مؤتمر دولي كبير في المغرب لحماية التراث الموسيقي للعالم الإسلامي

  • 7/9/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعد عشر سنوات على مؤتمر “الموسيقى في عالم الإسلام” الذي احتضنته أصيلة، انعقد مؤخرا في المدينة الساحلية المغربية المؤتمر الدولي حول “صون ونقل الموسيقى في العالم الإسلامي” والذي نظمته مؤسسة منتــدى أصيلة بالتعــاون مع دار ثقافات العالم في باريس وذلك يومي 5 و6 يوليو الجاري، في إطار فعاليات الدورة الأربعين للموسم الثقافي الدولي لأصيلة والنسخة الثالثة والثلاثين لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية، بمساهمة مختصين دوليين في المجال الموسيقي والعلوم المرتبطة به. وحسب شريف خزندار رئيس المؤتمر، واعتبارا للظروف التي تمر بها مجتمعاتنا العربية صار لزاما علينا الحفاظ على الأساليب الموسيقية المتنوعة وتواصل المعارف الموسيقية، وفي هذا السياق، يقول إن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، ومنذ مؤتمر الموسيقى في عالم الإسلام في العام 2007، قامت بالتعاون مع المكتبة الوطنية بفرنسا بترقيم ونشر مجموع التسجيلات التي تمت في مؤتمر القاهرة سنة 1932، لذلك تسعى “مؤسسة أصيلة” و”دار ثقافات العالم” إلى متابعة مشروعهما الرامي إلى التوعية بالثروة وتنوع الأساليب الموسيقية المتبعة في جغرافيا العالم الإسلامي، وتحفيز الباحثين الموسيقيين وعامة الشغوفين بالموسيقى للقيام بذلك. أغاني المهد تدخل أغاني المهد في إطار تقييم والحفاظ على الموروث الفن الموسيقي العربي والإسلامي الذي عالجه المختصون في مؤتمر الموسيقى بأصيلة، وفي زيارتها الميدانية بالسنغال قالت لوسيانا بينا دياو، رئيسة الجمعية الفرنسية للموسيقى الإثنولوجية، إن جودة الأداء في أغاني المهد بإقليم كايون لها ملامح متشابهة مع مجتمعات أخرى وجماعات احترافية رغم اختلاف اللغات. ورصدت الباحثة أنه من الناحية الموسيقية في الأغاني هناك تميز بتتابع الكلام تارة، وبالموسيقى دون كلام تارة أخرى. وقالت لوسياينا إن مواضيع أغاني الأم للطفل تجمع بين ما يعبر عن مشاعر الألم والفرح، وتلك التي تتأمل ما سيكون عليه الطفل مستقبلا، وأغاني تزرع فيه فكرة اهتمامه بوالديه عندما يكبران، كما أن هناك من الأغاني ما يسعى إلى تطوير الطفل وتقوية علاقته مع أمه ومحيطه، ويتعود على الاحتكاك مع غيره عندما يتنقل من يد لأخرى، مؤكدة أن موسيقى المهد ذهبت بعيدا في ربط علاقات عائلية بالسنغال. وأغاني المهد مليئة بلغة الإشارة وحركات وإيقاعات موسيقية، تقول لوسيانا بينا دياو إن المرأة تحمل طفلها على ظهرها أو بين ذراعيها وتبدأ بالغناء له بشكل منظم وإيقاعي. المغاربة ردوا على الاستعمار والحروب بصون الملحون والأهازيج والموسيقات الأندلسية واليهودية والأمازيغية ومن وجهة نظره لفت مارتن سكوتس عالم الإثنولوجيا ورئيس قطاع كلية الملك إدوارد للموسيقى، إلى أن أغاني المهد مختبر كوني للثقافة واندماج العواطف مشيرا إلى أن الأبحاث التي أجريت في البلقان حول أغاني المهد كشفت عن ملامح متشابهة في ما بينها وبين أغاني الزفاف والمراثي، ورأى أن مساهمة المرأة فيها كبيرة، والأداء يختلف حسب الأجواء، فالمرأة التي تفقد عزيزا تخاطب الطفل، وبالتالي يمكن أن يكون المستهدف من أغاني المهد شخصا آخر، ويمكن أن تخاطب نفسها وتعبر عن مشاعرها. واعتبر مارتن سكوتس أن الذاكرة الموسيقية والتشكيل العاطفي الأصلي يساهمان في التأقلم مع ظروف مجتمع الإقامة، والموسيقى تسمح بالحفاظ على أشياء كثيرة مرتبطة بها كهوية متنقلة. تنوع أغاني المهد هناك أنواع مختلفة من أغاني المهد وليست هناك نماذج وأوصاف ثابتة، كما لاحظ مصطفى سعيد مدير مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية، ففي بعض الحالات تشرح الأم من خلال أغاني المهد أزمتها مع الرجل ويمكن أن تنتقل في مرحلة ما إلى سب الطفل وهي توجه كلامها لزوجها وهذا مشترك بين مصر وبر الشام. صناعة المهد يصنع المهد من أفضل الخشب الذي تتم زخرفته لأسباب فنية ونفسية، يقول جون بيلي، كما أوضح رئيس وحدة الموسيقى الأفغانية بجولد سميث، بجامعة لندن، وذلك تخفيفا للأوضاع النفسية عن طريق الانتقال من مرحلة لأخرى أكثر كثافة، سواء لدى الأم أو الطفل الذي يستمع لمثل هذه الأغاني والإيقاعات، فيكون حساسا أكثر، مضيفا أن أغاني المهد في إيران مثلا تحتوي على تقاسيم يتعود الطفل عليها حتى يصل إلى الخامسة من عمره. في تجربتها الميدانية لاحظت إلاريا سارتوري، الخبيرة في التوثيق والمحافظة على التراث الثقافي الحبشي، أن هناك ملامح مشتركة من حيث الأداء بين المناطق الحضرية والريفية لدى ربات البيوت في إثيوبيا، فربات البيت من موظفات وفلاحات ومحترفات لمهن أخرى يساهمن ببروز والحفاظ على هذه الأغاني. وضربت سارتوري المثال بالمغنية نوريا بأديس أبابا التي أصدرت أشرطة أغاني مهد متنوعة تعتمد على البيئة الثقافية، وتبدأ تلك الأغاني بتراتيل وأنواع أخرى من الإيقاعات تستمر لساعات لأجل تنويم الطفل. التكنولوجيا والتراث الموسيقي مؤتمر الموسيقى بأصيلة.. خطوة متقدمة على طريق طويلةمؤتمر الموسيقى بأصيلة.. خطوة متقدمة على طريق طويلة المشاركون في مؤتمر الموسيقى بأصيلة أوصوا بضرورة اتخاذ مبادرات متنوعة من أجل ضمان الحفاظ على التعبيرات الموسيقية في العالم الإسلامي، وإنشاء مركز أو مراكز للبحث، مع الأخذ في الاعتبار الإمكانات الجديدة التي يمنحها التطور التكنولوجي. وفي هذا السياق قال باسكال كورديريكس، المشرف العام على المكتبات بفرنسا، إن التكنولوجيا كفيلة بإثراء وتحسين وحفظ الموروث الموسيقي. فقبل 15 سنة لم تكن هناك مؤسسات ومراكز مختصة في هذا المجال على العكس مما هو قائم اليوم، ورأى أننا في حاجة إلى التعاون في ما بين الخبراء في الموسيقى والصوت حتى نساهم في تحسين المراجع الصوتية. وفي مداخلته أشار مارتن سكوتس عالم الإثنولوجيا ورئيس قطاع كلية الملك إدوارد للموسيقى، إلى أنه في الوقت الراهن هناك تراكم مفرط وكثرة في المراجع والمواد يستوجبان عملا ترقيميا صارما للوقوف ضد التلاعب والمساس بهذا التراث. وبرز في النقاش حديث حول ضرورة التركيز على أهمية التوثيق وصون الموروث الموسيقي خصوصا في المناطق التي تعرف آفات الحروب كالعراق واليمن، وهما بلدان عرفا اندثار مخزون ثقافي كبير، وهذه العملية تقع في صلب اهتمامات المركز المقترح إنشاؤه. تثمين دور أبوظبي أعلن شريف خزندار رئيس دار ثقافات العالم في باريس سابقا، بأن أهمية المؤتمر تكمن في سعيه وراء “الحث على التفكير في الوسائل التي من شأنها النهوض بصون وانتقال هذه الموسيقات في ما يسمى بالعالم الإسلامي”، لافتا إلى أن أهمية ما قامت به مؤسسة أبوظبي للسياحة والثقافة التي أنجزت بتعاون مع المكتبة الوطنية بفرنسا من رقمنة ونشر مجموع تسجيلات مؤتمر الموسيقى الغربية الذي انعقد في القاهرة سنة 1932. وفي هذا الصدد أشاد المشاركون بالاهتمام الذي أولي في أبوظبي من أجل إنجاز المشاريع المتعلقة بالجمع والتوثيق والنشر ذي الصلة بالموسيقى في العالم الإسلامي. الحنين إلى الوطن يبرز لدى المهاجرين واللاجئين من خلال الأداء الموسيقي الذي يقوي الجانب الانفعالي ويكتسي إصدار النسخة الرقمية لتسجيلات مؤتمر القاهرة 1932 وتسجيلات التهويدات المنتقاة من عشرين بلدا، ونتائج نــدوة 2009 “صون التراث الموسيقي”، حسب المشاركين، أهمية بالغة ويستحق توزيعا على نطاق أوسع وتقديرا مناسبا من لدن المؤسسات الجامعية ولدى العموم، وقد أبدى المشاركون في المؤتمر رغبتهم في مواصلة التعاون مع أبوظبي لمواصلة مجهوداتها المبذولة في هذا الصدد. موسيقات متعددة جان لامبير، الأستاذ المحاضر بالمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بفرنسا، ركز هو أيضا على أهمية التكنولوجيات في صون الموسيقى العربية التي تتميز بتنوع كبير، موضحا أننا لا نتحدث عن موسيقى واحدة بل عن موسيقات متعددة، وهذا ما يدفعنا إلى التأكيد على تسجيل هذا الموروث من طرف مؤسسات ومراكز محلية وعالمية معا، كمؤسسة أمار بلبنان، والخزانة الصوتية الوطنية بتونس، ومركز التراث الموسيقي اليمني. وأكد لامبير على دور التكنولوجيات في صون الأرشيفات الصوتية بعدما شهدنا تقدما بارزا في صون تاريخ الصوتيات والأرشيفات المشتركة للعرب والمسلمين من عربية وفارسية وتركية وهندية وباكستانية، وبفضل هذا المشترك الموسيقي يمكن تجاوز الحدود اللغوية والجغرافية مع التركيز على المحافظة على حقوق المؤلف. الحرب والموروث الموسيقي على صعيد آخر، يقول جان لامبير الأستاذ المحاضر بالمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بفرنسا، إن الحروب كانت سببا في تدمير بنية مهمة من الصوتيات، واعتبر أن مركز التراث الموسيقي اليمني لا يزال قائما ويحاول المساهمة بجدية في حفظ التراث الموسيقي اليمني، فيما تساءلت شهرزاد حسن عما يحدث للموروث الموسيقي بالبلاد التي تعاني من الحروب مركزة على العراق حيث أن العديد من التسجيلات الأكثر ندرة انتهت تحت القصف الأميركي لبغداد في العام 2003. وركزت شهرزاد حسن الباحثة الخبيرة في الموسيقى الإثنولوجية، على أهمية صون الباقي من المحفوظات والتسجيلات وقالت إن جهودا بذلت محليا وعالميا للحصول على تسجيلات متنوعة من الموسيقى بعد تغطية جميع المناطق التي تسكنها عدة طوائف وعرقيات من شيعة وأكراد وسنة وزيدية في الحضر والريف. وتساءلت الباحثة العراقية عما يحدث للأعمال الموسيقية التقليدية، ومن الذي سيضمن تجنب سوء استعمال تلك المراجع الأصلية، خصوصا عندما يتم الترويج عبر الإنترنت للمواد الموسيقية دون احترام حقوق الملكية. وخلصت شهرزاد حسن إلى أن الظروف الراهنة تحتم علينا بناء أرشيفات مرقمة وصونها بطرق علمية فالتوثيق بالغ الأهمية للأرشيفات الموسيقية لترويجها والإفادة منها. ومن ناحية أخرى برز في المؤتمر حديث عن إذاعة عدن التي أنشئت عام 1964 والتي كانت تحتوي على مقاطع أصلية مكونة من 5000 شريط و30000 أسطوانة تعود إلى السبعينات من القرن الماضي لكنها تناثرت بفعل تواجدها بأماكن غير محمية في شروط غير مناسبة، ولقيمتها التوثيقية تم إرسالها من بعد إلى صنعاء لكنها فقدت نتيجة الحرب التي نشبت بين الجنوب والشمال بين عامي 1986 و1994، وتضيف شهرزاد حسن أنه لا أحد يعرف ماذا سيحدث نتيجة الحرب المستمرة اليوم، ولا من سيتحمل مسؤولية الأرشيف الموسيقي اليمني وهذا شأن كل من العراق وسوريا أيضا. التجربة المغربية التراث الموسيقي اليمني في مواجهة الحربالتراث الموسيقي اليمني في مواجهة الحرب أخيرا فإن ياسر بوسلام، وهو باحث في علم الموسيقى الإثنولوجية، بجامعة باريس، أفاد بأن المغاربة كان ردهم على الاستعمار والحروب من خلال صون موروثهم والدفاع عنه من التأثير الأوروبي والمصري في ذات الوقت، بالتركيز على الملحون والموسيقى الأندلسية والأهازيج والموسيقى الأمازيغية بوصفها جزءا من الهوية المغربية. موسيقى المهجر شهد النقاش الحديث عن موسيقى المهجر والصراع بين الهوية والواقع المعيش بعدما وجدت جاليات كبيرة نفسها في المنافي أكانت اختيارية أو مفروضة، وطرح السؤال حول ما يمكن للأنماط الموسيقية المحلية المختلفة أن تفعله في سياق التفاعل لأجل إسقاط الحواجز بين الجاليات المختلفة. ومن ناحية أخرى تؤكد الباحثة في الموسيقى التقليدية الصينية مقدس ميجيت، المقيمة في تولوز بفرنسا، أن موسيقى الويغور الذين هاجروا من غرب الصين إلى فرنسا، استطاعت بمعية الرقص المحلي أن تخلق جوا من التلاقي وتوطيد العلاقات الشخصية مع جاليات مختلفة بإحياء سهرات وحفلات يشترك فيها جمهور متنوع. وأفادت الباحثة أن هناك نشاطا للحفاظ على رقصات مجتمع الويغور عكس الموسيقى التي أدخلت عليها بعض التحسينات، وهذا جعلنا، كما عبرت، نقوي هويتنا الثقافية، وشجعنا على الترويج لموسيقانا بفرنسا. وهنا بتولوز يتواجد عدد من الجاليات من كوريا واليابان والصين وغيرها تقوم برقصات على موسيقانا. الموسيقى والمنفى أخيرا تجدر الإشارة إلى تلك الإشارات المهمة التي صدرت عن المؤتمر لا سيما تركيزه المتكرر على أن ما يفرضه المنفى، كعبور للحدود السياسية والجغرافية، من عمليات أخذ وعطاء وتبادل بين الأمم والثقافات والهويات المختلفة وفي هذا السياق يرى قدسي أرجون، عازف الناي وأستاذ الموسيقى العلمية العثمانية في روتردام والبندقية، أن الموسيقى تعكس ظروف المنفى بحكم طبيعتها، فمع الهجرة ترتفع الحاجة إلى إثبات الهوية بالانتماء إلى أنماط موسيقية معينة، فيبحث المهاجرون عن جذورهم الراسخة في بيئتهم كالموسيقى الشعبية وضرب على ذلك مثالا في انتشار موسيقى “الراي الجزائري” في فرنسا. وقد لخص اكهارت بيستريك، أستاذ الموسيقى الإثنولوجية بجامعة كولونيا بألمانيا، الحديث في علاقة موسيقات المنفيين بالجذور بقوله إن عمق الحنين إلى الوطن يبرز لدى المهاجرين واللاجئين من خلال الأداء الموسيقي الذي يقوي الجانب الانفعالي، فالموسيقى تسمح بالعودة إلى الجذور والاحتماء بها والمخيمات تسمح بتطور الأداء الموسيقي استجابة للتجارب اليومية والحاجات الأساسية من نفسية واقتصادية واجتماعية، وتساهم من تخفيف وطأة المعاناة، وتفتح المجال لتطور الفن في العالم والحوار بين الثقافات.

مشاركة :