إبراهيم سليم (أبوظبي) أكد معالي الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، أن كل من يخرج للإفتاء عبر أي وسيلة إعلامية أو معلوماتية يتعين عليه أخذ رأي المجلس وفقاً للقانون، وأنه على المجلس مسؤولية إعداد المفتين وملء الساحة بالمفتين المعتدلين، وأن للمجلس وحده الحق في الإجابة عن الفتاوى الحساسة، مشدداً على ضرورة نزع سلاح الإفتاء من المتطرفين، وأن المجلس سيعمل على استباق المتشددين والمتطرفين والمارقين بسلاح يكسر شوكتهم، وسيتصدى لكل ما يمس أمن المجتمع دون تساهل وتقديم منهج صحيح للفتوى، لافتاً أن المجلس الآن يبحث الآليات لترجمة رسالته ومهامه عملياً على الأرض، والإشراف على المراكز وتوجيهها من خلال منهجية معتبرة، وسيتم إعداد دليل إرشادي لتدريب للمفتين. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده أمس بفندق سانت ريجيس بأبوظبي، بحضور الدكتور محمد مطر الكعبي رئيس هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأعضاء المجلس. وقال معاليه: «إن قرار القيادة الرشيدة في دولة الإمارات؛ بتشكيل مجلس الإفتاء، يشكل خطوة جديدة في إطار نهج التسامح وفلسفة التعايش السعيد، في الإمارات»، معتبراً أن القرار يواجه انحراف مسار الفتوى، الذي صار بمثابة سلاح للمتطرفين وحملة الفكر المأزوم؛ بكل أطيافه ومظاهره.. سلاح استباح الأديان وجنى على الإنسان، فاصطلت بناره كليات الشريعة، واجتثت به جزئياتها ومفاهيمها، وانبتت نصوصها عن سياقاتها، ولذلك يبدو الواقع اليوم ملحاً إلحاحاً لا ينتظر تنظيرَ المنظرين ولا تأصيلَ المؤصلين، واقع معقد في تركيبته، وفي إكراهاته، وفي تقلباته وتغيراته، وهو ما يلزم الدولة في المجتمعات المسلمة أن تستعمل السلاح نفسه في مواجهتها المباشرة وغير المباشرة مع التطرف، وفي تدخلاتها العلاجية والوقائية الاستباقية ضد ثقافة العنف والكراهية والإرهاب، وتحصين المجتمع بفتاوى رصينة ضد الفتاوى المارقة التي تفضي إلى المفاسد دون المصالح، وتغذي نيران الحرب المجنونة بدل السلم بيئة كل الحقوق، ومظلة لكل مكونات المجتمع». وقال الشيخ ابن بيه: «إن قرار مجلس الوزراء، الذي شكل مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، يأتي في عام زايد، وفي سياق تحقيق غاية ضبط الفتوى ومأسستها؛ ليمثل مع غيره من المؤسسات في الدولة سياجاً وحصناً من الفتاوى المارقة، والتيارات الهدامة التي تهدد الأمن الروحي والسلم الأهلي والاجتماعي والإقليمي بل والدولي، ولا يقف هذا المجلس عند هذه الغاية، بل سيكون معلماً وملهماً ليس فقط للعلماء المفتين في هذه الدولة الكريمة المباركة، ولكن لنظرائهم وزملائهم، والمجالس والهيئات الأخرى في العالم الإسلامي، وللتأكيد على الاختصاص الحصري في إصدار الفتاوى العامة الشرعية للمجلس، الذي أنيط به أيضاً ضبط الفتوى الشرعية وتوحيد مرجعيتها وتنظيم مسؤوليتها وتأهيل المفتين وتدربيهم»، داعياً أعضاء المجلس أن يكونوا محل ثقة القيادة الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. وتناول معالي العلامة ابن بيه كل ما يتعلق بالمهام وخطط العمل للمرحلة المقبلة، كما أوضح فضيلته عدداً من القضايا والأمور المتعلقة بالفتوى، وبين ما يتعلق بالفتوى وفقه الواقع، وأيضاً علاقة الواقع بالفتوى، موضحاً أن مهمة الفتوى تنزيل أحكام الشرع على واقع المكلفين، ولذلك فهي ترتبط بحياة الناس ومعايشهم، ومصالحهم في العاجل والآجل، ما يحتم على المفتي مراعاة مقاصد الشارع. وهو ما قام به المفتون؛ منذ العهد النبوي، وصحابته رضي الله عنهم، وخاصة الخلفاء الراشدين الذين كانوا يحققون مناطات النوازل بناء على الواقع، وتبعاً لظروف تغيرت وأحوال تطورت. وفيما استعرض رئيس «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي» العلاقة بين الواقع والفتوى، وكيف يتعرف المفتي على الواقع، أوضح أن إعمال الوسطية في الفتوى يجب أن يكون دون إفراط ولا تفريط، ونبذ المبالغة والمغالاة، ما يعني أن الوسطية هي الميزان والموازنة والتوازن بين الثبات والتغير بين الحركة والسكون، هي التي تأخذ بالعزائم دون التجافي عن الرخص في مواطنه، والربط بين النصوص وبين معتبرات المصالح في الفتاوى. وأوضح الشيخ ابن بيه أن «تصنيف القضايا النازلة» يمكن ترتيبها إلى شقين، قضايا (أ) وهي قضايا فروض الكفايات وبخاصة السلطانية عند الفقهاء: كقضايا الجهاد والحرب والسلم وأنظمة الحكم والتكفير والعلاقات والمعاهدات الدولية، وهذه لا يفتي فيها إلا الجهات المكلفة من قبل الدولة بالفتوى لما قد يترتب على ذلك من المفاسد وتهديد السلم في المجتمعات المختلفة، وقضايا (ب) القضايا المعروفة التي يحتاجها الفرد كل فرد ويعلمها أكثر الناس لأنها مما علم من الدين بالضرورة، كالصلاة والصوم والزكاة والحج والمواريث. من جهته، أكد الدكتور محمد مطر الكعبي رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، أن قرار مجلس الوزراء الموقر بإنشاء مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، يشكل خطوة مباركة، تتوج الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومتنا الرشيدة لتطوير الخطاب الديني، وترسيخ قيم التسامح والتعايش والاعتدال وتعزيز مرجعية الإفتاء الرسمي في المجتمع الإماراتي، وتحصين فكر الأجيال من اختراقات المتطرفين والإرهابيين، وإعادة الصورة الحضارية الناصعة للدين الإسلامي الحنيف.
مشاركة :