطلع بالعديد من الأشخاص والأحزاب القوية. ويقدم الكاتب خلاصة بقوله، إن “حملات مكافحة الفساد” في العراق، غالبا ما تكون مجرد مجموعة واحدة من الأثرياء الفاعلين الذين يحاولون أن يحلوا مكان مجموعة أخرى في الحكم. ونظام المحسوبية هو الطريقة الوحيدة التي يحصل بها العديد من العراقيين على حصة من عائدات النفط، وسوف يقاومون حرمانهم من هذا في المصلحة المفترضة بإنشاء نظام وظيفي أكبر. في العراق -يقول الكاتب- تعمل آليات الفساد بطريقة مختلفة قليلا عن أي مكان آخر بسبب دور الأحزاب السياسية، “وقد أخبرني مظهر صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء حيدر العبادي أنه “ما لم يتم تغيير النظام السياسي، فمن المستحيل محاربة الفساد”. وقال إن السبب في ذلك هو أن الأحزاب تستخدم الوزارات الحكومية التي تسيطر عليها كأبقار نقدية وآلات رعاية تحافظ من خلالها على سلطتها. ويختم بقوله “إنه لا يمكن القضاء على الفساد في العراق، ولكن يمكن أن يكون أقل تدميرا، وسيبقى الفساد لكن في المستقبل يمكن للعراقيين على الأقل أن يأملوا في الحصول على شيء مقابل أموالهم”.

مشاركة :