إن المجتمع الإسلامي يقوم على قاعدة صحيحة، تنبثق منها نظمه وأحكامه وآدابه، هذه العقيدة هي الإسلام، ومن هنا جاءت تسميته بالمجتمع الإسلامي؛ لأنه يتخذ الإسلام منهاجاً لحياته، ودستوراً لحكمه، ومصدراً لتشريعه، وتوجيهاً في كل شؤون الحياة. والإسلام يقيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أسس وطيدة من التسامح، والعدالة، والرحمة، وهي أسس لم تعرفها البشرية قبل الإسلام. وأساس هذه العلاقة مع غير المسلمين قوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”. حرية العقيدة أمر كفله الإسلام، فقد كفل حرية العقيدة لأهل الكتاب، وحرية إقامة شعائرهم، وصان لهم حرية التعبّد، والاعتقاد من غير إجبار، ولا إكراه، ولا ضغوط. والتسامح الإسلامي مع غير المسلمين من أهل الكتاب حقيقة ثابتة من الكتاب والسنة، وشهد بها التاريخ منذ عهد الخلفاء الراشدين، وشهد بها الواقع الحاضر في بلاد المسلمين؛ حيث تتجاور فيه الجوامع والكنائس، وتسمع صيحات الأذان، ودقات النواقيس، وتعيش الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين تنعم بالأمان والاستقرار. وما اتسم به المسلمون من التسامح مع غير المسلمين ندر أن يوجد في الحضارات السابقة أو اللاحقة؛ فقد كانت الأوامر الشرعية تقضي باحترام دور عبادة غير المسلمين، ومنع الاعتداء عليهم، واحترام إنسانية أصحاب الأديان المخالفة احتراماً كاملاً يمتد إلى احترام آدميتهم، وكرامتهم، وأعراضهم، وأموالهم. كما روى أبو يوسف في كتاب “الخراج” ما جاء في عهد النبي لأهل نجران: “ولنجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله، على أموالهم وملتهم وبِيَعهم وكل ما تحت أيدهم من قليل أو كثير..”. وحرية العقيدة أمر كفله الإسلام؛ فقد كفل حرية العقيدة لأهل الكتاب، وحرية إقامة شعائرهم، وصان لهم حرية التعبّد، والاعتقاد من غير إجبار، ولا إكراه، ولا ضغوط، قال تعالى: ” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”. وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات: “.. ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاؤوا من ليل أو نهار، إلا في أوقات الصلاة، وأن يخرجوا الصلبان في عيدهم”. وكفل لهم الإسلام حق حماية دمائهم، وأنفسهم، وأبدانهم، وقتلهم حرام بالإجماع. قال النبي صلى الله عليه وسلم “من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً”. ويتمتعون بكفالة الإسلام لهم عند العجز والفقر وغير ذلك، فقد ضمن لهم كفالة المعيشة الملائمة لهم؛ لأنهم يعيشون في حضانة المجتمع الإسلامي. وجاء ذلك في قصة من أروع قصص الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما رأى شيخاً يهودياً يسأل الناس، فسأله عن ذلك، فعرف أن الشيخوخة والحاجة ألجأته إلى ذلك، فأمر أن يفرض له ولأمثاله من بيت المال ما يكفيهم، ويصلح شأنهم، وقال في ذلك: ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية شاباً، ثم نخذله عند الهرم. والأمثلة في التعامل مع غير المسلمين والإحسان إليهم كثيرة، وهي توقظ مشاعر المتطرفين المتشددين إلى عدم الإساءة لديننا الحنيف؛ لأن الله أمر بالإحسان، وأثبت بذلك نبيه في هديه وسيرته العطرة، ثم صحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم.
مشاركة :