يعرف الأطباء حالة الخرف بأنها مرض تصاب فيه الوظائف الإدراكية بالضرر، ومنها القدرة على التفكير، والعقلية مثل الوظائف العاطفية والسلوكية لأضرار كبيرة.ويؤثر الخرف بصورة متدرجة في الذاكرة والقدرة على التفكير، والإلمام بالمكان والزمان، ثم تصاب قدرة المصاب بالمرض على القيام بالأعمال اليومية والتواصل مع الآخرين بانخفاض تدريجي.يعاني المريض، نتيجة تطور الإصابة، من البلبلة والغضب والشك، وتصل عند بعض المصابين إلى نوبات من العنف، كما تصاب القدرات البدنية بالضرر مع مرور الزمن.ويشير الأطباء إلى أن هناك ما يزيد على 50 شكلاً لمرض الخرف، حيث تموت خلايا معينة من المخ؛ بسبب الإصابة بأي شكل من أشكال الخرف.نتناول في هذا الموضوع مرض الخرف والعوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، إضافة إلى طرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج التقليدية والحديثة. متلازمة وليس مرضاً صنف الخبراء خرف الشيخوخة بأنه متلازمة وليس مرضاً، أي أنه يشتمل على عدد من الأعراض لا يوجد لها تشخيص محدد.ويشمل الخرف العديد من الحالات المرضية، والتي يعد الزهايمر واحداً منها، لكنه الأكثر انتشاراً، ولذلك فالخرف هو المصطلح الأشمل، بينما الزهايمر هو شكل من أشكال الخرف، وتزداد حالة المصاب به مع مرور الوقت سوءاً، فيؤثر في الذاكرة واللغة والتفكير.يزيد خطر الإصابة بالخرف مع التقدم بالعمر، وذلك على الرغم من أن الشباب يكون عرضة أيضاً للإصابة بالخرف، ومن الجائز أن تتداخل أعراض الخرف والزهايمر؛ ولذلك ينبغي معرفة الفرق بينهما.ويسمى أحد الأنواع بالخرف الجبهي الصدغي، وفيه تموت خلايا الفصين الجبهي والصدغي من المخ، وتوضح الدراسات أن المصاب بهذا الشكل من الخرف يصبح شخصاً آخر، حيث تتغير السمات الشخصية للمريض، ويصاب باضطرابات لغوية وسلوكية.وفي العادة فإن المريض بالخرف الجبهي الصدغي لا يلاحظ هذه التغيرات التي تحدث له، وهذا الأمر يتسبب في عبء على المحيطين به، ويصاب بالخرف الجبهي الصدغي من 5% إلى 10% من مرضى الخرف بصفة عامة. موت الخلايا يعتبر السبب الرئيسي في الإصابة بالخرف هو تراكم مجموعة معينة من البروتينات في الخلايا العصبية الدماغية، وهو ما يتسبب في أن تفقد الاتصال بالخلايا المحيطة بها، وبالتالي تتوقف عن العمل وتموت.ورصدت الأبحاث عدداً من التركيبات الغريبة في أدمغة المصابين بالخرف، والتي تحوي أنواعاً من البروتينات، ويعتقد بوجود دور لهذه الأجسام في ظهور الأعراض.وترتبط بعض أنواع الخرف بالأوعية الدموية التي تغذي الدماغ، حيث تموت خلايا المخ بسبب انقطاع الغذاء والأكسجين عنها، وترتبط الإصابة ببعض الأمراض بحدوث مشكلة الخرف مثل الزهايمر، ويصيب النساء أكثر من الرجال بمقدار 3 أضعاف، ومرض باركنسون، وكسل الغدة الدرقية، وبعض الأمراض الوراثية مثل هنتغتون.ويؤدي كذلك نقص الفيتامينات وسوء التغذية، مثل نقص مجموعة فيتامينات ب12، وب3، وب9، وأيضاً التعرض لكمية كبيرة من الأدوية أو مواد معينة مثل الزئبق.ويزيد من خطر الإصابة بالخرف التقدم في السن، ووجود تاريخ عائلي مرضي، والتدخين وشرب الكحوليات، والاضطرابات العقلية البسيطة، ومتلازمة داون. ضعف الذاكرة الآنية يتعرض المصاب بالخرف لعدد من الظواهر والأعراض، والتي تؤثر في أداء مهامه اليومية، ومن هذه الأعراض ضعف أداء وقدرات الذاكرة الآنية، ويعتبر هذا العرض أبرز علامة على الإصابة بالخرف، ويقصد بالذاكرة الآنية الذاكرة قصيرة الأمد، فلا يكون في استطاعة المصاب على سبيل المثال تذكر من قابلهم بالأمس.ويجد المريض صعوبة في تخطيط النشاطات وضعفاً في حل ما يقابله من مشاكل، فلا يستطيع التعامل مع الأرقام أو البرامج، أو التجهيز لوظائف متعددة المراحل، مثل تحضير وجبة طعام ذات وصفة معينة، ويجابه المصاب بالخرف صعوبة في إتمام المهام التي اعتاد على أدائها سابقاً، مثل قواعد لعبة ما كان يمارسها.ويفقد معظم المصابين الإحساس بالزمن، فلا يعرف كم مر من الوقت، أو يجد صعوبة في استيعاب ما حدث في أوقات مختلفة، وتعد مشاكل الإبصار أبرز علامات الإصابة بالخرف، فلا يستطيع المريض القراءة بيسر، ولا يستطيع تحديد الألوان أو تقييم الأبعاد.ويعاني مريض الخرف صعوباتٍ في النطق، فيمكن أن يتوقف في منتصف الجملة دون أن يعرف كيف ينهيها، ويجد صعوبة في نطق المصطلحات، ويعاني المصابون من وضع أشيائهم الثمينة في أماكن غير معتادة، ثم لا يستطيعون تذكر مكان إخفائها، وهو ما يدفعهم إلى اتهام أفراد العائلة أو المحيطين بهم من خدم أو ممرضين بالسرقة.ويفقد المريض كذلك المقدرة على تقييم وتقدير الأمور، وعلى الأداء خاصة ما يتعلق بالأمور المالية، أو اختيار الملابس الملائمة، ويؤدي هبوط أداء الدماغ إلى تأثر المهام اليومية، فيمر المريض بتغييرات عقلية وجسدية، ويعاني الانطوائية والانزواء، ويبتعد عن عائلته ويقلل من علاقاته الاجتماعية. ويمكن أن يتغير مزاج مريض الخرف وتتبدل سماته الشخصية، فيصبح كثير الارتباك والشك فيمن حوله، ويعاني اكتئاباً أو خوفاً أو قلقاً. أكثر بطئاً يتعرض مريض الخرف، إضافة إلى الأعراض الذهنية والنفسية السابقة، إلى عدد من الأعراض الحركية، مثل أن يمشي بشكل أبطأ ومختلف عما اعتاد، ويتسم بالبطء وكذلك في الانتقال من الجلوس إلى الوقوف.ويعاني السقوط نتيجة ضعف القدرة التفكيرية أكثر من غيره من المسنين، ويجب الانتباه عند تعرضه للسقوط؛ لأنه يعرضه لمخاطر كثيرة، ويمكن أن يكون فقدان الوزن إحدى علامات الخرف، خاصة بعد استبعاد الأسباب الأخرى.وتحدث اضطرابات في البول، تبدأ بالحاجة المتواترة والمتزايدة للتبول، وتنتهي بسلس البول، ويمكن أن تحدث أيضاً حالات من خروج الفضلات بشكل لا إرادي ودون تنبيه سابق وهو السلس المستقيمي، وهذه الظواهر تتعلق بانعدام الرقابة والتحكم المركزي بالأداء المستقل للأعضاء المسؤولة عن إفراز البول أو الفضلات. تأثر وظائف الجسم تتأثر أغلب وظائف الجسم الحيوية نتيجة الإصابة بخرف الشيخوخة، وبالتالي يصاب المريض بسوء التغذية، وإهمال النظافة الشخصية، واضطرابات النوم، ويجد المصاب صعوبة في التواصل مع المحيطين، وهو ما يؤدي إلى الانعزال والاكتئاب. وتتغير شخصيته وسلوكه، ويقوم بتصرفات غريبة، ويمكن أن يصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يؤذي نفسه أو الآخرين، وتؤدي كثرة نسيانه إلى عدم تذكره مواعيد الأدوية، وهو ما يترتب عليه مضاعفات أخرى.ويصاب بنقص الانتباه والوعي، وهو ما يؤثر أيضاً في أدائه لوظائف الحياة اليومية، ويمكن أن يتعرض للسقوط والإصابة بكسر في العظم، ويصاب بقرح الفراش بسبب طوال بقائه في السرير. تحاليل مهمة يجب قبل تحديد خطة العلاج استبعاد الأمراض الأخرى، وعلى سبيل المثال ارتفاع ضغط الدم، والاستسقاء الدماغي، ونقص فيتامين ب12.ويقوم الطبيب المعالج بالحصول على التاريخ المرضي من حيث نوعية الأعراض وبدايتها، وكذلك تقييم الحالة النفسية، وتقييم الجهاز العصبي من حيث الإحساس، وردود الفعل المنعكسة والتوازن.ويجري كذلك اختبارات نفسية وعقلية يقيس فيها قدرة الذاكرة، ومهارات اللغة والحساب، وغيرها من القدرات المرتبطة بحالة المريض العقلية. ويتم إجراء مجموعة من التحاليل حتى يستبعد الحالات المشابهة، ومن هذه التحاليل صورة دم كاملة، وقياس مستوى السكر بالدم، وتحليل بول وفحص السموم بالجسم. عالج السبب يستفيد المريض من بعض العلاجات المتاحة، مثل العقاقير التي تعمل على تحسين حالته، كما أنها تبطئ من تقدم المرض؛ حيث إنه لا يوجد علاج يمكنه شفاء المرض أو منع تقدمه، وكذلك التدريبات الذهنية التي تحسن ذاكرة المريض.ويعتمد علاج مرض خرف الشيخوخة على السبب، وعلى سبيل المثال إذا كان وراء الإصابة مرض الزهايمر فإن الأدوية تعمل على تخفيف الأعراض والتعايش مع المرض، وإذا كان السبب إصابة المريض بالاكتئاب، فمضادات الاكتئاب تلعب دوراً في تخفيف الحالة.ويمكن أن يفيد العلاج السلوكي في جعل المريض يتكيف مع بيئته المحيطة، وعلى القيام بوظائف متعددة، وفي الأغلب فإن حالات الخرف التي لا يعرف لها سبب لا يمكن علاجها.وتتدهور مثل هذه الحالات ببطء أو بشكل سريع حتى الوفاة، وذلك في مدى زمني يتراوح بين 15 سنة و20 سنة، ويعتمد ذلك على عدة عوامل منها السن والجنس ودرجة تأثير الداء. معدلات متوسط العمر تشير تقديرات المنظمات العالمية إلى أن هناك حوالي ما يقرب من 49 مليون مصاب بالخرف على مستوى العالم، ويتوقع أن يزداد عدد المصابين بالمرض مع ارتفاع معدلات متوسط العمر، حيث يرتفع إلى 3 أمثال الرقم الحالي في غضون 30 عاماً المقبلة، ويكاد أن يتجاوز خرف الشيخوخة أمراض القلب كسبب للوفاة في بعض الدول المتقدمة.يمكن أن يعاني المصاب بأكثر من نوع من الخرف، وهو ما يطلق عليه الخرف المختلط، وهذا النوع لا يتم تشخيصه بدقة إلا بتشريح الدماغ.يشير الأطباء والخبراء إلى أن أغلب حالات خرف الشيخوخة يمكن الوقاية منها من خلال تحسين نمط المعيشة، وعلى سبيل المثال ضبط مستويات السكر والكوليسترول في الدم.وكذلك الإقلاع عن التدخين، والاهتمام بنوعية الطعام الصحي، وممارسة الرياضة والأنشطة البدنية، وكذلك ممارسة الألعاب التي تعمل على تنشيط الدماغ مثل الكلمات المتقاطعة. وتقلل كل هذه الإجراءات من خطر الإصابة بمرض خرف الشيخوخة مستقبلاً، ويجب تشجيع المريض على حمل مذكرة يومية يكتب فيها الأحداث والمهام التي يجب القيام بها، حيث يؤدي المرض إلى فقدان كثير من الأشخاص القدرة على الاهتمام بأنفسهم، ويحتاجون إلى رعاية تمريضية كاملة.
مشاركة :