تناول تقرير «الشال» الاقتصادي الأسبوعي الحالة المالية للدولة، وقال: ان صدقت الأرقام المنشورة حول الاحتياطيات المالية للدولة، بشقيها، أي احتياطي الأجيال القادمة والاحتياطي العام، فالأرقام التي نشرتها وكالة «فيتش» مقاربة جداً للمنشور مؤخراً (المحرر: في القبس بتاريخ 28 يونيو 2018) حول حجمهما البالغ نحو 178 مليار دينار كويتي أو نحو 590 مليار دولار أميركي. وبات معلنا رسمياً حجم الاحتياطي العام البالغ نحو 26 مليار دينار كويتي، ذلك يعني أن حجم احتياطي الأجيال القادمة بحدود 152 مليار دينار كويتي، أو نحو 500 مليار دولار أميركي لاحتياطي الأجيال القادمة، ونحو 90 مليار دولار أميركي للاحتياطي العام. ما لا نعرفه هو، أولاً، ما اذا كان ذلك هو الحجم الصافي أو الاجمالي، أي ما اذا كانت الالتزامات على المالية العامة منه قد خصمت أو لم تخصم، وما لا نعرفه ثانياً، هو مدى جودة مكوناتهما ودقة تقييم قيمة تلك الأصول، وثالثاً ما اذا كان لدى مؤسسات عامة أخرى ما يمكن أن يضاف اليهما مثل الجدل الدائر حالياً حول ما لدى «مؤسسة البترول الكويتية». وقبل الدخول في بعض التفاصيل، لابد من ذكر أن العنوان «الحالة المالية للدولة» عنوان خاطئ، فالحالة المالية أوسع من اعطاء تقدير لحجم الاحتياطيات، فالحالة المالية تتعلق باستدامة المالية العامة على المدى المنظور، وتلك الاحتياطيات جزء من مكونات احتسابها. وحتى اعتبار عرض اجماليات لقيمة تلك الاحتياطيات من دون استعراض سياساتهما ومكوناتهما قطاعياً وجغرافياً وأهداف تلك التوزيعات وتوقعات الأداء ومدى النجاح في انجازها، هو في الواقع لا يرقى الى مستوى عرض حالة تلك الاحتياطيات، ونحن قطعاً لا نطمح الى بلوغ مستوى عرض صندوق النرويج السيادي المتاح بتفاصيله لأي متابع، ولكن الى حدود مستوى متواضع مما نقرأه على موقعه هناك، في كل ثانية. ويبقى المستوى الذي بلغه حجم الاحتياطيات هي الحسنة الوحيدة والمهمة لعصر رواج سوق النفط الذي توقف في خريف 2014، وبناء الاستراتيجيات لاستدامة المالية العامة، لابد أن تكون أولى أولياته هي استغلال عنصر القوة المتاح والبناء عليه. واستدامة المالية التي تعكس الحالة المالية الحقيقية للدولة، هي في تمويل المالية العامة من مصدر مستدام، وفي الحقبة الحالية، دخل تلك الاحتياطيات هو المصدر الرئيسي المستدام. وبتغيير وظيفة تلك الاحتياطيات، وذلك يحتاج الى جهد ضخم، وتحديد هدف لها بتمويل ايراداتها لنحو نصف النفقات العامة للسنوات الخمس القادمة، يمكن أن تتخلص البلد من التبعية شبه الكاملة للايرادات النفطية. ولو افترضنا أن ايرادات الاحتياطي العام صفر، وأن تركيزاً سوف ينصب على تغيير وظيفة احتياطي الأجيال القادمة ليحقق معدل %6 على مدى السنوات الخمس القادمة، وهي الحدود الدنيا المطلوبة لصناديق التقاعد، وفقط على حجمه الحالي البالغ 500 مليار دولار أميركي، ذلك يعني تمويل المالية العامة بنحو 30 مليار دولار أميركي، سنوياً أو نحو 9 مليارات دينار كويتي. ومع ضغط حقيقي لسقف النفقات العامة يوقف هدرها وفسادها، ومع بعض السياسات الضريبية، سوف تجد الكويت نفسها سائرة بشكل أقرب على خطى النرويج، وان ظل الفارق كبيراً. والأوضاع الاستثنائية، مثل ضعف طويل الأمد لسوق النفط قياساً لما كان عليه عندما كانت أسعار النفط الكويتي فوق الـ 100 دولار أميركي بهامش كبير، ومع الأخذ في الاعتبار بأن القادمين من صغار المواطنين الى سوق العمل خلال 15 سنة بعدد من فيه حالياً، أي أكثر من 400 ألف مواطن، لابد من تبني سياسات واجراءات استثنائية. ورغم كل ما ارتكبته السياسات المالية من خطايا في حقبة رواج سوق النفط، هناك امكانية في المستقبل لاحتواء ما هو أسوأ بكثير كلما بكرنا في تبني حلول استباقية استثنائية، وحريق المالية العامة هو أخطر ما هو قادم.
مشاركة :